الرابط المختصر :
وقفة مع الاية: (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
د. حسن يشو (عضو الاتحاد)
حياكم الله:
قال تعالى: (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 87].
هذه محاولة جادة للتدبر في ضوء الآية، وتنزيلها على الواقع العالمي إثر قرارات إغلاق المساجد للضرورة والحاجة؛ أقول والله ولي التوفيق:
سياق الآية يرتبط بمحنة على عهد سيدنا موسى وهارون عليهما السلام عندما اشتدّ الأمر على قومهما من فرعون وزبانيته؛ إذ صمموا على فتنتهم عن دينهم، واستئصال شأفة التوحيد والعبادة عن بكرة أبيهم؛ فعلمتنا الآية أن "الأمر إذا ضاق اتسع"؛ إذا ضاق أداءُ الصلاة في المساجد: اتسع في البيوت!
ونحن ولله الحمد والمنة لم تغلق مساجدنا للعلّة نفسها على الرغم من وجود فراعنة جدد، بل بعلة عدوى "الكورونا" التي اضطرتنا لفضّ التجمعات البشرية بحياد كامل: دينية ودنيوية في المساجد والمعاهد والمدارس والجامعات والمحافل الاجتماعية والعلمية وهلم جرا!
كل ذلك يقع من حيث الاستدلال وفاقًا للمصلحة الشرعية في حفظ الأنفس والنسل، واستجابة لولي الأمر الذي الأصل فيه أن يكون تصرفُه على الرعية منوطًا بالمصلحة!
ولا تعجب -والحالة هذه- أن دعانا الله سبحانه إلى إقامة الصلاة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)؛ لأنها المخلص في الفتن، والشاحذ للهمم؛ فإليها المفزع عند الحاجة، وطلب الخير، والكسوف والخسوف، والخوف.. إلخ؛ ومن باب أولى في هذه الأيام العالمية العصيبة؛ تماما كما قال سبحانه: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة: 45].
وعند العجز عن إقامة الصلاة في المساجد يسعنا أن نقيمها في المنازل وخصوصا أن الأذان يرفع في كل وقت يصدح به الأطْوَلون أعناقا يوم القيامة.
إن أولياء الأمور ووزارات الأوقاف لم يحظروا الصلاة، ولا الأذان، بل تصرفوا بحكمة وتدرج بما لا مندوحة عنه في محاصرة الفيروس المعدي؛ وهو لا يعدو أن يكون تصرفًا حكيمًا احترازيًّا ليس إلا!
والعجب العجاب من قوم لم يكن ديدنهم الصلاة في جماعة ولم يعرفوا من رواد المساجد ولما وقعت النازلة وقابلها تصرف الفقهاء الحكيم؛ فتحوا أفواههم ونظائرهم ممن يتخبطون بين الإفراط والتفريط للغيرة على المساجد وكان يسعهم السكوت، ولا غرو أن تسمع شيئًا من ذلك من بعض طلبة العلم؛ ولو سكت من لا يعرف لقل الخلاف كما قال ساداتنا الأجلّاء!
وما كان عن بعض العلماء المفاضيل من الاعتراض على الإغلاق والبديل أن تنقص الجماعة فيخفف العدد؛ أقول: هو أمر غير منضبط؛ وأن سنن الله لا تحابي أحدا أبدًا، علاوة على أن حكم الحاكم يرفع الخلاف وأن شيئا من تلكم الآراء مصيرها اليوم: "تُطوى ولا تروى".
وليندم –وهي فرصة للتوبة- كل من كان يقصر في أداء الصلوات في المساجد أيام الرخاء، ولما حلّت أيام الشدة والفتنة فهي فرصة للتوبة: وشروطها ثلاثة: الندم على التفريط فيما سبق، والشروع في أدائها مع الأسرة في البيت، والعزم على أدائها مع الجماعة في المساجد حين تفتح قريبا إن شاء الله!
تأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، والْبَيْتِ الذي لا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ والْمَيِّتِ" [خرجه البخاري (6407)، ومسلم (779)]. فهي فرصة لنكثر من ذكر الله في بيوتنا؛ حتى نزرع فيها الحياة؛ لأنها بدون ذكر الله قبور وموتى!
وقوله صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا" [أخرجه أحمد برقم (22137)، والبيهقي برقم (1059)، والطبراني برقم (7931)، وصححه الألباني في إرواء الغليل: 1/ 316]. فإذا الصحاري والمفاوز والأرض كلها متاحة للصلاة فمن باب أولى في البيوت!
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَجعَلوا بُيوتَكم قُبورًا" [أخرجه أبو داود برقم (2042)، وأحمد برقم (8790)، والطبراني في المعجم الأوسط برقم (8030)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7226)].
وإن كان هذا الحديث أصلا في النوافل؛ فهذه فرصة لأداء الصلوات المفروضة والنوافل والرواتب في بيوتنا؛ حتى تكون عامرة معمورة بذكر الله لا خرابا يبابا!
ولقد أردف الله الآية التي نتفيّأ ظلالها بقوله: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)؛ وهي تفتح علينا أبواب التفاؤل وتحظر التشاؤم والتهويل المرعب وفق الآتي:
- فيها بشارة بالنصر والتمكين لهذه الأمة برغم الهزائم المتلاحقة!
- فيها بشارة بالعافية والمعافاة من الأمراض الفتّاكة والأوبئة المعدية.
- فيها بشارة بالانفراج بعد الشدة "اشتدي أزمة تنفرجي ** قد آذن ليلك بالبلج".
- وتمام البشارة أن نلهج بالدعاء لتفريج الكروب "الشدة أودتْ بالمُهَج** فيا رب عجل بالفرَج".
- ومن البشارة أن تتفاعل الكافّة مع الحدث بإيجابية يبشرون ولا ينفرون ويتفاءلون ولا يتشاءمون!
- والبشارة هنا بسلامة العاقبة وعودة الأمور إلى نصابها والمياه لمجاريها قريبا إن شاء الله.
- وعوَض العويل والصراخ واللعن والشتم والتذمر والضيق نريد أن نزيد في جرعة التعبد والزلفى من الله تعالى والخشوع في الصلاة وإنشاء الجماعة داخل البيوت.
- في الآية ذكرى وتعبئة روحية سامية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!
وكتبه الفقير إلى عفو ربه: أبو نوفل حسن يشو –لطف الله به وبكم-