الرابط المختصر :
قبسات مقدسية في ظلال كتاب الاربعين المقدسية
بقلم: الدكتور مروح نصار (عضو الاتحاد)
((الخامسة))
الصلاة ببيت المقدس ومغفرة الذنوب
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو في حائط له بالطائف، يقال له: الوهط ..قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ سليمان بن داود عليه السلام سأل الله ثلاثاً، فأعطاه اثنتين, ونحن نرجو أن تكون له الثالثة: فسأله حكماً يصادف حكمه فأعطاه الله إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيَّما رجلٍ خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد أعطاه إياه)) رواه احمد(٦٦٤٤) وصححه وغيره.
وفي رواية اخرى: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي - وسلم- قال: ((لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ)) مسند أحمد (6644) سنن ابن ماجه/ (1048)واللفظ له .
اولا -درجة الحديث: صحيح. فإن عبد الله بن عمر بن العاص سمع الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث فالحديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم وهي درجة عالية للحديث المرفوع للنبي
ثانيا -مناسبة الحديث: بشارة نبوية لمن يصلي بالمسجد الاقصى وبيان بأن سليمان عليه السلام قد جدد بناء المسجد الاقصى من جديد ولم يبن هيكلا كما يزعم اليهود وكذلك الدعوة لزيارة المسجد الاقصى لمغفرة الذنوب والفوز بدعوة سليمان عليه السلام ويدع النبي الله ان يستجيب لها.
ثالثا-تفسير الحديث:
الحائط البستان. .... والوهط: اسم الحائط.
شرح الحديث: فضَّلَ اللهُ سُبحانَه بعضَ الأنبياءِ على بعضٍ، وأعطَى لكلٍّ منهم ما يُمَيِّزُه عن غيرِه، وقد أعطى اللهُ سُبحانَه لنَبِيِّه سُليمانَ بْنِ داودَ عليهما السَّلامُ مُلْكًا وحُكْمًا، كما أخبَرَ في قولِه تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 16-17]،
وفي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن سليمان عليه السلام دعا وطلَبَ مِن اللهِ ثلاثةَ أُمور:
1-سألَه "حُكْمًا يُصادِفُ حُكْمَه"، أي: يوافِقُ حُكْمَ اللهِ، والمُرادُ: التَّوفيقُ للصَّوابِ في الاجتهادِ وفصْلِ الخُصوماتِ بين النَّاسِ.
2-والثَّاني: "ومُلْكًا لا ينْبَغي لأحدٍ مِن بعدِه"، أي: طلَبَ مُلْكًا لا يكونُ مثلُه لغيرِه مِن البشَرِ بعدَه، ولعلَّ مُرادَه: أنْ يكونَ هذا المُلْكُ لعظمتِه مُعجزةً له؛ فيكونُ سببًا للإيمانِ والهدايةِ، ومُعجزتُه ما يُناسِبُ حالَه، ولم يسأَلْ منْعَ الإجابةِ.
3- والثَّالث: "وألَّا يأتِيَ هذا المسجِدَ أحدٌ"، أي: المسجِدَ الأقصى، "لا يُريدُ إلَّا الصَّلاةَ فيه"، أي: لا يَقصِدُه إلَّا للصَّلاةِ، "إلَّا خرَجَ مِن ذُنوبِه كيومِ ولدَتْه أُمُّه"، أي: يُغْفَرُ له كلُّ ذُنوبِه ويُطَهَّرُ منها لا يشوبُه منها شيءٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمَّا اثنتانِ فقد أُعْطِيَهما"، أي: استجابَ اللهُ عزَّ وجلَّ له، "وأرجو أنْ يكونَ قد أُعْطِيَ الثَّالثةَ" أي: أنْ يستجيبَ اللهُ لسُليمانَ في طلَبِ المغفرةِ لمَن قصَدَ المسجِدَ الأقصى بالصَّلاةِ ، كما استجاب اللهُ دعاءَه في أمْرِ الدُّنيا.
أ-فقد روي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل الاقصى لا يشرب فيه حتى الماء ويقول أريد ان تصيبني دعوة النبي سليمان عليه السلام.
٢-قوله لما فرغ سليمان بن داوود من بناء بيت المقدس وهذا يدل على أنه جدد بناء المسجد الاقصى للعبادة وليس هيكلا كما يدعي ويزعم الصهاينة.
٣-بين النبي صلى الله عليه وسلم ان سليمان عليه السلام دعي الله بثلاث دعوات تحقق منها اثنتان في زمانه بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم وهما حكم عدل كعدل الله. ... وملكا لا ينبغي لاحد من بعده وقد اعطي ذلك من الكرامات من تسخير الامور التي لم تعط لاحد من بعده اعطاه الله اياها فكان يكلم الطير ويحكم الانس والجن وهذا ما لم يعطه لأحد من بعده عليه السلام ..ودعى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ان يكون الله قد استجاب دعوة سليمان عليه السلم الثالثة بخصوص من يدخل المسجد الاقصى بقصد الصلاة ان تغفر له ذنوبه .
رابعا-ما يستفاد من الحديث:
١-: بيانُ فَضيلةِ نَبِيِّ اللهِ سُليمانَ عليه السَّلامُ لما اعطاه الله من امور لم تعط لاحد من بعده، فسخَّرَ اللهُ تعالى له الرِّيحَ تحمِلُه بعسكَرِه وجُنودِه إلى حيث أراد، وسخَّرَ له الشَّياطينَ يجْعَلونَ له ما يشاء مِن مَحاريبَ وتماثيلَ وجِفانٍ كالجَوابِ، وقُدورٍ راسياتٍ، وسخَّرَ له آخرينَ مُتمرِّدينَ، يقرُنُهم في السَّلاسِلِ وقُيودِ الحديدِ؛ تعذيبًا لهم حتَّى يرْجِعوا عن تمرُّدِهم، ثمَّ امْتَنَّ اللهُ تعالى عليه، حيث قال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: 39]، أي: هذا المُلْكُ عطاؤنا، فأعْطِ مَن شئْتَ، وامنَعْ مَن شئْتَ، فلا حسابَ عليك ولم تعط هذه الخصوصية لاحد من بعده.
2-إنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم تنافُسٌ في المَحَلِّ عنده؛ فكلٌّ يُحِبُّ أنْ تكونَ له خُصوصيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بها على مَحَلِّه عند الله ولا تعطى لغيره، فلو أُعْطِيَت لأحد بعدَه مثلَه لذهَبَتِ الخُصوصيَّةُ. وهذه فيما تسمى بالمعجزات وتعطى وقت حاجة الرسول او النبي لها ومن أشهر من اعطوا بها كأمثلة وليس كحصر لها:
فنوح عليه السلام كانت معجزته صناعة السفيه العظيمة التي لم يكن احد يعرفها من قبل ،وصالح عليه السلام كانت معجزته الناقة التي اخرجها الله لقومه من بين الصخور ، وابراهيم عليه السلام عندما القاه قومه في النار تحولت لبردا وسلاما عليه ،وموسى كليم الله عليه السلام معجزته اليد والعصا وشق البحر له ،وعيسى عليه السلام ميلاده المعجز وكلامه بالمهد وإحياء الموتى فلقد كان ينفخ في الطير المصنوع من الطين فبإذن الله تعالى يتحول إلى روح تطير بأمر الله، ولقد كان يُبرئ الأبرص والأكمه وكان يُنبأ القوم بما كانوا يدخرونه في بيوتهم ولا يعلم عنه أحد وداوود عليه السلام كانت معجزته أن الان له الله الحديد وسخر له الجبال يرددن تسبيحه. ومعجزة وخاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وسلم كانت معجزته القران العظيم البليغ الذي تحدى العرب الين امتازوا بالفصاحة في زمنهم ان يأتوا بآية مثله فعجزوا وكذلك معجزات اخرى كانشقاق القمر والاسراء والمعراج وغيرها ،وداوود عليه السلام الان له الله الحديد وسخر له الجبال تردد تسبيحه . وهكذا كل نبي اختصه الله بخاصية لم تعط لغيره.
3-قوله لما فرغ سليمان بن داوود من بناء بيت المقدس وهذا يدل على أنه بنى مسجدا للعبادة وليس هيكلا كما يدعي ويزعم الصهاينة.
4-وان بناء سليمان عليه السلام بناء تجديد كما قال العلماء بناء على الحديث الذي رواه ابي ذر في البخاري ومسلم(قلت يا رسول الله : اي مسجد وضع في الارض اول قال: المسجد الحرام فلت :ثم اي قال: المسجد الاقصى قلت: كم كان بينهما قال اربعين سنة... ) متفق عليه.
5-ان الله استجاب دعوات سليمان كلها فيما يخصه وكذلك في ما يخص المسجد الاقصى وبتأكيد دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعقل ان يستجيب الله سبحانه وتعالى لدعوتين دون الثالثة .
6-الصلاة بالأقصى طهارة للنفس من الآثام ومغفرة للذنوب .
7-من اراد الطهارة لنفسه وتجديد التوبة فليذهب للصلاة بالمسجد الأقصى .
8-على المسلمين الحرص على الصلاة بالأقصى للقريبين منه وشد الرحال لزيارته والصلاة فيه للبعيدين عنه .
9-من الجريمة ان يحرم المسلمون هذا الأجر بسبب اغتصاب الصهاينة الأقصى ومن العيب والعار أن يبقى المسجد الاقصى تحت الاحتلال من قبل ٥مليون صهيوني مجمعين من عشرات الدول مقابل ٢مليار مسلم.
10-دعوة الانبياء مستجابة ويجوز ان تؤمن على الدعوة السابقة أو تدع الله لقبولها مع غلبة الظن انها قبلت كما دعى النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة سليمان عليه السلام .
11-رسالة الانبياء والمرسلين واحدة ومنهجهم واحد ودعواتهم واحدة لان المصدر واحد وهو الوحي الرباني .
خامسا-واجبنا نحو الاقصى وفلسطين من خلال الحديث.
١-سليمان عليه السلام جدد بناء المسجد الاقصى الذي بناه آدم عليه السلام بعد المسجد الحرام بأربعين سنة كما في الحديث المتفق عليه البخاري ومسلم .
٢-سليمان عليه السلام لم يبن هيكلا ابدا ووصف اليهود في التوراة للهيكل هو مبنى لا يصلح للعبادة ٣٠م طول ×٢٠متر عرض وثلثه ١٠×١٠=٣٠ م٢لغرفة التابوت ...وسليمان بنى معبدا للصلاة وليس هيكلا.
٣- هل يعقل اذا كان هناك هيكلا للعبادة كما يدعي اليهود ان الله يأمر بهدمه وبناء معبدا مكانه كذب دين الاسلام يحث على احترام الكنائس والمعابد .
٤-من بركة الاقصى وفلسطين ان الانبياء يدعون لهما بالبركة ومضاعفة الاجر وذلك لمكانتهما وقدسيتهما .
٥-إن سبب عدم نصرة الاقصى وتحريره من الصهاينة يعود لان الكثير من المسلمين لا يعرفون الاقصى معرفة قوية تستوجب التضحية لأجله ولا يحب الشيء الا من غرفه قال تعالى: ((فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك)).
بوب البخاري لذلك باب العلم قبل القول والعمل.فلو عرف المسلمون قيمة الاقصى ما تركوه تحت الاحتلال .
٦-من ينصر الاقصى يعرف النتيجة مسبقا وعد الاخرة .. النصر والتمكين والقضاء على يهود .
٧-من يدخل الاقصى بنية الصلاة يخرج طاهرا من ذنوبه الدعوة الثالثة لسليمان عليه السلام .
٨-حسن القصد واخلاص النية للصلاة بالأقصى سبب مغفرة الذنوب لدعوة سليمان عليه السلام بان من يقصد الصلاة بالأقصى بنية طيبة يرجع كيوم ولدته امه وهي دعوة لا يزهد بها أي مؤمن بالله حق الايمان وهي مستمرة الى يوم القيامة ولم تنقطع بموت سليمان عليه السلام.
٩-حب الرسول صلى الله عليه وسلم لبيت المقدس دفعة لبيان حديث سليمان عليه السلام ودعوته وتأكيده على الدعاء بسؤال القبول لدعوته .
١٠-الاقصى منتصر بنا وبغيرنا لماذا لا يكون دور لنا في تحريره ففلسطين كلمة السر ولها وظيفة ربانية واختيار رباني والتاريخ خير شاهد على ذلك فالتتار والصليبيون ونابليون وحضارات كثيرة عجز العالم عن الوقوف امامها هزمت في فلسطين بل تحول الغالب لدين المغلوب كما مع التتار ولأول مرة في التاريخ .
١١-من لا يستطيع الحج رجل كان أو امرأة معذور لان الله سبحانه قال: ((فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( )). ..وهو ان يملك الزاد والراحلة للرجل والمرأة اضافة لذلك ان يتوفر لها المحرم.
اما بيت المقدس من لم يستطع ان يصلي فيه لا يعذر فلبعث زيتا يسرج في قناديله فلا يعذر بعدم القدرة على الزيارة بل يساعد ويثبت أهل القدس والمسجد الاقصى.فينال الاجر وهو بديل عن الزيارة كما في الحديث عن ميمونة بنت سعد، مولاة النبي y قالت: قلت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس، قال e: ((أرض المحشر والمنشر، أئتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره))، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمَّل إليه؟ قال:( (فتهدي له زيتاً يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه)) (1).
وفي مسند أحمد: "قالت أرأيت من لم يطق أن يتحمل اليه أو يأتيه؟ قال "فليهد اليه زيتا يسرج فيه فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه " أحمد 6/ 463.وروي بروايات اخرى قريبة من ذلك.