بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى رقم 8
الخميس 9 شعبان 1441هـ الموافق ل 02/04/2020م
الحكم الشرعي للعربون في زمن جائحة كورونا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد ورد إلى لجنة الفقه والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سؤال عن حكم الشرع في مسألة العربون الذي قدمه مجموعة من المرتفقين في ظل جائحة وباء كورونا، فمنعهم من إتمام ما كانت لهم فيه رغبة، ولم يتراجعوا عما دخلوا فيه.
وبيانا للحكم الشرعي في هذه المسألة، نقول:
العربون: هو الدفعة الأولى المقدمة من الثمن الكلي، قدمها الطرف الأول الراغب للطرف الثاني العارض خدماته أو أشياءه. فإذا أمضيت الصفقة أضاف الباقي في ذمته، وإن تراجع كانت من حق الطرف الثاني جابرا أو زاجرا حسب التكييف الفقهي لموضوع العربون.
وجه التسمية: وتسميته عربونا أن فيه إعرابا من جهة الطرف الأول عن جديته في المعاملة، وأخذ الطرف الثاني له إعراب منه هو أيضا على القبول والموافقة، فسُمِّي بِذَلِكَ لأنَّ فِيهِ إِعْرَاباً لعَقْدِ البَيْع، لِئَلَّا يَمْلِكه غَيْرُهُ بِاشْتِرَائِهِ(1النهاية لابن الأثير:3/ص202، عون المعبود: 9/ص289).
الحكم الشرعي: وقد أجازه بعض هو أهل العلم، وهو الراجح كما هو مبين في كتب الفقه المقارن، وهو الرأي الذي انتهت إليه كثير من المؤسسات العلمية الشرعية، ومنها قرار مجمع الفقه الإسلامي، المنعقد في دورة مؤتمره الثامن، ببروناي دار السلام، من 1 إلى 7 محرم 1414هـ الموافق 21 ـ27 يونيو 1993م.
شروط التجويز: واشترطوا لإجازته شرطين أساسين:
الأول: أن تقيد فترة الانتظار بزمن، دفعا للتماطل الذي لا مبرر له في البياعات، وحسما للنزاع بين أطراف العملية المالية.
الثاني: أن لا يأخذ الطرف الثاني من العربون أكثر من مقدار الضرر إذا تم التراجع عن إتمام الصفقة.
وهذا الاختيار الفقهي كله في الحالة العادية للناس.
حالة الظروف القاهرة:
وأما في حالة الظروف القاهرة كحالة جائحة وباء كورنا التي فرضت على الناس التوقف عن ممارسة أعمالهم بطريقة اعتيادية، وألزمتهم الدول بإيقاف جميع الأنشطة أو غالبها حذرا من انتقال العدوى وتفشيها، بما يكون من عدم تقييد الحركات من حصد للأرواح، ومزيد من الآلام التي لا تتوقف إلا باتباع النصائح الطبية والأمنية في هذا الباب.
هذه الحالة الاستثنائية التي قهرت من دخل قبيل الجائحة في تسليم العربون، ويفاجأون بالحجر الصحي في البيوت، قد أحال سؤال الناس إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن حكم هذا العربون بالنسبة للطرفين معا، هل تجري عليه أحكام الحالة العادية؟ أم أن هذا القهر وفق إرادة هؤلاء مما لا يحل معهم ذهاب ما قدموه عربونا؟
وإن لجنة الفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بعد اجتماعها للنظر في الأسئلة الواردة عليها، وبيانا منها للحكم الشرعي الذي يبحث عنه عموم المسلمين، فإنها تقرر ما يلي:
1ـ تنصح عموم المسلمين بالتسامح في معاملاتهم التي دخلت في باب الظروف القاهرة، وتبين أنه لا يليق بالمسلم شرعا أن يستغل ظروف القهر للتربح، اتباعا لتعاليم الإسلام في الترفق، ومنها قوله تعالى: }ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل{(البقرة:188(، }يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل{(النساء:29)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"(البخاري: باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف، حديث رقم:2076)، وقوله عليه الصلاة والسلام:"من أقال مسلما أقاله الله عثرته»(سنن أبي داود: باب فضل الإقالة، حديث رقم:3460. ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
ومن تم لا يجوز له أن يأخذ شيئا من العربون، فإنه لا يحل له.
2ـ وترى اللجنة أنه إن تيسر للطرفين تأجيل إتمام المعاملة إلى ما بعد ارتفاع الجائحة والوباء على الناس، ورفع الدول والحكومات الحظر عن الشعوب، فحسنٌ. وهو الأفضل للطرفين معا. لأن مقدم العربون لا يعد متراجعا عن إتمام ما دخل فيه، ولكن الظروف القاهرة له ولغيره من عموم الناس، هي المانع من كل ذلك.
3ـ وإذا تعذر التسامح والحوالة إلى أيام السعة والأحوال العادية، فإن على المعنيين الرجوع إلى خبراء بلدهم، وإلى الجهات المختصة في قضايا النزاعات، لتقدير ما يجب في حق كل حالة على حدة.
وفي جميع الأحوال نرغب المتعاملين بالعربون ملازمة الإحسان الذي يحب الله تعالى أصحابه المحسنين،
ولا سيما في مثل هذه الضائقة الشديدة والجائحة العظيمة، قال تعالى:}وأحسنوا إن الله يحب المحسنين{(البقرة:195)، } ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم{(فصلت:34).
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
لجنة الفقه والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الشيخ الأستاذ الدكتور نور الدين الخادمي رئيسا
الشيخ الدكتور فضل مراد عضوا ومقررا
الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد جاب الله عضوا
الشيخ الدكتور سلطان الهاشمي عضوا
الشيخ الدكتور أحمد كافي عضوا
الشيخ ونيس المبروك عضوا
الشيخ سالم الشيخي عضوا
الشيخ الأستاذ الدكتور صالح الزنكي عضوا
الشيخ الدكتور محمد الرايس عضوا
الشيخ الأستاذ الدكتور علي القره داغي أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين