البحث

التفاصيل

بؤس الإشاعة في زمن الفتنة

الرابط المختصر :

بؤس الإشاعة في زمن الفتنة


الشيخ الدكتور: حسن يشو

أستاذ الفقه: أصوله ومقاصده

كلية الشريعة بجامعة قطر

عضو الاتحاد العالمي لعماء المسلمين

بؤس الإشاعة في زمن الفتنة

انطلاقا من قوله تعالى:

قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83].

تمهيد:

إن الآية الكريمة كانت تأديبًا لعباده عن فعلهم غير اللائق دينًا وخلقًا ومروءة وإنسانيا؛ إذ لا يجوز البتة أن يتصدر آحاد الخلق ومن غير تمحيص في إثارة الذعر بين الناس، وخرم مقصد الأمن في الأمة، وقد أوكل الله إلى الجهات المختصة بحق الأخبار التي تمس الأمن القومي، ولا سيما في حالة الحروب والأوبئة والجوائح والفتن ما ظهر منها وما بطن؛ لأن أي متعجل –مهما كانت دواعيه- يعدُّ من المرجفين يحاسب على نشره الأكاذيب، وبثه الشائعات، وهتك أستار الدولة والهوية، بوقاحة وجرأة مهما ألبست من لبوس الشجاعة والسبق الصحفي وحرية التعبير والرأي!

فولي الأمر الذي انعقدت بيعته على أن تصرفاته على الرعية منوطة بالمصلحة، وكذا المؤسسات المخولة بحق نشر ما ينفع ويبشر ولا يثير الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولو كان حقًّا فإن دعت المصلحة إلى عدم نشره لا ينشر!

الصورة التي يرسمها النص بإجمال:

في النص على وجه الإجمال إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحقُّقها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة1.

يقول الشهيد سيد قطب: "والصورة التي يرسمها هذا النص، هو صورة جماعة في المعسكر الإسلامي، لم تألف نفوسهم النظام، ولم يدركوا قيمة الإشاعة في خلخلة المعسكر، وفي النتائج التي تترتب عليها، وقد تكون قاصمة؛ لأنهم لم يرتفعوا إلى مستوى الأحداث، ولم يدركوا جدية الموقف، وأن كلمة عابرة وفلتة لسان، قد تجر من العواقب على الشخص ذاته، وعلى جماعته كلها مالا يخطر له ببال، وما لايتدارك بعد وقوعه بحال، أو ربما لأنهم لا يشعرون بالولاء الحقيقي الكامل لهذا المعسكر، وهكذا لا يعنيهم ما يقع له جراء أخذ كل شائعة، والجري بها هنا وهناك، وإذاعتها حتى يتلقاها لسان عن لسان، سواء كانت إشاعة أمنٍ أو إشاعة خوف، فكلتاهما قد يكون لإشاعتها خطورة مدمرة (...) وعلى أية حال فهي سمة المعسكر الذي لم يكتمل نظامه، أو لم يكتمل ولاؤه لقيادته، أو لهما معًا، ويبدو أن هذه السمة وتلك كانتا واقعتين في المجتمع المسلم حينذاك، باحتوائه على طوائف مختلفة المستويات في الإيمان، ومختلفة المستويات في الولاء، وهذه الخلخلة هي التي كان يعالجها القرآن بمنهجه الرباني، والقرآن يدل الجماعة المسلمة على الطريق الصحيح (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ)2.

خطر الشائعة ورعونة المرجفين:

الشائعة هي مجرد أخبار ومعلومات تلقى على عواهنها دون تثبت أو مصدر؛ وغالبها يؤذي الناس ويضر النفسية السوية، ويفضح أسرارا كانت مكتومة، من هنا كانت مفاسدها جسيمة؛ لذا اعتمدت في الحرب النفسية من باب الحرب خدعة، وغالبها يعتمد على الكذب! ولا أخفيكم أنها بضاعة الجبناء لكنها نافقة تعرف رواجًا في سوق الأغبياء! 

واعلم أن المرجفين يسألون يوم القيامة عن خوضهم في الشائعات قال سبحانه: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر: 42- 48].

ومصيرهم شنيع يوم القيام تسود وجوهم بالأكاذيب والأراجيف والشائعات؛ قال سبحانه: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر: 60].

عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أُخبِركم بشراركم؟!" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "المشّاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت"3.وكذلك تفعل الشائعات المرجفات!

ونحاول أن نرصد بعض مفاسدها باقتضاب وتركيز:

- أنها تُلفَّق من قِبَل المنافقين وضعفاء الإيمان!

- أنها أخبار تبنى في أغلب الأعم على الكذب والأراجيف!

- أنها سلاح فتاك قائم على الظنون والأوهام.

- لا تبالي بالعواقب المدمرة ولا يكترث المرجفون بالنتائج الوخيمة.

- تدمر منظومة القيم والهوية داخل المجتمع ولا سيما الشائعات الوافدة من الخارج!

- تزعزع الأمن القومي؛ ما جعل الدول المتقدمة تضع عقوبات لمروجي الشائعات تماما كمروجي المخدرات!

- تبث الشعور بالإحباط والفشل، وتثبط العزائم في النهوض والتنمية والاستقلال والشهود الحضاري.

- أنها تزرع الأحقاد وتزيد في سخائم القلوب وتبث الشنآن والشحناء.

- أنها تعرض الناس للأمراض النفسية والاجتماعية في مجتمع تكثر فيه الشائعات!

- تفرق بين المرء وزوجه وتزرع بينهما النكد والضغينة.

- تفكك بين الأسر والعائلات؛ وتحدث بينها فوبيا ورُهابًا وعصبيات منتنة!

- تهدر الأموال بغير فائدة أو نفع.

- مآلها بث الروع والذعر بين الناس.

- تقلق الأبرياء وتحطم العظماء وتزدري الأباة.

- توقد النيران والحروب بين الشرائح في المجتمع، والقبائل والعشائر، والدول.

- تدمر المجتمعات وتفسد دولا وتعكّر كل صفاء.

- تورث فتنًا وقلاقل وبلابل وكل الرزايا.

- تهزم الأقوياء وتؤخر الأمم للوراء!

- كم قتلت وشردت ويتمت ورملت ولا سيما عند الفتن والأوبئة الفتاكة.

- إشاعة الفواحش والأدواء في المجتمع.

- خلخلة الصلات وطمس المبرّات، وتقطيع الأواصر بين المسلمين.

- إلهاء الأمة بالتوافه وسفاسف الأمور عن الأولويات المصيرية.

- تهدم كليات الدين والنفس والعقل والنسل والمال!

- ثم إنها تفضي للفتنة التي هي أشد من القتل (وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ)، (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).

أول شائعة في الإنسان:

كانت أول شائعة في عالم الإنس مع أبينا الأول آدم عليه السلام، حين خاطبه رب العزة: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 35]. لكن كيف أزله الشيطان؟ بفعل الشائعة المكذوبة والمزينة له على البقاء والملك والخلد والله المستعان!

فصاغ شائعة وسوس بها آدم ليخرجه من الجنة إلى الأرض؛ قال سبحانه: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف: 20].

اليهود أكثر من ينشر الشائعات:

يجب أن نعلم أن اليهود هم أساس نشر الشائعات، باعترافهم أنفسهم في بروتوكولات حكماء صهيون: "إن الصحافة جميعها بأيدينا إلا صحفًا قليلة غير محتفل بها، وسنستعملها لبث الشائعات؛ حتى تصبح حقائق، وسنشغل بها الأميين (أي المسلمين) عما ينفعهم، ونجعلهم يجْرون وراء الشهوة والمتعة"4.

لم يسلم الأنبياء من الشائعات:

سجل القرآن الكريم كافة الإشاعات التي لفقها المرجفون ضد الأنبياء؛فقال سبحانه: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات: 52-53].

فهذا عيسى عليه السلام تشكك الشائعات المغرضة فيه وفي أمة الصديقة مريم ابنة عمران: (يٰأُ أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم: 28].

وهذا نوح عليه السلام روجوا على أنه "مجنون" قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) [القمر: 9].

وهذا يوسف عليه السلام عصمه الله تعالى من الشائعات وهو رمز الطهر والبراءة؛ قال تعالى: (كَذالِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَٱلْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24].

وهذا موسى عليه السلام أشاع فرعون وزبانيته فقال: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 109].

  أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد رُمي بالشائعات كالسحر والجنون والكذب والكهانة، فما أرجعَ أصحابَ الهجرةِ الأولى إلىالحبشة منها إلى مكة إلا شائعة. وما صدَّ الناسَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة إلا شائعة.

قال تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر: 6]، وقالوا عنه: "رجل مسحور": (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) [الفرقان: 8]، وقالوا عنه: "ساحر وكذاب": (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [ص: ٤]، وقالوا عنه "شاعر وكاهن" فرد القرآن عنه قائلًا: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [الحاقة: 41- 42]، وعيَّروه بأنه أبتر لا عقب له؛ قال تعالى: ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر: 1- 3].

ولعل من أشهر الشائعات قصة الإفك المبين التي لفقها المرجفون وتلقتها ألسنة ضعفاء الإيمان وظلت شائعة بالمدينة شهرًا كاملًا؛حتى أنزل الله براءة الصديقة بنت الصديق من فوق سبع سماوات؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 23]. وهذا السرُّ في أن بعض أهل العلم حكموا بالفسوق على من تعرض للصحابة بالسبابوحكموا بالكفر على من تعرض لأمنا عائشة بالسباب والنيل من عرضها؛ لأنه ينكر آية البراءة لها في القرآن الكريم.

  وحين انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه في الرفيق الأعلى شنّ المرجفون حربًا نفسية بإشاعة نهاية الإسلام بموت النبي صلى الله عليه وسلم وقد ظل الناس في اضطراب حتى هيّأ الله الصديق أبا بكر رضي الله عنه فحسم الموقف بتذكير الأمة بقول الحق تبارك وتعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْنمَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144].

الإشاعة داء الأمم:

بناء على ما سبق؛ وما نُضمّنه فيما لحق؛ فإن الإشاعة وترويجها من المرجفين يجعلها ترقى لأن تكون داء الأمم؛ لما يحتوشها من أحقاد وحسد وبغضاء، وانتصار للذات، والظهور بالقوة والسبق؛ وما إلى ذلك؛ لذا جاء في الحديث: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكَ لَكُمْ: أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ"5.

والإشاعة قد تمارس فجورا طبيعيا أو فجورا سياسيا، وقد تهتك أعراض المسلمين، بل وتنهكهم نفسيا، وتقتلهم قتلا عصبيا، بطيئا، إن لم تقتلهم فجاءة بالصدمة والسكتة القلبية والجلطة الدماغية عند حالات عدم التحمل؛ عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"6.

من خصائص الشائعات:

- سهلة التنقل وسريعة الانتشار كالنار في الهشيم.

- تبدأ الشائعة صغيرة وتكبر، وتتدحرج ككرة الثلج فتأتي على الأخضر واليابس!

- تتسم الشائعات بالغموض والإبهام في بداياتها؛ فتثير الحيرة والقلق!

- تظهر وتشتدُّ في أوقات الأزمات والأوبئة الفتاكة والحروب والظروف الاستثنائية!

- ظهور الشائعة بيئة يرتع فيها الدهماء وأهل السوقة والمرجفون وغير المختصين، كالادعاء بوجود علاج للكورونا، وتلفيق إحصائيات للتهويل أو التهوين.

- الشائعة لا تخرج في صورة واحدة؛ بل لها أشكال كالنكتة الساخرة، والصورة الكاريكاتيرية، والخبر العاجل، والمقالة، والأوديو، والفيديو، ومختلف وسائل الدعاية والإذاعة.

- ليس كل صناع الشائعات أغبياء؛ بل هي مهارة لئيمة تصنعها؛ لتكون لها القابلية للتصديق والتسليم والانتشار بدون إعمال العقل!

- يتسم المرجفون بما ذكره الله فيهم: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران: 120].

- قد تحتوي الشائعة على بصيص من الحق؛ وهذا سر انتشارها وتصديق الناس لها!

- قد تأخذ الشائعة طابعا تفاؤليا أو تشاؤميا، وإن الشائعة ذات الطابع التشاؤمي هي الأكثر انتشارا وتصديقا!

- الشائعات –على كل حال- تحقق نزوات نفسية لأصحابها في كثرة المشاركين لها والإعجاب بها!

من أنواع الشائعات:

الشائعة تأخذ صورا شتى، وأشكالا متنوعة، من حيث الأسلوب، وتشتعل بها مواقع التواصل الاجتماعي ويضجُّ بها العالم الأزرق والأخضر، قد تكون مقالة، أو خبرا، أو طريفة، أو صورة كاريكاتيرية أو (فوتو شوب)، أو مقطعا صوتيا، أو مقطع فيديو، أو مقابلة.. إلخ.

ومن حيث مضمونها يمكن أن تكون:

- شائعة تثير الرعب ولا سيما في الحروب وإشاعة الهزيمة أو النصر، الأمن أو الخوف!

- شائعة تثير الهلع في زمن الأوبئة والجوائح والعدوى كزماننا هذا زمن الكورونا!

- شائعة تلوث سمعة شخص أو قوم أو قيادة أو بلد نتيجة حقد أو حسد أو خبث طوية!

- شائعة تثير الشغَب وتساعد على التظاهر السلبي والمسيرات العشوائية باستهداف مؤسسات الدولة الحيوية عند اختلال البوصلة بالاتجاه غير صحيح!

- شائعة للتجربة وجسّ النبض قبل إصدار القرار أو سن القوانين؛ لمعرفة رد الفعل من الشارع!

- شائعة ترفع من الضغط والأعصاب ولا سيما بين المتبارين والمتنافسين!

- شائعات تبرر سلوكات خاطئة سياسية أو مالية أو فنية في الإعلام المدجن والمأجور!

- شائعات غرضها رفع الثقة بين الشيخ ومريديه، والرئيس وشعبه، والزوج وزوجته.

- شائعة تعتمد النكتة؛ إذ تسخر من أشخاص أو جهات معينة، بالنكتة عن الأئمة والمعلمين، والمرأة!

المنافقون ومن حذا حذوهم:

من أبرز صفاتهم إذا حدثوا كذبوا وإذا سمعوا شائعة روجوا؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"7.

عن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة رجُلينِ أتياني، قالا: الذي رأيتَه يُشَقُ شِدقه (جانب فمه) فكذَّاب، يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة"8.

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن مِن أَفْرَى الفِرَى أن يُرِيَ عينيه ما لم ترَ"9.

قال الله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ) [الأنفال: 49] وهي صفة إشاعية باطلة!

وقال سبحانه: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12] فهؤلاء المنافقون يشكون في وعد الله تعالى وينشرون هذه الشائعة حتى تؤثر على المؤمنين!

بل طلب ضعفاء الإيمان والمرجفون الجهاد في فترة وللأسف: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) [النساء: 77].

وقد وصفهم الله بدقة حينما يخرجون من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [النساء:81]. 

ومن مواصفاتهم أنهم يُخبرون بكل ما يقرع سمعهم؛ حتى إنهم صاروا أبواقًا، وصار الواقع رجع صدى على ألسنتهم؛ تماما كما قال الله في وصف حالهم على جناح السرعة ولا سيما في إفشاء قالَة السوء: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ)[النور: 15].

لطيفة:

حين قال سبحانه: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) علمًا أن الأصل في التلقي يكون بالأسماع وبعدها ينتقل لترويجها على الألسنة، ولكن الله هنا طوى هذا الفاصل والمسافة؛ ليؤكد على أن الأخبار تمر على الألسنة مباشرة لسرعة النشر من غير تثبت أو تبين وتروّي.

أو لأنهم لا يتلقون الأخبار بأسماعهم؛ لتفهمها ووزنها وتمحيصها، فكأنما خلقهم الله بغير آذان؛ فصارت تمرُّ الأخبار مباشرة إلى الألسنة، وكأنها وقائع وأحداث تقع مباشرة على الألسنة وهُيِّئوا لنقلها لا لتفهمها وتعقل معانيها وحسن التصرف معها تنقل أو ينقل بعضها أو لا تنقل لعدم المصلحة!

(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ)

(جاءهم) أي: جاء من المنافقين والمرجفين، ومن ضعَفة المسلمين، إذ لا يلزم أن تكون الإشاعات من المنافقين فقط! بل قد تكون من المسلمين عن حسن نية، وكم أوتينا من حسن النيات والله المستعان؛ فضيعنا الأمانات، وفرقنا الجماعات، وشققنا الصفوف، وانتهكنا الأعراض، ونهشنا في لحوم العلماء والدعاة وهلم جرا. 

لماذا لم يبين الجهة المرجفة؟

والقرآن إذ لم يبين المصدر؛ كان مفتوحا ليملأه كل من اشتط فتلكّأ سواء السبيل، وكل من لم يحترم التخصص، والمسؤولية، وكل من لم يعرف للجهات المختصة قدرها، وقديما قالوا: "من سكن في غير عشه أتى بالعجائب" و"لو سكت من لا يعرف لقلّ الخلاف".

لأن بيان المصدر يجعل العتاب عليه فقط؛ فالحكمة أن بقي مفتوحا؛ ليستوعبني –أنا وأنت- وكل من سوّلت له نفسه بنشر الإشاعات والأراجيف أو الأخبار الضارة والمثيرة للذعر والمحدثة القلاقل والبلابل فكل أولئك معنيٌّ بها!

فهم المنافقون ومن حذا حذوهم وإن كانوا مسلمين أحرارا أغيارا؛ فالآية قد سيقت مساق التوبيخ لمن يكون هذا حالهم من أي موقع صدروا، وفي أي مقام كانوا!

(أمر من الأمن): أي الفتح والنصر والغنيمة وكل الأخبار الطيبة والسارة؛ لكونهم إمّعة ورجعَ الصدى للواقع، ومن غير مسؤولية!

(أو الخوف): أي القتل والهزيمة، وكل أمر سلبي أو قد يعود بالضرر على المسلمين، يتحدثون بهذه الأخبار التي لا تصبُّ في مصلحة الإسلام والمسلمين، وينقلونها عبر المتاح من وسائل الإعلام والدعاية، ويرجفون بين الناس، تارة يثبطون العزائم الماضية، وتارة يضعفون ما بقي من قوة نفسية، بل يزرعون الرعب، والخور، والاضطراب!

الإشاعة من ترويع المسلم:

والتخويف منهي عنه على أي شكل كان، وفي أي صورة جاء، بالكلمة، والمقالة، والإشاعة، وكما ورد النهي عن ترويع المؤمنين فقال صلى الله عليه وسلم: "من روَّع مؤمنًا لم يُؤمِّنِ اللهُ رَوْعتَه يومَ القيامةِ ومن أخاف مؤمنًا لم يُؤمِّنِ اللهُ خوفَه يومَ القيامة ومن سعى بمؤمنٍ أقامه الله مقامَ الخزي والذُّلِّ يومَ القيامةِ"10.

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن أشارَ إلى أخِيهِ بحَدِيدَةٍ، فإنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حتَّى يَدَعَهُ، وإنْ كانَ أخاهُ لأَبِيهِ وأُمِّهِ"11. قال النووي: "فِيهِ تَأْكِيد حُرْمَة الْمُسْلِم، وَالنَّهْي الشَّدِيد عَنْ تَرْوِيعه وَتَخْوِيفه وَالتَّعَرُّض لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيه. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمّه". مُبَالَغَة فِي إِيضَاح عُمُوم النَّهْي فِي كُلّ أَحَد، سَوَاء مَنْ يُتَّهَم فِيهِ، وَمَنْ لَا يُتَّهَم، وَسَوَاء كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا، أَمْ لَا، لِأَنَّ تَرْوِيع الْمُسْلِم حَرَام بِكُلِّ حَال"12.

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري، لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار"13.

الإسلام دين السلم والسلام:

إن ديننا الحنيف دين السلام العالمي يبدأ من البيوت؛ إذ فيه أخلاقيات الاستئذان والاستئناس والسلام عجيبة لا توجد في دين غير ديننا العظيم؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [سورة النور: 27].

وعن عبد الله بن عمرو، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خيرٌ؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"14.

وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام"15.

وثقافة السلم لا تخفى في ديننا الحنيف يتعارض معها كل ترويع وتخويف وإخلال بالأمن ونشر للإشاعات!

(أذاعوا به) ومعناها أفشوه وسعوا به سعيًا خبيثًا؛ إذ نشروه وكان وراءه منافقون وضعفاء الإيمان ومنفصمو الشخصية وفي كل زمان يفعلون، أي: إذا جاءهم أمر أنهم قد أمنوا من عدوهم، أو أنهم خائفون منهم، أذاعوا بالحديث حتى يبلغ عدوَّهم أمرُهم؛ وهذا البوح يضر بالأمن القومي، ويبين حالة المؤمنين ليبني عليها العدو خطته؛ لأن معرفة حجم الخصم وعدته ونفسيته جزء من الخطة في النصر والغلبة، ومن لا يعرف حجم عدوه قد يباغت بالهزيمة، وبات في الحرب مع العدو كتم الأسرار وهي أهم عبادة في الحرب؛ لأن هتك أستارها ثغرة ينفذ منها، وثلمة يتسلل فيها؛ فالحرب خدعة.

ونُسَخ هذه النماذج مزيدة ومنقحة ومحدثة في زماننا هذا عبر مختلف وسائل الإذاعة والنشر ومواقع التواصل الاجتماعي والعالم الأخضر والأزرق!

والأصل كما أورده الطبري أن هذا في الأخبار، إذا غزت سريّة من المسلمين تخبَّر الناس بينهم فقالوا: "أصاب المسلمون من عدوهم كذا وكذا "، "وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا"، فأفشوه بينهم، من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبرهم؛ ومن هنا يقع الانفلات والشائعات والحرب النفسية.

قال أبو الأسود الدؤلي لما خطب امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد، فأسرّ أمرها إلى صديق له، فحدث الصديق ابن عم لها كان يخطبها، فمشى ابن عمها إلى أهلها وسألهم أن يمنعوها من نكاحه، ففعلوا، وضاروها حتى تزوجت ابن عمها، فقال أبو الأسود: 

أَمِنْـتُ امْـرءَا فِي السِّرِّ لَمْ يَكُ حَازِمًا ** ولكِنَّـهُ فِـي النُّصْـحِ غَـيْرُ مُـرِيبِ

أَذَاعَ بِـهِ فِـي النَّـاسِ، حَـتَّى كأنَّـهُ ** بِعَلْيَــاءَ نَــارٌ أُوقِــدَتْ بِثُقـوبِ16

لطيفة بين (أذاعوا وأذاعوا به):

إن الله استعمل (أذاعوا به) مع إضافة الباء؛ لفائدة حيث إن هذه الباء في "أذاعوا به" مزيدة لتوكيد اللصوق، كما في قوله تعالى:(وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) [المائدة: 6]. فهذا يدل على شدة هذه الإذاعةوإدمانها بحيث صارت ثقافة القوم وخبزهم اليومي فتأمل! علاوة على أن مجرد (أذاعوا) تعني نشروا الخبر مرة واحدة وانتهى الأمر! لكن (أذاعوا به) توصيف دقيق لحالهم الهستيري في أن يصل الخبر للثقلين، مع استنفار كل وسائل التواصل الحديثة، وتكرارها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وكأنها مهمة عسكرية ينبغي تنفيذها، ولا يرتاح لهم بال إلا بالنشر والتأكد من وصولها، وربما يحاسبك على عدم القراءة وفتح الرابط، ويلح على أن يشاركه الآخرون في النشر، هوس وهلوسة رهيبان وغير طبيعيين!

(أذاعوا به) في كل مجلس حضروه، حتى وإن كان لمناسبة عزاء يهتبل الفرصة للتذكير به، أو مجلس زفاف، أو مجلس علم يحضر لا للتعلم بل لبث الخبر!

ولن يرتاح حتى يشاهد المسنين العجائز يتحدثون به، والأطفال، والنساء، والشباب، وغيرهم والله المستعان!

وقوله: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)

أي على العامة أن لا تتعجل في نقل الأخبار ولا سيما ما يتعلق منها بالشأن العام، والأمن القومي، وما يترتب عليه من مضاعفات، وربما يضعف الدولة، أو يسخر بها ويزدريها أمام العالم، ومن ذلك بعض التقارير التي ينبغي أن نسمعها من مصدر رسمي معتمد، ولا نحب البتّة أن نكون ضحية وسائل الإعلام فضلا عما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلبه شائعات غير رسمية، بل مجرد تلفيقات وأراجيف، يحكمها هاجس السبق الصحفي ونقل المعلومة، وكثرة العدد الذين يشاركون الخبر.

ومن ذلك الأخبار عن انتشار عدوى الكورونا في البلد؛ ولا سيما حين صار في مرحلته هذه جائحة فتاكة، أفرغت المساجد والكنائس والمعابد من العباد والمعتكفين والركع السجود، وفرضت حظرا دوليا على الطيران، وحظر التجوال داخل البلد الواحد، وبين المدن، ولا يستطيع المرء أن يخرج من بيته، فثمة أوامر بالاعتقال والضرب؛ لأن الأمر لا يتساهل فيه ولا يستخف به! والناس تنتظر الفرج ومتى تنخفض نسبة الوفيات والمعافاة في المصابين ومتى تقل نسبة المصابين أصلا؛ وها هنا نحتاج إلى الفقه الحسن في طمأنة الشعوب، ونشر الفأل الحسن، لا أن تنقل مشاهد وحوادث قديمة ويركز عليها وجدت حالة كذا بمدينة كذا وارتفعت نسبة المصابين إلى كذا وكذا! فهذا أمر مخيف ومريع ويثير الذعر ناشرُه وملفقه يحتاج إلى تعزير وتغريم بل وحبس.

النبي وولي الأمر:

النبي يمثل النص الشرعي، وأولو الأمر هم ذَوو الرَّأْيِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْل أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ولا خلاف في ذلك! 

ومثل أمراء السرايا القائدين في الميدان فهم أحق بالبيان ونشر ما ينبغي نشره وإمساك ما ينبغي إمساكه لمصلحة.

ومثل الكبار في العقل الذين يزنون الأمور بموازينها، ولا يستعجلون النشر، وهم يضعون الأمور في مواضعها اللائقة، ويوقعونها في مواقعها المناسبة، دون أن تثير نقع القلاقل والبلابل وغبار الذعر والهلع.

كان عليهم أن يردوا نشر مثل هذه الأخبار إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي يدير المعركة، والموحى إليه من ربه، والمسدد من فوق سبع سماوات، هل ينشره أم لا؟ هل ينفع نشره الآن أم يحتاج إلى وقت؟ هل ينشر بعضه ويؤجل بعضه؟ هل يعتمد التورية وتضليل الكفار بنشر عكس ما يتوهمون إذا كان في هذا مصلحة تعود على الأمة والدولة؟ ذلك لأن الحرب خدعة ينبغي أن نخذّل في العدو ما استطعنا، لا أن نفكك أوصال صفنا، ونكشف ضعفنا للعدو، ونعطيه أخبارنا بالمجان! ونقدم في طبق من ذهب فراغنا ليمتد فيه، علما أن الحرب بمجرد إعطاء خبر عن الأسير له ثمن باهظ كما تنتهجه حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، وفي أغلب الحروب!

سواء النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الرسالة، أو العلماء الأفذاذ الراسخون ورثة الأنبياء، وأولو الأمر الممثلون لمصالح الأمة في الجهات المختصة؛ فهم الذين يتولّون الخبر عن ذلك، بعد أن ثبتت عندهم صحته أو بطلانه، فيصححوه إن كان صحيحًا، أو يبطلوه إن كان باطلًا.

قوله تعالى: (لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، والمقصود بالاستنباط العلم بحقيقة الشيء، ومعرفة عواقبه وآثارها؛ وهذا ديدن من وصفهم الله بالاستنباط؛ وهي عملية تحتاج إلى النظر الثاقب، والرأي العميق، وعدم الاكتفاء بالظاهر فلا بد من مراعاة المآلاتوالمقاصد؛ لعلم هؤلاء المختصين الذين أسند لهم حسن التدبير لأمرالأمة، هم –بواسطة المؤسسات المختصة التابعة لها- من يعرف حقيقة ذلك الخبر الذي جاءهم به، الذين يبحثون عنه ويستخرجونه "منهم"، يعني: "أولي الأمر" المؤسسات التابعة له.

والاستنباط فيه دلالات عظيمة؛ لأنه لا يلقي الكلام على عواهنه، بل بموازنة وتحري وتحقيق وتمحيص وتدقيق وبُعد نظر وفقه الحال والمآل، ثم يخلص إلى النتيجة!

وكل مُستخرج شيئًا كان مستترًا عن أبصار العيون أو عن معارف القلوب؛ فهو مستنبِط! 

ومنه "استنبطت الركية" إذا استخرجت ماءها، و"النَّبَط"، الماء المستنبط من الأرض، ومنه قول الشاعر: 

قَــرِيبٌ ثَــرَاهُ، مـا يَنَـالُ عَـدُوُّه ** لَــهُ نَبَطًـا، آبِـي الهَـوَانِ قَطُـوبُ

استنبط الرجل العين، إذا حفرها واستخرجها من قعورها!

فمعنى (يستنبطونه) يتتبعونه ويتحسسونه، ويقلبونه من جميع جوانبه، ولا يقتصرون على ظاهره فحسب، أو على فقه الحال دون المآل، بل فقه الواقع والتوقع.

لطيفة بين (يستنبطون) ولم يقل (يعرفونه أو يعلمون):

لأن الاستنباط فقه دقيق يستخرج الحكم من أعماقه كما يستخرج الماء من قعور الأرض، لأن مواضع الماء لا يعلمها إلا الخبير ذو الملكة، واستخراج الماء من القعير يحتاج إلى حفر، ومد قنواتها ومجاريها كل ذلك يتطلب خرّيتًا عارفًا بالأسرار؛ وكذلك الاستنباط في عالم المعرفة والأفكار والأحكام؛ حيث إن الفقيه يبذل جهدًا ذهنيا، للتوصل إلى الحكم عبر قواعد الاستنباط، وآليات النظر؛ والعرب لا تسوغ قولنا: "فقهت أن الأرض تحتنا أو السماء فوقنا"؛ لأنها لا تقتضي نظرا، ولكنها تسوغ قول: "علمت أن الأرض تحتنا والسماء فوقنا".

النص والمصلحة:

إن الحاكم في أمور الناس يختزل في أصلين هما: النص الذي يمثله النبي صلى الله عليه وسلم وما وراءه من الوحي، والمصلحة التي يمثلها ولي الأمر؛ لأن تصرفه على الرعية منوط بالمصلحة. 

حذار من الرويبضة:

وفي الحديث النبوي: "سَيأتي على الناسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ. قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: الرجلُ التَّافِهُ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ"17.

ومعظم آفاتنا من معين هؤلاء الذين يتصدرون المجالس والمنابر ومواقع التواصل الاجتماعي والذباب الإلكتروني للحديث في أمر العامة ولا ينفكون عن صفات المرجفين!

اعتماد القياس:

وفي الآية دليل على جواز القياس، فإن من العلم ما يدرك بالتلاوة والرواية وهو النص، ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس على المعاني المودعة في النصوص. وهو من الأدلة المتفق عليها ولم يخالف سوى الظاهرية، والشاذ لا حكم له! وكان يقول ابن حزم: "إن القياس دين إبليس"، فأنكر التعليل جملة وتفصيلا؛ وكان يسميه "القضية الملعونة". ويوجد في زمننا العصيب ظاهرية جدد، ينكرون المعاني ويغلبون الألفاظ، يتمركزون حول الظاهر، ويشنون حملة شرسة على المقاصد!

دون هذا المنهج خرط القتاد:

وقد أردف سبحانه النص القرآني الرئيس هنا بقوله: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) للدلالة على أن نسلك مسالك الحزم والجد والضبط والاستنباط والرد إلى ذوي الشأن والاختصاص وإلا ستكون الأمة ضحية لوسائل الإعلام، وإكراهات مواقع التواصل الاجتماعي، وفيه ما فيه من إشارات لاتباع الشيطان والهوى وتدفق الإشاعات!

مسؤولية الكلمة:

قال سبحانه: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يَزِلُّ بها في النار أبعدَ مما بين المشرق"18.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ"19. قال الإمام النووي (رحمه الله): "معناه: لا يتدبرها ويفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه: كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلمٍ، ونحو ذلك، وهذا كله حثٌّ على حفظ اللسان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا، أو ليصمُتْ"، وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نُطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلَّم، وإلا أمسَك"20.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ"21.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ" وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: "الْفَمُ وَالْفَرْجُ"22. 

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا -كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً- فَقَالَ: "لَقَدْ مَزَحتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ"23.

وقد ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حفظ لسانه من خبيث الكلام وإشاعة ما لا يعني؛ فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ"24.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرفُوعاً قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا؛ وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا"25.

عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ؛ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ؛ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛ فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ"26.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ"27.

كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع:

لقوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يُحدّث بكل ما سمع"28.

في هذا الحديث نهانا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نتحدث بكل ما نسمع؛ حتى لا نكون سببًا في اختلاق الشائعات ونشرها. قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان؛ فإنه يسمع في العادة الصدقَ والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذَب؛ لإخباره بما لم يكن29.

قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: "بحَسْبِ المرء من الكذب أن يحدِّثَ بكل ما سمع"30.

وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "لا يكون الرجل إمامًا يُقتدَى به حتى يمسك عن بعض ما سمع"31.

وقال مالك بن أنس رحمه الله: "اعلَمْ أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا وهو يحدث بكل ما سمع"32.

النهي عن قيل وقال:

عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال33 أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين.

عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن حَدَّثَ بحديثٍ، وهو يَرى أنَّه كَذِبٌ؛ فهو أحَدُ  الكاذِبَيْنِ، وقال عبدُ الرَّحمنِ: فهو أحَدُ الكَذَّابينَ"34.

عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال (عصارة أهل النار) حتى يخرج مما قال"35.

وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه؛ حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فجاء إلى منزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد، فوجد الناس يقولون ذلك، فلم يصبر حتى استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهمه: أطلقتَ نساءك؟ قال: لا فقال: الله أكبر"36.

وفي رواية مسلم "فقلت: أطلقتهن؟ فقال: لا. يقول: فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي، لم يُطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، ونزلت هذه الآية: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83] فكان عمر رضي الله عنه يقول: "فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر"37.

بئس المطية "زعموا":

عن أبي مسعودٍ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ""بئس مطية الرجل زعموا"38.

في هذا الحديث ذمّ نبينا صلى الله عليه وسلم كل من لم يتثبت في نقل الأخبار، وكان ضحية لوسائل الإعلام والدعاية ومواقع الإشاعة.

و"الأصل في (زعم) أنها تقال في الأمر الذي لا يوقَفُ على حقيقته"39.

قال الإمام المناوي: المطية بمعنى المركوب، (زعموا) الزعم قريب من الظن؛ أي: أسوأ عادةٍ للرجل أن يتخذ لفظ زعموا مركبًا إلى مقاصده، فيخبر عن أمرٍ تقليدًا من غير تثبتٍ، فيخطئ ويجرَّب عليه الكذب40. 

إن الإخبار بخبرٍ مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح، بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت، ويكون على ثقةٍ من ذلك، لا مجرد حكايةٍ على ظن وحسبانٍ، وفي المثل: زعموا مطية الكذب41.

قال الإمام الخطابي (رحمه الله): أصل هذا أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلدٍ ركب مطيةً وسار حتى يبلغ حاجته، فشبَّه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم: زعموا كذا وكذا - بالمطيَّة التي يتوصل بها إلى الموضع الذي يقصده، وإنما يقال: زعموا في حديثٍ لا سند له ولا ثبت فيه، وإنما هو شيء حُكي عن الألسن على سبيل البلاغ، فذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيلَه، وأمر بالتثبت فيه والتوثق لِما يحكيه من ذلك، فلا يروونه حتى يكون معزيًّا إلى ثبتٍ، ومرويًّا عن ثقةٍ41. 

فائدة:

قال الإمام الألباني رحمه الله: في هذا الحديث ذم استعمال هذه الكلمة (زعموا)، وإن كانت في اللغة قد تأتي بمعنى (قال)، كما هو معلوم؛ ولذلك لم تأتِ في القرآن إلا في الإخبار عن المذمومين بأشياء مذمومة كانت منهم، مثل قوله تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)[التغابن: 7]، ثم أتبع ذلك بقوله: (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ) [التغابن: 7]42.

حتى لو دخلوا جحر ضب:

عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذين من قَبْلِكم شِبرًا بشِبرٍ، وذِراعًا بذِراعٍ حتى لو دَخَلوا جُحْرَ ضَبٍّ، لَتَبِعتُموهم، قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، اليَهودُ والنَّصارى؟ قال: فمَنْ؟!"43.

وهو ما نلاحظه تماما وعلى المكشوف في عالم الإشاعات من تقليد أعمى صاخب لكل ما يأتي من الغرب خيره وشره حلوه ومره؛ علما أن بعض الأخبار الشائعة تصنع في غرف صهيونية هناك؛ والغرض أن يرجفوا بها عالمنا الإسلامي.

قبح الله العجلة في كل شيء:

وفي ظلال الآية الكريمة بعد تدبرها: نستشف النهي عن العجلة والتسرع؛ لنشر الأمور من حين سماعها؛ دونما تثبت وتبين بمصدرها، ودون تأمل في عاقبتها ومصيرها.

وقد نؤخذ من جهة استعجالنا فنتقبل كل الأخبار والشائعات المبشرة بالنصر والمعجزة والكرامات وقيام الخلافة، لكن من موقع الفراغ والهزيمة والاهتراء وعدم الأخذ بالأسباب؛ عن خباب بن الأرت قال: "شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"44.

العقل والرزانة:

وفي الآية الكريمة أمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، وتقليبه من كل جوانبه، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأشَجِّ عبدِ القيسِ: "إنَّ فيك خَصلتيْنِ يُحبُّهُما اللهُ: الحِلمُ والأَناةُ، قال يا رسولَ اللهِ: أنا أتخلَّقُ بهما أمِ اللهُ جَبَلَني عليهما؟ قال: بلِ اللهُ جَبَلَك عليهما، قال: الحمدُ للهِ الذي جَبَلَني على خَلَّتيْنِ يُحبُّهُما اللهُ ورسولُهُ"45.

وفي الأثر: "إنَّ اللَّهَ يحبُّ البصرَ النَّافذَ عندَ ورودِ الشُّبُهاتِ ويحبُّ العقلَ الْكاملَ عندَ حلولِ الشَّهواتِ"46. ومعناه صحيح لا يتعارض مع أصول الشريعة وقواعدها العامة ومقاصدها.

لو سكت من لا يعلم لقلت الفتن:

وذلك قياسا على قولهم: "لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف"؛ لأن معظم الفتن وراءها من لا يعلم، والمرجفون، والمنافقون والمتصيدون في الماء العكر، لذلك كثر الخلاف في أمتنا وأفضى إلى الشقاق، لدخول المرجفين على خط العلماء وصناع القرار، ومحاولة تشكيل العقول، وتوجيه الجماهير، من غير أصول وقواعد.

لطف الله بنا:

(لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)؛ لأن من طبع الإنسان أنه ظلوم جاهل؛ فلو أتبع نفسه هواها، فالنفس الأمارة بالسوء لا تملي عليه إلا الشر؛ وفي الآية حرص على أوبة العباد إلى ربهم؛ فهو الذي خلق الشيطان، فهو القادر على صد عدوانه، ووساوسه، وأحابيله؛ وما لنا سوى لطف الله ولا سيما عندما يعم الفساد، وتكثر الجوائح والأوبئة، ونعيش البلاء فهو العاصم لنا واللطيف بنا.

ما السر في استثناء القليل؟

فإن قيل: كيف استثنى القليل ولولا فضله لاتبع الكل الشيطان؟ قيل: هو راجع إلى ما قبله، قيل: معناه أذاعوا به إلا قليلا لم يفشه، عني بالقليل المؤمنين، وهذا قول الكلبي واختيار الفراء، وقال: لأن علم السر إذا ظهر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة قد تكون في بعض دون بعض، وقيل: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ثم قوله: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان) كلام تام47. 

واعلم يا أخي أن العبد بحاجة ماسة إلى ربه -تبارك، وتعالى- وأن يديم اللجوء إليه، ويكثر الإلحاح والإصرار عليه؛ فهو خالقنا ورازقنا، وهو مجري أقدارنا بحكمة، نسأله ألطافه، ونسأله هداه، ونسأله رفع البلاء، ونسأله كل ما يجعلنا تحت فضله ورحمته على الطريق الصحيح، والصراط المستقيم، وإلا فإن النتيجة هي اتباع الشيطانوالعياذ بالله.

نحن في فقر مدقع إلى ألطافه وفضله ورحمته ولولاها لضعنا وتهنا وشقينا، ولا نركن إلى جبل الأهواء ليعصمنا، ولا قدراتنا العقلية فحسب مهما كانت قوية، ولا إلى أي قوة أو سلطة مادية أو أدبية تجعلنا في انقطاع عن الله وفضله ورحمته، إن العبد مطالب أن يركن إلى ربه ويتفيأ ظلال كتابه الوارفة، ويرفل في نعمه شاكرا المنعم، وأن الإنسان مهما أوتي من علم وقوة فلولا لطف الله لانهارت به في جهنم! وتأملوا معي قارون الذي آتاه الله من الأموال الطائلة حين: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص: 78] وقال: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ) [القصص: 81].

وتأملوا هذا الفيروس الذي لا يرى –وأيم الله- بالعين جعل الناس أثرا بعد عين، هذا الوباء الذي لا يرفعه إلا الذي أنزله فلِمَ نخطئ الطريق ونلتمس العلاج عند العالم بأسره ونخوض كل طريق إلا طريق الله، الطريق أيها السادة والسيدات من هنا!

ما فضل الله ورحمته؟

قيل فضل الله: الإسلام الذي أكرمنا به ورحمته القرآن الذي أسعدنا به.

وقيل: فضل الله بإنزال القرآن، ورحمته ببعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه النعمة المسداة، والرحمة المهداة، وقد أرسله ربنا رحمة للعالمين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وقد بين لنا القرآن الكريم بجوامع كلمه، وأوضح لنا ما كان مبهما، وفصل لنا ما كان مجملا، وأكثر من ذلك كان مثالا رائعا للقرآن الكريم وتمثله أخلاقا وقيما وأحكاما ونظاما ودستورا بين أصحابه وفي بيته وأمته وللعالمين؛ ولما سئلت عائشة أم المؤمنين عن خلق رسول الله رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: "كان خُلُقُه القُرآنَ"48.

إشاعة الفاحشة:

يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) [النور: 19]؛ وهذه واحدة من مخرجات المرجفين والمنافقين وضعفاء الإيمان؛ لا يطيب لهم حديث ولا مستملحات إلا عن النساء، وأخبارهم في صورهن، ومقاطع فيديو عن أحوالهن، وأسرارهن، ونظرا لتوافر وسائل الدعاية والإذاعة نخشى أن نكون ممن (أذاعوا به) ولو عن حسن نية بالطرفة والفرجة لكن النشر تسير به الركبان، عبر (يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)

 (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور: 4].

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْمًا مُبِينا) [الأحزاب: 58].

بثُّ الخبال:

قال الله عنهم: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة: 47].

وفي الآية حظر المنافقين من الخروج والظهور؛ والمقصد من ذلك محاصرة إشاعاتهم ومخططاتهم المدمرة، منها بث النقص والخبال وخلخلة الصف، ولسعوا –وهذا ديدنهم- في الفتنة والشر بين المؤمنين، وفرقوا جماعتهم المجتمعين والله المستعان!

صنعة الإرجاف:

وقال: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا) [الأحزاب 60- 61].

إنهم المخوفون المرهبون الأعداء، المحدثون بكثرتهم وقوتهم، وضعف المسلمين. ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه، ليعم ذلك، كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس به، وتدعو إليه من الشر، من التعريض بسب الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة، من أمثال هؤلاء49.

اتباع الظن:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [الحجرات: 12]، وقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسَّسوا 50، ولا تجسَّسوا51، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا"52.

قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا( [الإسراء: 36].

لا تقف ما ليس لك به علم:

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "والتثبت من كل خبر، ومن كل ظاهرة، ومن كل حركة، قبل الحكم عليها، هو دعوة القرآن الكريم، ومنهج الإسلام الدقيق ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم الحكم والقضاء والتعامل، ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم (...) إنها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب، أمانة يسأل عنها صاحبها وتسأل عنها الجوارح والعقل والقلب جميعًا، أمانة يرتعش الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق اللسان بكلمة، وكلما روى الإنسان رواية، وكلما أصدر حكمًا على شخص أو أمر أو حادثة  (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ولا تتبع ما لم تعلمه علم اليقين، ومالم تتثبت من صحته: من قول يقال، ورواية تروى، ومن ظاهرة تُفسر، أو واقعة تُعلل، ومن حكم شرعي، أو قضية اعتقادية، (...) ذلك المنهج الكامل المتكامل الذي لا يأخذ العقل وحده بالتحرج في أحكامه، والتثبت في استقرائه، إنما يصل ذلك التحرج بالقلب في خواطره وتصوراته، وفي مشاعره وأحكامه، فلا يقول اللسان كلمة، ولا يروي حادثة، ولا ينقل رواية، ولا يحكم العقل حكمًا، ولا يبرم الإنسان أمرًا إلا وقد تثبت من كل جزئية ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة، فلم يبق هنالك شك، ولا شبهة في صحتها ( ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) حقًّا وصدقًّا"53.

ثم أردفها قائلًا: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) إن الله سائل هذه الأعضاء لا محالة عما قال صاحبها، من أنه سمع أو أبصر أو علم، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحقّ ولات حين مناص.

قال ابن سعدي: "فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى"55.

منهج التبين:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) [الحجرات: 6- 7] فالآية هنا وضعت منهاج التبين في نقل الأخبار ووزنها ونخلها وعدم العجلة والتسرع في تصديرها؛ لأنهما يفضيان إلى الندامة وقيل: "في التأني السلامة في العجلة الندامة"، وفي الحديث: "التَّأنِّي من اللهِ والعجَلَةُ من الشيطانِ"56.

العمل ضمن المسؤولية الجماعية لا الشخصية الذاتية:

إن الآية توحي بأن العاملين في حقل الدعوة إلى الله، وكل النشطاء الذين يتحركون في سبيل نصرة الحق، ودين الله عز وجل، ينبغي أن يتحركوا ضمن المسؤولية المرسومة لهم، وينشطوا بنظام وانتظام بعيدا عن العبثية والعشوائية، لكن لا يجوز أن تتدخل هوياتهم الشخصية ومآربهم الذاتية، فهم محكومون تحت مناخ المسؤولية الجماعية، والمصلحة العامة، فهي أكبر من زواتهم وأغراضهم المتبخرة، وإن كثيرا من العاملين المرجفين همهم أن تسلط عليهم الأضواء؛ إذ امتشجت أغراض الدعوة بأغراضهم الشخصية، فهؤلاء عادة ما يجرون المتاعب للعمل الإسلامي، ويجنون الشوك في ثمرات حركاتهم غير المسؤولة، وكثيرا ما يتساقط آحادهم على الطريق أو ينتابه الفتور أو البرود بسبب هذا الخلط العجيب، وتدخل الذاتية الفاحش، إذ ما كان لله دام واتصل، بالبركة التي يضفيها الله جل جلاله على العمل! وما كان لغير الله انقطع وانفصل!

التدقيق والضبط من شيم الرجال:

إني أفهم من الآية أن الأصل في العاملين في طريق الهدى أن يدققوا ويمحصوا في كلماتهم المسؤولة، وأن لا يطلقوا الكلام على عواهنه، فلعل كثيرا من الكلام غير المسؤول دمر مؤسسات راسخة وممتدة، وجاءها البلاء من قيادات لا تولي للكلمة الحساب المعقول؛ فتقضي على الحرث والنسل!

ولئن كان يمتلك الشجاعة أن يُزجّ به وراء القضبان ويُضرب عليه الحصار ويقطّع إربا إربا، فله ذلك، لكن وهو في موقع المسؤولية، فيضاعف له العذاب، والعتاب؛ لأن هفوة القيادات مضروب عليها بالطبل، على خلاف هنات العوام يخفيها الجهل!

أمسك عليك لسانك في الفتن:

والآية ترشد إلى أن نمسك علينا اللسان الذي بين لحيينا، حتى تسلم العواقب، ويهدأ الروع، لأن المنافقين يعملون في الفتن ويوقدون لهيبها، والعاقل من يعقل لسانه ويكبله إلا بالخير والتهدئة والتبشير بالفأل الحسن، وكذلك رأينا في زمن جائحة الكورونا ما يلبد أجواء المؤمنين في بيوتهم، ويشيع فيهم الذكر، ويربك توازنهم، وليته قال خيرا أو صمت، وأرى تعزير من يتصدر للكلام في غير موضعه وليس من مسؤوليته والله المستعان!

إلقام المرجفين بالحجر:

كما أننا نحمد سلوكا من السلطات في مختلف البلاد العربية والإسلامية بإلزام الناس بيوتهم في الحجر الصحي والعزل المنزلي؛ أن من يخالف يعرض للمحاكمة، والاعتقال، والمساءلة، بل أحيانا يعرض للضرب حتى يعود لبيته ويأخذ الدرس والعظة والعبرة. أرى –بناء على ذلك- أن يقوم المسؤولون –من باب أولى- بالحجر على أصحاب المنابر المنفرة والمقرفة والمرجفة التي تتعاطى للأخبار المزيفة ونشر الذعر بين الأطفال والنساء والناس قاطبة، في العالم الأزرق والأخضر وتضج بهم مواقع التواصل الاجتماعي والله المستعان!

توصيات في التصدي للإشاعات:

- التوعية الشاملة –من الأسرة والمدرسة والإعلام- بخطورة الشائعة منك وعليك وعلى الأمة!

- رد الأمر إلى العلماء وأهل الاختصاص والمؤسسات ذات العلاقة.

- سن عقوبات زجرية ومالية وبدنية لكل من روع مسلما آمنا في سربه!

- يجب التثبت من أي خبر وهذا الأصل الحاكم والقاعدة المطردة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ) [الحجرات: 6].

- يجب تحري الصدق في الحديث والنشر حتى يصير ثقافة؛ الشيخانِ عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البِرِّ، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدُق ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صِدِّيقًا، وإياكم والكذبَ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذِب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا"57.

- تقديم الظن الحسن على السيئ؛ قال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور: 12]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"58.

- يجب أن تقوم الدولة والجهات المختصة بالواجب في زمن الفتن والأوبئة والحروب؛ لوضع حد لكل الشائعات!

- ترسيخ القيم الإسلامية في أن الكلام مسؤولية، وأن اللسان يورد المرء الموارد الخطيرة، كما يجب التثبت قبل الاعتماد والنشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"59.

- تجسير العلاقة بين الإعلام والجهات المختصة في الدولة؛ حتى لا تشتغل في جزر متناثرة؛ وهي ثلمة تتسلل منها الشائعات!

- تدخل المؤسسات غير الرسمية من المجتمع المدني لمحاصرة الشائعات والإسهام في التحصين الثقافي ضدها قبل ورودها!

- العزف على الضمير الحي لدى المواطن، وتوثيق الرقابة الذاتية لديه!"وكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع"60.

- يلزم العناية بجدية بضعفاء المناعة والتحصين؛ وهم الذين يقبلون كل شيء، ويستلبون ويخترقون بكل الواردات التي تصلهم؛ لمحاصرة الشائعات؛ وهم الذين ذكروا بقول الله تعالى: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة: 47].

- العناية بالنفس وتزكيتها، وسلّ سخائم القلوب وتصفيتها من كل الأمراض والأحقاد؛ لقوله تعالى: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران: 120].

- عند ورود الشائعات يجب التزام العوام الصمت؛ فمن صمت نجا، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، فالصمت من ذهب!

- مطالبة المرجفين بالبينة كما طالبهم القرآن الكريم حين نهشوا في عرض العفيفة عائشة رضي الله عنها: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النور: 13]. قال صلى الله عليه وسلم: "بئس مطية الرجل زعموا"61.

- عدم الدخول في معارك لا طائل منها، والخوض في موضوعات أمْلتها الشائعات، فإنه يهدر أوقاتا، وطاقات لو وجهت لما ينفع من حيث الأولويات لكان أجدى وأصلح!

- عدم اٌسهام في ترديد الإشاعة وأن تحاصر بتجاهلها أو دفعها بالدليل؛ قال سبحانه: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور: 16].

- الذود عن عرض إخواننا الأبرياء؛ فعن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"62.

- الصبر والحلم والأناة؛ قال سبحانه: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، وقال: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا) [آل عمران: 120]؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة".

- تقوية الإيمان وعدم الحزن والهون انجرافا مع تيار الشائعات؛ قال سبحانه: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

- الصدق والثبات على المبادئ عند الفتن؛ قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) [الأحزاب: 23]، وقال سبحانه: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [إبراهيم: 27].

- التحصن بأذكار الصباح والمساء؛ والاعتصام بحسبنا الله ونعم الوكيل؛ قال سبحانه: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173].

- وعد الله قائم على تحقيق الاستخلاق وشروطه ليشيع الأمن والاستقرار؛ قال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي) [النور: 55].

اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلِّ شيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ، وارفع عنا البلاء، واكشف هذا الوباء، واجعلنا من عبادك الصالحين.

اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا.

وصلى الله على نبينا محمد آله وصحبه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.

وكتبه: د. أبو نوفل حسن يشو –لطف الله به وبكم-

قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة/ جامعة قطر

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الدوحة

الهوامش:

1- تفسير ابن كثير: 2/ 365.

2- انظر في ظلال القرآن لسيد قطب: 2/ 724.

3- أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وحسّنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (246).

4- انظر الموسوعة الميسرة في الأديان: 1/ 523.

5- أخرجه الترمذي برقم (2510)، وأحمد برقم (1412)، والبيهقي في شعب الإيمان برقم (8747).

6- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر برقم (48)، ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" برقم (64).

7- أخرجه البخاري برقم (33)، ومسلم برقم (59).

8- أخرجه البخاري برقم (6096).

9- أخرجه البخاري برقم (7043). قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مِن أَفْرى الفِرَى" أفرى: أي أعظم الكذبات، والفِرَى جمع فِرية، قال ابن بطالٍ: الفِرْية: الكذبة العظيمة التي يُتعجَّبُ منها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أن يُرِيَ عينيه ما لم ترَ". معنى نسبة الرؤيا إلى عينيه، مع أنهما لم يرَيَا شيئًا، أنه أخبَرَ عنهما بالرؤية وهو كاذبٌ. انظر فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 12/ 430.

10- أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم (11117)، وضعفه ابن عدي في الكامل في الضعفاء: 6/ 322.

11- أخرجه مسلم برقم (2616).

12- انظر شرح النووي على صحيح مسلم عند شرح حديث: "من روَّع مؤمنًا".

13- أخرجه البخاري في كتاب الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا" برقم (7072)، ومسلم في كتاب البر والصلة باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم برقم (2617).

14- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب إفشاء السلام من الإسلام برقم 28، ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل برقم (39).

15- أخرجه أبو داود في كتاب الأدب باب فضل من بدأ السلام برقم (5197)، والبيهقي في شعب الإيمان: 11/ 202 برقم (8408).

16- وتمامه: 

وَكُـنْتَ مَتَـى لَـمْ تَـرْعَ سِرَّكَ تَلْتَبِسْ ** قَوَارِعُــهُ مِـنْ مُخْـطِئٍ وَمُصِيـبِ

فَمَـا كُـلُّ ذِي نُصْـحٍ بِمُؤْتِيكَ نُصْـحَهُ ** وَمَــا كُـلُّ مُـؤْتٍ نُصْحَـهُ بِلَبِيـبِ

وَلكِـنْ إِذَا مَـا اسْـتُجْمِعَا عِنْـدَ وَاحِدٍ ** فَحُـقَّ لــهُ مِـنْ طَاعَـةٍ بِنَصِيـبِ

17- أخرجه ابن ماجه برقم (4036) واللفظ له، وأحمد برقم (7912)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1887).

18- أخرجه البخاري برقم (6477)، ومسلم برقم (2988).

19- أخرجه البخاري برقم (6478).

20- انظر مسلم بشرح النووي: 18/ 117.

21- أخرجه الترمذي برقم (2616)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (11394)، وابن ماجه برقم (3973)، وأحمد برقم (22016).

22- أخرجه الترمذي برقم (2004)، وابن ماجه برقم (4246)، وأحمد برقم (9085).

23- أخرجه أبو داود برقم (4875)، والترمذي برقم (2502)، وأحمد برقم (25601).

24- أخرجه البخاري برقم (6474).

25- أخرجه الترمذي برقم (2407)، وأحمد برقم (11927).

26- أخرجه البخاري برقم (7512)، ومسلم برقم (1016).

27- أخرجه الترمذي برقم (1977)، وأحمد برقم (3839).

28- أخرجه مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع، برقم (5)، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في التشديد في الكذب، برقم (4992)، وابن حبان برقم (30)، وصحيح الجامع برقم (4482).

29- انظر مسلم بشرح النووي: 1/ 75.

30- أخرجه مسلم برقم (5).

31- أخرجه مسلم برقم (5).

32- أخرجه مسلم برقم (5).

33- ونصه: "إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال". أخرجه البخاري، كتاب الرقائق، باب ما يكره من قيل، وقال، برقم (6473)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، والنهي عن منع، وهات، وهو الامتناع من أداء حق لزمه، أو طلب ما لا يستحقه، برقم (1715).

34- أخرجه مسلم في المقدمة: 1/ 9، والترمذي برقم (2662)، وابن ماجه برقم (41)، وأحمد برقم (18240).

35- صححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3066)، وصحيح الترغيب برقم (2845).

36- أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب التناوب في العلم، برقم (89)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء، واعتزال النساء، وتخييرهن، وقوله تعالى: (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ) [التحريم:4] برقم (1479)، واللفظ للبخاري.

37- أخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء، واعتزال النساء، وتخييرهن، وقوله تعالى: وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ [التحريم:4] برقم (1479).

38- أخرجه أبو داود، باب الأدب، باب في قول الرجل: زعموا، برقم (4972) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2846).

39- انظر فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 10/ 551.

40- انظر عون المعبود للمباركفوري: 13/ 214.

41- انظر عون المعبود للمباركفوري: 13/ 215.

42- انظر معالم السنن للخطابي: 4/ 140.

43- انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: 2/ 523.

44- أخرجه البخاري برقم (3456)، ومسلم برقم (2669)، وأحمد برقم (11843).

45- أخرجه البخاري برقم (6943).

46- أخرجه مسلم برقم (17).

47- قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: 5/ 134 فيه حفص بن عمر العدني ضعفه الجمهور، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: 29/ 44 مرسل.

48- انظر تفسير البغوي والقرطبي عند قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم لاتبعتم الشيطان) [النساء: 83].

49- أخرجه أبو يعلى برقم (4862)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار برقم (4435)، وأحمد برقم (25813).

50- انظر تفسير ابن سعدي عند الآية (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ).

51- التحسُّس: الاستماع لحديث القوم.

52- التجسس: البحث عن العَوْرات.

53- أخرجه البخاري برقم (5143)، ومسلم برقم (2563).

54- انظر في ظلال القرآن: 5/ 326.

55- انظر تفسير ابن سعدي عند آية (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا).

56- أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق برقم (686)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (20270).

57- أخرجه البخاري برقم (6094)، ومسلم برقم (2607).

58- أخرجه البخاري برقم (6066)، ومسلم برقم (2563) وأبو داود برقم (4917)، والترمذي برقم (1988)، وأحمد برقم (10251).

59- أخرجه الترمذي برقم (2317)، وابن ماجه برقم (3976).

60- أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح برقم (5)، وأبو داود برقم (4992)، وابن حبان برقم (30).

61- أخرجه أبو داود، باب الأدب، باب في قول الرجل: زعموا، برقم (4972) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2846).

62- أخرجه الترمذي برقم (1931)، وأحمد برقم (27543).

 

 

2


: الأوسمة



التالي
أسباب زوال الحضارة الإنسانية الأولى وكيف نعتبر في زمن الكورونا؟
السابق
فتوى الاتحاد المتعلقة بصلاة الجمعة في البيوت

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع