توجيهات مهمة للناس في فترة الوباء
الشيخ محمد الحسن الدود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الكريم
أما بعد.. فمن المهم في أيام انتشار الوباء و ضيق معاش الناس و التضييق على حرياتهم بسبب الاحتراز أن يتذكروا جميعا أن الأخذ بالأسباب واجب وأن الله تعالى تعبدهم و أمرهم به وأن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، ويرجع فيه إلى أهل الاختصاص.
فالأطباء والاختصاصيون أدرى في هذا المجال ممن سواهم وهم الذين يرجع إليهم في هذا الأمر و لا تحل مخالفتهم فيما ينهون عنه من الأمور على وجه الجزم.
وهذه الفيروسات -أعاذني الله و إياكم منها- ليس كل الناس مطلعين على طريقة نقلها و لا طريقة الإصابة بها، وانتقالها بينهم سريع جدا فلذلك لا بد من أن نأخذ بكل الأسباب التي أمر بها الأطباء ومنها ما أمر بها الشارع بل أكثرها قد أمر به الشارع فمثلا وضع الإنسان طرف ثوبه على وجه إذا عطس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أدب العطاس المأمور به { فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع طرف ثوبه على وجه إذا عطس و أنه كان يكظمها (أي يكظم العطاس ما استطاع)}.
وكذلك النظافة وغسل اليدين بالصابون والمطهر وما وجده الإنسان مما يزيل المكروبات والجراثيم إذا كانت موجودة فهذا مطلوب شرعا وهو من النظافة المطلوبة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل اليدين وورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من نام و في يده أثر من غَمَرٍ فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه فإن الشيطان حسَّاسٌ لحَّاس} لذلك ينبغي للإنسان أن يغسل يديه و أن يحافظ أيضا على عدم لمس الأجسام بيده و أن لا ينقلها إلى وجهه لأن هذه الأسطح و الأجرام التي بين أيدينا لا نرى ما فوقها من هذه الأمور التي لا ترى بالعين المجردة والاحتياط في ذلك واجب، وكذلك لا تشرع المصافحة في هذه الفترة بين الناس، فالمصافحة أصلا مندوبة بين الرجال و بين النساء فيما بينهم كل يصافح جنسه و كذلك مصافحة المحارم ولكنها في هذا الوقت قد يترتب عليها الضرر وانتقال هذه الأوبئة لذلك إذا نهى الأطباء عنها حرمت و إذا نصحوا بتركها كرهتْ.
و أيضا ما يتعلق بعدم الذهاب إلى أماكن الازدحام و تقارب الأنفاس فإن ذلك تعرض لأذية الناس و لأذية نفسه، فيمكن أن يجني الإنسان على نفسه جناية بانتقال المرض إليه و يمكن أن يجني على الآخرين جناية بانتقال المرض منه إليهم وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة رب كل شيء و مليكه أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك و أن محمدًا عبدك و رسولك أعوذ بك من شر نفسي و من شر الشيطان وشِرْكِه (وفي رواية وشَرَكِه) وأن أٌقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم}.
فالإنسان ينبغي أن يحذرأن يقترف على نفسه سوءا و أن لا يجره إلى مسلم أن يحذر من ذلك و أن يبتعد عنه ما استطاع، ومن هذا التقلل من الذهاب إلى الأسواق والذهاب إلى أمكنة الاجتماعات و يطلب في هذه الفترة ألا تقع الاجتماعات الكبيرة و بالأخص الاجتماعات السياسية أو الاجتماعية كالاجتماعات القبلية و المناسبات الاجتماعية في الزواج و نحو ذلك فينبغي أن يقلل منها في هذه الفترة وأن يجتنبها الناس وأن يفعلوا المأمور به على وجه ليس فيه تعرض للمخاطر.
لزوم البيوت في وقت الوباء مطلوب وأنتم جميعا تعرفون الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من دخل عليه الطاعون في بلده و بقي في بلده صابرا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب له فإنه يكتب له أجر شهيد هذا الحديث ذكر فيه البلد في صحيح البخاري لكن في رواية الإمام أحمد وسندها صحيح ذكر فيها البيت وعلى هذا يلزم الإنسان بيته و يصلي بأهله و يقرأ القرآن و يحافظ على الاذكار و يكثر من العبادات، وهي فرصة لنا للتزود من الطاعات و العبادات والخلوات التي فيها ذكرى و عبرة و فيها توبة و إنابة إلى الله سبحانه و تعالى لعله يرفع عنها هذا الوباء والبلاء.
وكذلك لا شك أن سعي الإنسان لعدم السفر إلى الخارج و تعطيل ذلك مصلحة راجحة وأمر مهم وقد أحسنت الدول حين أوقفت الرحلات الجوية و أغلقت الحدود في وجه تنقل الناس لما يخشى في ذلك من نقل العدوى وإلحاق الضرر بالآخرين.
وأيضا أذكر بعدم مخالطة الكثير بالحيوانات كالقطط و غيرها من الحيوانات الأليفة فالابتعاد عنها ما استطاع الإنسان في هذه الفترة من الوقاية والمصلحة.
و أذكر إخواني و أخواتي أيضا بالمحافظة على أذكار المساء و الصباح و النوم و الاستيقاظ و الصدقة الدائمة و بالأخص صدقة الصباح فإن البلاء لا يتعداها {باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتعداها}.
وهذه الأوبئة كلها رجز و رجس وإطفاءها إنما بالصدقة فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
وأذكركم كما بدأت أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله فإن الله سبحانه و تعالى أخبر عن أصحاب الكهف بقوله: ﴿نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنوا بِرَبِّهِم وَزِدناهُم هُدًى﴾ [الكهف: ١٣] ومع ذلك أقرهم بالأخذ بالاسباب فإنهم: ﴿قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا﴾ [الكهف: ١٩]
وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسباب فلم يترك سببا من أسباب النصر إلا أعمله في نصرة هذا الدين، وكذلك الأخذ بالاحتياط في كثير من الأمور و كذلك أصحابه من بعده والتابعون لهم بإحسان.
و الايمان بالقدر خيره و شره يقتضي أن يعلم الإنسان أن أجله قد كتب و أن رزقه قد كتب و أنه لا يصيبه إلا ما كتب له و أنه رفعت الأقلام و جفت الصحف عما هو كائن ولكنه لا يعلم ذلك الذي كتب فهو مجهول بالنسبة إليه ﴿وَما تَدري نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدًا وَما تَدري نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَموتُ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤]
فلا يحل التوكل على الاسباب بل يجب التوكل على الله ولا يحل التوكل على من سواه و التوكل على الأسباب شرك كالتوكل على المخلوقات و لكن يجب الأخذ بالأسباب وهنا فرق بين ما هو من القدر وما هو راجع للإيمان وما هو من الشرع فالأسباب أُمِرنا بإعمالها وهي من شرع الله فإذا رأى الإنسان سيارة مسرعة إليه فيجب عليه الفرار عنها و إذا وقف في وجها حتى أصابته فمات فهو قاتل لنفسه، وكذلك إذا رأى جدارا يريد أن ينقض عليه فيجب عليه أن يهرب عن مكان وقوعه و إذا بقي اتكالا على القدر فقد عصى الله سبحانه و تعالى في ذلك
ولا شك أن الناس حتى ولو كانوا من أهل التوكل يأخذون بالأسباب في أمور أخرى فيأخذون بالأسباب في أمور الغذاء و في تحصيل الرزق و في الدواء و في الذهاب إلى المستشفيات و في غير ذلك فلا فرق بين هذه الأسباب كلها فلا العمل هو الذي يجلب الرزق ولا الدواء هو الذي يجلب البرء و إنما كتب ذلك كله من قبل و لكنه سبب له، والسبب يجب إعماله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجيرني وإياكم من الوباء والبلاء وأن يوفقني و إياكم أجمعين لكل خير
و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته