الرابط المختصر :
رمضان في زمن الكورونا
أ.د. ليلى محمد بلخير (عضو الاتحاد)
يحضر شهر رمضان وأعين العالم كلها علينا وأذرع الوباء تمسك بخناقنا، وأعلنت الأرض فشلها، وبقيت لنا رحمة رب السماء، يجب أن لا نكتف بالبوح بمآسينا بل نحاول السير في طريق الحق رغم إحساسنا أن رمضان مختلف، استهلكننا المواعظ والإرشادات، وجمدت الخطب وسمجت الأقوال والحكم، إنه اختبار عسير وشديد اللهجة في ضرورة استعادة وعينا بروح العبادة، التي أضحت أسمالا بالية يمحقها الاستهلاك. رمضان شهر العزم والعزيمة، حقا إنه فرصتنا للتغيير هو ليس عبادة موسمية ولا طقوس لزيادة التركيز على الأكل واللهو.
وضرورة إحياء المقصد من العبادة والتذكير بسنن السير في طريق الله، ترك الطمع فيما يد الناس والتركيز على الطمع في رضوانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاب وتعس من أدرك رمضان ولم يغفر له.
لقد صرفنا أنفسنا عن الطيبات في شهر رمضان طاعة لله، كتوجيه عملي على ترك المعاصي في سائر الأيام، ويتأتى ذلك من تنشيط رقابة الله عز وجل والإخلاص الكامل في التقرب إليه، يقول بن القيم في ما معناه نشاط بن آدم في التوازن بين إتباع الهوى وطول الأمل، فالذي ينسى الله ينشغل بهواه، ويعمى عن الحق، والذي ينسى الآخرة لا يهتم بروح العبادة بل بقشورها، ومن أطال الأمل أساء العمل كما جاء في الأثر، رمضان شهر الفتوحات والبطولات ومكارم الأعمال، وتدريب على حسن الانجاز والفعالية والمثابرة شهرا كاملا، ودلالة الزمن مهمة جدا في تعميق المقصد من الصوم. وتجنب كل ما يناقضه ويفسد معانيه وقيمه، بداية من الهلع والخوف الشديد من الموت وحب الدنيا، أو الاستهتار بسبل الوقاية وتضييع مقصد حفظ النفس، بالتسوق المستمر وهدر الوقت في متابعة المسلسلات التافهة، والبرامج المضيعة لمقاصد الفضائل، والتي تعمل على الاستهتار بالقيم وتمييع كل شيء، وتسويغ الميوعة والابتذال والضحك على هموم الناس وأوجاعهم، مثل ذلك البرنامج في التلفزيون الجزائري الذي يعرض تلك المرأة الفاتنة على الرجل الفقير المشارك في البرنامج ، ويقومون بوهمه أنها من نصيبه وأنها راضية به زوجا أمام الجماهير العريضة، وما أن يلبس الموضوع ويصدق القصة حتى، ينهض من يضحك عليه بصفاقة وغلظة ليقول له شكرا لك لقد شاركت في كاميرا خفية، فتجحظ عيناه قهرا وحسرة.
أين نحن من روح رمضان وأسراره العميقة؟ وبرامج تلفزيونية تقدم خصوصا في شهر رمضان، وهي مفسدة لرمضان و للدين من أساسه، تشتغل بلا سياسة ولا منهج ولا هدف، إلا التهريج ،والضحك على المنكوبين الأحياء والأموات، وعلى القيم والأخلاق وٍأواصر الأسرة.
رمضان في زمن الكورونا هو اختبار للأسرة حتى تستعيد وعيها بدورها الريادي في تربية الأبناء على مقاصد الصيام، و لهذا نثمن أهمية الحفاظ على تماسك الزوجين في المحنة والابتلاء، ليتشرب الناشئة قيم الإيمان والصبر تطبيقيا، من قوة الترابط والانسجام بين الأبوين، ومن ثمة نرتقي لمواجهة غلق المدارس والجامعات والمساجد، بحسن ترشيد الطاقات الموجودة في البيت وتوجيهها للنهوض بالقرآن في شهر القرآن، في ظل محنة التباعد الاجتماعي، وانعكاساتها السلبية على الصغار والكبار، إعطاء فرصة للشباب على قيادة صلاة التراويح وتحضير المواعظ والدروس والخطب، في جمعات الحضر الحزينة، ليكون رمضان بحق منجاة وفرصة لا تتكرر، ورافد اشعاع في ظلمات المحن، أي تدريب الشباب في المحاضن الطبيعية (البيوت) على خوض زمام المبادرة وإشعارهم بالمسؤولية واكسابهم الزاد الروحي الذي يمكنهم من مواجهة الابتلاءات والصعوبات، ورغم البلاء والوباء يبقى بقوة الله رمضان كريم.