ليس لها من دون الله كاشفة
أ د. عبدالرزاق قسوم
لطفك –ربِّي- بنا، من هول هذه الأوبئة الآزفة، النازفة، العابرة للقارات، المروّعة للمجتمعات، والممزقة لشمل العائلات.
رحماك ربي، من هذا الوباء الزاحف، الذي عطّل العقول، وشل المخابر عن إيجاد الحلول، وصار يلوّح بحرب إبادة على خط الاستواء، في العرض والطول.
حيّرنا –والله- أمر هذا الداء، الصادر عن بني الأصفر، والذي أصبح يدمّر كل الألوان، الأبيض منها، والأحمر، والأسود، حيثما وجد، ولو كان في إيران أو الطليان.
فهل هي حرب المخابر، التي أدخلتنا في صراعها، هول المقابر؟ أم أنها حرب اقتصادية لأخذ السيطرة العالمية، فلم تتورع من أجل ذلك، على شنّ هذه الحرب الإبادية؟ أم هي حرب نفوذ سياسي، تسعى للتحكم، في أنفاس الناس، فتخلط الأخماس بالأسداس؟
إن كل هذا وارد، ولكن الأكثر تأكيدا منه، هو أنه الابتلاء، الذي كشف عن عجز الأطباء، وتجربة الخبراء، وفضح زيف الكبراء والعظماء.
ذلك أن جرثومة الصين هذه، التي أصابت العالم في قمة رأسه الصناعية، وفي أوج حضارته المادية، وفي أنكى غطرسته السياسية، عرّت كل هذه القوى الشيطانية، فلاذت –لعجزها- بالنقاب، وفرض الحصار والحجاب، وإقامة الحواجز، وغلق الأبواب.
فأين –إذن- التنابز بالإيديولوجيات، والعلمانيات، والتباهي بالنوويات والكيمياويات؟ وقف كل ذلك عاجزا، عن حماية الإنسان المبتكر للمهلكات، فاستسلم أمام أصغر وأخطر الجرثومات، ولم تجده أحدث المخابر، ولا أعظم المستشفيات.
أيعقل أن يعجز الإنسان الصيني، والأمريكي، والأوروبي متفرقين أو مجتمعين عن حماية الإنسان والإنسانية، من أصغر جرثومة؟ لقد ضعف الطالب والمطلوب.
وبعد؛
فما هو المصير والحل، والوباء يتسع يوما بعد يوم، فيحصد الأرواح بالعشرات، والمآت، والآلاف، ولم تسلم من عواقب شره، كل الفئات والأطياف؟
لقد أفسد الوباء الصيني، على العالم، كل المخططات، فتحكم في إبطال كل أنواع الاتصالات، ونجح في إلغاء كل التظاهرات، وقضى على الأسعار في الصادرات والواردات؛ وها هو العالم، في مختلف أقطاره، على وقع زلزال يوشك أن يدمر كل الطاقات والإمكانيات.
” استوى الماء والخشية” فقد كان الأقوياء عندما يحل بهم مرض ما، في بلداننا الضعيفة، يلجئون إلى الدول العظمى الأوروبية، والصينية والأمريكية للعلاج، لكن ما الحيلة وقد تساوى الكل في معاناة الوباء، بل وتزداد خطورة الداء، في هذه الدول العَصْماء، وأصبح الملجأ من الداء، ينجي أكثر في البلدان الضعيفة، وشعار الجميع” وداوني، بالتي كانت هي الداء” .
سبحان مغيّر الأحوال، ومقصر الآجال، والداعي إلى إعادة تأمل الأقوال والأفعال.
وما دمنا قد جربنا، العلمانية فما أنقذتنا، واحتمينا بالإلحادية فما خلصتنا، وتبجحنا بمحادة الله ورسوله، فسلط علينا الأنكى من العذاب، أفلا نتوب إلى الله ونستغفره؟
فهل من قبيل الصدفة، أن يكون مصدر الداء هو الصين، التي كانت تضطهد المؤمنين من مواطنيها ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله؟
هلا أخضعنا هذه التجربة للتأمل والاعتبار؟ ولم لا نعود إلى رحاب الإيمان، فنعمل على تطهير العقول والقلوب، والأبدان والوجدان، من الخبائث، ونعوضها بالطيبات من كل شيء؟
فما دامت المخابر الطبية، والبحوث العلمية، والمستشفيات الصحية، قد أعلنت فشلها في مواجهة التحديات، لم لا نمكّن الأطباء المؤمنين، من الإنكباب على البحث والتحليل، فلعلهم، بالعلم والإيمان، يستطيعون أن ينقذوا الإنسانية من هذا الهلاك المبين؟
إن الإنسان، ليعيش اليوم، أخطر مراحل الإنسانية، عُتُوًا، واستكبارا، فسادا وإفسادا، بلادا، وعبادا، وعتادا، فيا ليت هذا الإنسان، يعود إلى رشده، ويدرك أن للكون خالقا، وأنه واهب الموت والحياة.
فلنجرب دوافع الحياة بالعلم والإيمان، بعد أن انهزمنا أمام دواعي الموت، فالله ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [ سورة الملك، الآية: 02].
وإذا كان العقل هو أعدل الملكات قسمة بين الناس، وإذا كان العلم حقا مشاعا بين جميع المخلوقات، فلِمَ لا ندفع بعلمائنا، وأطبائنا، وباحثينا، نحو البحث العميق، والدقيق لعلهم يكتشفون لنا، ما عجز عنه الأطباء الملحدون.
فإن نجح علماؤنا، كما نأمل ذلك، فسنكون قد اكتسبنا تجربة جديدة في الحياة، قائمة على ” وصفة العلم والإيمان” وإن فشلنا – لا قدر الله- فسنكون قد اكتسبنا أجر الاجتهاد.
فلندع الصناعة للصناعيين، والاقتصاد للاقتصاديين، والسياسة للسياسيين، ولنعد بالإنسان والإنسانية إلى القيم العليا التي انعدمت، فنحن أحوج ما نكون إلى قيمة الطهارة، وهي عامل وقاية من داء ” وباء كورونا” ولنعد إلى قيمة الحب والإخاء وهي القيمة التي ينشدها العالم اليوم في أوج محنته، ولنعد إلى قيمة الطيب من الغذاء، وهو واق من الوقوع في مختلف الجراثيم.
سوف يظل الإيمان –إذن- ينبوع وقاية وعلاج في انتظار العلاج الكافي والشافي، وهو ما من شأنه أن يخفف من المعاناة، ويقلل من هول المأساة.
إن هذه الإجراءات الاحترازية الإسعافية لا ينبغي أن تنسينا، عمق المأساة، والسبب الحقيقي في البحث عن ينبوع الإصابات.
فأيا كانت الأسباب، فإن المفترض من الذين يكمنون خلف هذه المحنة، أنهم قد حققوا غرضهم الدنيء، في تدهور حاله العباد، وإشاعة الفساد والكساد، وهم سيبوؤون بإثم الضحايا من عشرات الآلاف، الذين سيظلون، مهمازا يقض وعي المجرمين، وآن الأوان، لأن يكشف عن أصل الداء ليسهل إيجاد الدواء.
لقد ﴿ أَزِفَتْ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ [ سورة النجم، الآية: 57، 58].
فهل ستستعيد الإنسانية عافيتها، وأمنها وطمأنينتها؟ وهل سيستخلص الجميع العبرة من هذه المأساة العالمية فيتوب الكبراء من جبروتهم، ويكف المتغطرسون عن عتوهم وطغيانهم؟
رب ضارة نافعة، وقد يكون الظلم، أحد أسباب إيقاظ الأمم، كما يقول إمامنا عبد الحميد بن باديس.
وها هي الإنسانية كلها على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها، قد ظلمت، ونكبت، فلعل الله يهيئ لها من أمرها رشدا، وكفى بالموت واعظا، كما يقول الحديث النبوي الشريف.