البحث

التفاصيل

قيد الأمة والعالم "عمارة الفكر والعقل والوجدان

الرابط المختصر :

المفتي العام للقارة الأسترالية 

       الدكتور إبراهيم أبو محمد 

ينعي فقيد الأمة والعالم "عمارة الفكر والعقل والوجدان.

                          بسم الله الرحمن الرحيم 

{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

ضحايا الموت من أبناء البشر بمآت الآلاف في كل يوم ولكن الذاكرة الإنسانية تتوقف فقط عند بعضهم. وقليلون هم أولئك الذين يرحلون عنا ويودعون دنيانا فيحزن الكون عليهم حين تخلو منه أماكنهم، فتفقد الإنسانية بفقدهم عناصر جمالها وبريقها وروعتها. 

مقتدر وجبار هو ذلك الموت...يقتحم البروج المشيدة بجدارة، ويختطف بجسارة من كان في قائمته وقد جاء دوره ولو كان يمثل 

 عزيمة أمة؟

 ووعي منهج ورسالة؟!

 وضمير شعب! ؟

 ومستودع حضارة!؟

 وقامة فكر وثقافة!؟

ومقام عالم وفيلسوف وحكيم!؟

د. محمد عمارة كان يعدل وحده جيشا من الهامات العالية تصد عن دين الله وعن الأمة وثقافتها وتاريخها وتراثها كل غارات الأعداء، وتحطم غرور موالي وعبيد "بني علمان" وتفضح جهلهم وتجعل مدعي الحداثة والتنوير في عالم الثقافة والإبداع والفكر أضحوكة الناس. 

• لم يكن الفقيد د. عمارة مجرد عالم أو فيلسوف يهمهم بكلمات سحرية توقظ العقل الغافل وتعيد وعي الغائب أحيانا، وتسقط وعي اليقظة أحيانا أخرى،

 وإنما كان عالما ربانيا كبيرا يستجلي بواطن مناظريه،

 فإذا أدرك جهلهم علَّم في رفق وأناة، 

   وإذا أحس ضعفهم صوب في أدب شديد ذلك الضعف ورشَّد سعي صاحبه، وإذا استشعر غروره وتربصه بالحقيقة وتعمده للتشويه شوى جلده وسواه على كل جنب حتى يرتدع ولا يعاودها.

د. عمارة، كان عمارة قلب، وعمارة عقل، وعمارة حياة ووجود كامل.

           ترى طلعته البهية، بوقاره وثباته في شاشات التلفاز فتدرك أن دينك في أمان، وأن قيمك مصانة، وأنك ستسمع الحقيقة في أبهي صورها،

 وأنها ستنتصر وتعلو رايتها، فلن يستطيع مرتزقو الحداثة أو غلمان العلمانية أن يشوهوها أو حتى يمسوها بسوء. لأن "عمارة" حارسها وحاميها، .... وهو هنا...، فلا خوف من خداع أو تدليس وتلبيس. 

• عزته في دينه انعكست على قلمه ومواقفه شرفا وأصالة، فكان عزيزا لا يغلب في فكرته، ولا يشق له غبار في حوار أو مناظرة أو جدال. 

وكأنه كان أبا حنيفة:

 في قوة الحجة،   

                وقدرة البيان،  

       وحِدة المنطق،

        وصحة التوثيق 

                         وسلامة الدليل 

                      وسهولة التوصيل 

                      وسلاسة الإقناع.

سعت إليه الشهرة – ولأنها لا تعرف معدنه، ولا تعرف أن شموخ العبودية لله قد حرره من خوف الخلق وسطوة الجاه والسلطان وبريق الشهرة. - فقد حاولت أن تجرجره وراءها كما تفعل دائما ببعض الأقلام وبعض الكتاب، لكن الفارس الراحل إلى الخلود ركلها بعيدا حتى جرت هي إليه بكل سرعتها لتنال شرف مرافقته وتسجل للدنيا مرافعاته في الدفاع عن الإسلام والتعريف به والفخر بالانتساب إليه.   

     فارسنا المفكر والعالم الدكتور محمد عمارة كان - هو لا غيره - سلطان الفكر والعقل بين أبناء جيله، وكان في مقدمة الأبطال الذين خاضوا غمار حروب فكرية وثقافية تريد اغتيال عقيدة أمة!  فتصدى ودافع، ورد موجات الشر الثقافي، وحطم رياح الخماسين التي كادت أن تعصف بما تبقى للأمة من مروءة، وما تبقي للعروبة من شرف. 

• فقيدنا بقدر ما كان يعرف أمراض أمتنا، وأنها تعاني من الشعور بفقدان المصداقية والثقة، كما تعاني من الشعور بالغدر والإحباط، بقدر ما كان يعرف خبث أعدائها ومؤامراتهم، وحرصهم أن تنسلخ الأجيال الجديدة من دينها فاندفع منحازًا للحقيقة ضد المؤامرة، وراح يجاهد بفكره وقلمه من أجل نصرتها وعزتها، وحماية كرامة أصحابها من كل أنواع الاغتيال المعنوي.        

  كان يعلم أن الأمة في حاجة لمن يرفع منسوب الوعي لديها. 

وأن المسلم في حاجة إلى من يذكره بالمبادئ والقيم واحتياجات الإنسان الروحية والأخلاقية،

 وأن الوجود في حاجة لرجل من أهل العلم والفكر والثقافة الأصلاء الذين يبشرون بالأمل ويرفعون من همة الإنسان، ويحولون المعوقات والمثبطات إلى وقود وطاقة للحياة والحركة، ولم يكن لتلك المهمة غير "العمارة" سيد المفكرين في عصره.

 فهل يمكن أن يغيب عن الدنيا عمارة العقل والفكر والوجدان.......؟ 

 هل يمكن أن تخلو الدنيا من المفكر القائم لله بحجة...؟ 

هل يمكن أن يُغَيِّب الموت حارس الحقائق وحامي حمى الإسلام وبطل الحوار وفارس البرهان.. ؟ 

هل يمكن لصاحب ذلك العزم الفكري المحتوِى لحضارة الدنيا، والمستوعِب لثقافة وفلسفة الحياة في الشرق والغرب معا أن يوارى التراب.؟ ... آه من هذا التراب

• ومع صدمة الفقد أشجان وأحزان وأوجاع، وحنين إلى المسافر الذي ترك الفراغ الكبير ولبى نداء المحبوب.   

• واليوم أنعي إلى الأمة والعالم موت علامة عصره، وأعزيهم في غيابه عن ميادين الشرف والفكر الحر، وأتضرع إلى الله صابرا محتسبا أن يعوض أمتنا عن فقده.  

ولتهنأ روحك – سيدي - بالجوار الأعلى جزاء انحيازك للحقيقة ودفاعك عن دين الله. 

ومحال: وحتى مع هول المصاب وعناء الفقد وآلام الفراق أن أن نلجأ إلا لمن يدركنا غوثه فيهدئ من الروع ويذهب الفزع عنا، وقد علمنا أن مع الصدمة يكون الاسترجاع {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 

نقولها إقرارا بالعبودية والرق له سبحانه، والتسليم لقضائه والرضا بقدره، حتى ولو كان المصاب أغلى وأعلى من الحياة نفسها، فاللهم أدركنا بألطاف رحماتك التي تطفئ لهب الأحزان،  وأمنن علينا ببرد صلواتك، التي تنقذنا من سراب الطريق وتعيدنا إلى جادة الصواب وقصد السبيل، فأنت وحدك وكيل وكفيل أن تقينا شرور الجائر منها، وأن تدخلنا دائرة الجمع الميمون {أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}

• وندعوك اللهم لأستاذنا وقد غادرنا وتركنا، وسارع في الخطو إليك، أن تتقبله بما يليق بك كرما وإحسانا، واجعله يا سيدي ضمن شهداء الإسلام ،وألحقه في أهل الجنة بحبيبك ومصطفاك، واجعله واجعلنا معه من الذين سبقت لهم منك الحسنى فكانت لهم الحسنى وزيادة. 

{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

                                            أ.د إبراهيم أبو محمد 

                                     المفتي العام للقارة الأسترالية 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بمزيد من الألم والصبر والاحتساب ينعي سماحة المفتي العام للقارة الأسترالية ومجلس الأئمة الفدرالي كلا من أصحاب الفضيلة:  

 المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور/ محمد عمارة

 وفضيلة الشيخ/ خالد بركات، شيخ قراء عكار.  

وسيقام مجلس عزاء مساء يوم الأربعاء عقب صلاة المغرب وذلك بمقر مجلس الأئمة الأسترالي بمدينة سدني على العنوان التالي: Building 3, Level 3, 20 Worth Street

CHULLORA NSW 2190

• كما ستقام صلاة الغائب على روح الفقيدين عقب صلاة الجمعة القادمة الموافق 6/3/2020    في كل مساجد استراليا إن شاء الله تعالي.


: الأوسمة



التالي
البعد الأخلاقي في فكر الشيخ محمد الغزالي (دراسة)
السابق
تداعيات وآثار مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع