كورونا هل هو عقوبة إلهية
مقال لفضيلة الأستاذ الدكتور/ مصطفى كرامة الله مخدوم
المصائب والبلايا العامة كالجفاف والغرق والوباءوالزلازل التي تصيب البشرية محنة وابتلاء لبعضهم، و لبعضهم عقوبة ونتائج ناشئة عن سلوك البشر وأخطائهم وانحرافاتهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} الشورى.
فهي رسائل عتاب وتذكير من الله تعالى للناس ليراجعوا أحوالهم ويصححوا سلوكهم {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)} الروم.
وهذا ما يسميه القرآن بالنذير والنذر كما قال تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ (٣٧)} فاطر. والنذير اسم عام يشمل أنواعا من الظواهر منها المرض ومنها كبر السن ومنها الشيب، فجاءتهم النذر في الدنيا لكن لم يتذكروا ولم يعتبروا.
وقد يكون تقديرها ابتلاء وامتحانا أحيانا وليست عقوبة على ذنوب سبقت لأنها عامة يشترك فيها المؤمن والكافر والصدّيق والزنديق ويصيب البهائم والأطفال ومن لا ذنوب لهم، والنظر والاستقراء يدل على أنها تصيب المؤمنين والصالحين كما تصيب غيرهم – خاصة عند ظهور الفساد واستعلانه – كما قالت زينب بنت جحش للنبي صلى الله عليه وسلم : ( أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث) متفق عليه.
ولكنها مع ذلك هي رحمة بالمؤمنين من جهة الثواب على الصبر والرضا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الطاعون: (رجز أرسل على بني إسرائيل ورحمة بالمؤمنين). وقال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (٢١٦)} البقرة.
ويكفر الله بها من خطايا المؤمنين فلا يعذبهم بها مرة أخرى في الآخرة، وهذا بمثابة قيام الأب الشفيق بعملية جراحية لولده المريض، ولا يتنافى مع رحمة الوالد وشفقته.
فالمؤمنون العقلاء يستفيدون من الأزمات، ويتدبرون الأحداث ليدركوا من خلالها أخطاءهم ويراجعوا ربهم قبل أن يحلّ بهم ما هو أشد من ذلك.
وأما أهل الإلحاد والغفلة فإنهم لا يعتبرون من هذه الأزمات بل يشككون الناس ويجادلون في كونها نذرا من الله تعالى كما قال تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)} يونس. وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦)} القمر. أي جادلوا وشككوا في الوعيد .
وميزان التفريق هو أن يرجع الإنسان إلى حاله وسلوكه فإن كان قائما على منهج الله تعالى عاملاً بتعاليمه فأصابه شيء فهو ابتلاء ورحمة وتكفير للخطايا.
وإن كان شارداً عن الله، مخالفا لمنهج الله فأصابه شيء فهو عقوبة عاجلة من الله، ونذير من الرحمن ليراجع الإنسان نفسه ويتوب إلى ربه ويصحح سلوكه.
والواجب على الإنسان في مثل هذه الحالات مع الأخذ بالأسباب أن يستكين لله ويتضرع إليه ويعترف بتقصيره ولا تأخذه العزة والكبر والطغيان بالإثم كما قال تعالى : ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ماكانوا يعملون) ولما دعا العباس بن عبد المطلب عام الرمادة قال في دعائه بمحضر الصحابة ( اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا بالغيث) رواه ابن عساكر والزبير بن بكار، وأصل القصة في صحيح البخاري.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت أرحم الراحمين.