الوباء الصيني والاضطهاد الديني
أ. د. عبدالرزاق قسوم
اهتزت المعمورة، هذه الأيام، فزلزلت الأنفس زلزالها، وقطع الهلع أوصالها، وتساءل العلماء والأطباء ما لها؟
ذلك لأن وباء قاتلا، حمل اسم وباء “كورونا”، فتك بالآلاف من الصينيين، وانتشر انتشار النار في الهشيم، في كل ربوع العالمين، فحير الأطباء في المستشفيات، وأيقظ المحللين في المخابر، فحرم عليهم السبات.
لم تجد الصين، ما تملك من إمكانيات، وما تزخر به من طاقات في الاقتصاد، والتكنولوجيا والإيديولوجيات.
حير هذا الوباء، في الجو أسطول الطائرات، وفي الأرض الموانئ والمطارات، فحكم على بني البشر بوضع الكمامات، وعزل القادمين من الصين، بالعزلة، والتهميش في المنتجعات.
اهتز العالم – إذن- لظهور جرثومة الوباء الصيني، فنشر الرعب في كل بلاد، وتجندت لتطويقه المخابر الطبية في المستشفيات والمصحات.
غير أن وباء آخر، أصاب الصين الإيديولوجية، إنه الوباء العقدي ممثلا في الاضطهاد الديني، الذي ضرب في صمت عشرات الملايين من الصينيين المسلمين.
ولا ذنب لهم، إلا أن يقولوا ربنا الله.
سبحانك اللهم، أظهرت أشراط الساعة في جسم العملاق الصيني، فكشفت عن عجزه أمام عظمة قدرتك وانتقمت للمستضعفين الصينيين من أتباع ملة أنبيائك ورسلك.
وجهان للصين في أيامنا هذه، وجه للوباء الصيني الذي دب في الأوصال، ووجه للاضطهاد الديني، الذي حكم على المسلمين الصينيين، بالعزلة، والقمع رهن الاعتقال.
فلماذا جن جنون العالم بكل قناعاته وأديولوجياته، لظهور الوباء، فتجند في الأرض وفي السماء، ولم يحرك ساكنا للمعذبين المسلمين الضعفاء؟
إنه عالم مليء بالتناقضات واضطراب الموازين، والمعايير، والمعادلات.
فهو مشغول بإبداع” صفقة القرن” عن ” محنة القرن”.
إن صفقة القرن هذه، تكفر بحقوق المستضعفين الفلسطينيين، فتنتزع أرضهم، وتعطل فرضهم، وتمزق أرضهم، في حين تملي للصهاينة المعتدين المحتلين، فتبارك قمعهم، وتشد أزرهم، وتضاعف قرضهم.
كما أن “العالم الحر”، “المتحضر” يغض الطرف، عن كل أنواع الفساد والاستبداد، والاضطهاد التي تجري هنا وهنالك، في أكثر من بلاد.
هلا فكر المتغطرسون في العالم باسم السياسة، والاقتصاد، والتكنولوجيا بأن هذا الوباء الصيني الذي خرج من رحم الصين، هو نوع من الاستجابة للمضطهدين؟
وهلا أدركوا، أن الله يمهل الظالم ولا يهمله، حتى إذا أخذه لم يفلته؟
إنه أنين الضحايا المعذبين في سجون الصهاينة المعتدين، وفي محتشدات الصينيين، المتغطرسين، إنه الدعاء المستجاب من الله، للمظلومين، والمعذبين، في الصين، وفي فلسطين، وفي أكثر من رقعة على الخصوص في بلاد المسلمين.
وعجبت، للصمت المريع من حكام وشعوب المسلمين، أمام ما يجري لإخوانهم المضطهدين، وعجبت أكثر لمن يتواطأ مع الظالمين، بمدهم بالعون الاقتصادي، وتشجيعهم على التمادي، والذهاب إلى حد مصالحتهم بالمشاعر والأيادي؟
إن الأمر جلل وإن حال المجتمع الإسلامي، بسبب حكامه ليعاني من كل أنواع الخلل.
فما لهؤلاء القوم، لا يكادون يفقهون حديثا؟
لقد أظهر الله إشارات وتنبيهات، بإظهار الوباء في الصين، وزعزعة الطغاة في حكمهم، في أمريكا وفي فلسطين، وبقى علي حكامنا، أن يأخذوا العبرة من هؤلاء المتغطرسين.
فقد علمنا التاريخ أن الفكرة الصحيحة وطنية كانت أو دينية، سيكتب لها النصر في النهاية، وأيا كانت التضحيات في البداية.
لقد انتصر أصحاب الأخدود على معذبيهم، وتغلب أبناء نوفمبر على مستعمريهم، وسينتصر المسلمون الصينيون على معذبيهم، والمستضعفون من الفلسطينيين على جلاديهم، وكل ذوي الحقوق، على ظالميهم.
تلك سنة الله في الذين خلوا من قبل، وإنها لسنته الباقية في الآخيرين، ولن نجد لسنة الله تبديلا.
فما من ظالم إلا سيبتلى بأظلم، وما من مظلوم، إلا سيكتب الله له النصر في البدء والختام، وما نخشاه أن يكون الوباء الذي لا يصيب الذين ظلموا منا خاصة، وأن العقاب الذي سينزل على البشرية بما كسبت أيدي الطغاة فيها، قد يكون له عواقب وضحايا على قوم آمنين، ولكن العافية في النهاية، ستكون للصادقين المؤمنين بحقوقهم، وما ضاع حق وراءه مطالب ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾[ سورة الشعراء، الآية: 227].