البحث

التفاصيل

حكمة ابتلاء الله المسلم بالمرض

الرابط المختصر :

حكمة ابتلاء الله المسلم بالمرض

الشريف إبراهيم عبد الله السرماني (عضو الاتحاد)

قال تعالى: حاكيا عن نبي الله ابراهيم عليه السلام (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) "، سورة الشّعراء/80. وأسند نبي إبراهيم عليه السلام المرض لنفسه لأنّ الإنسان إذا مرض فهو السّبب في حدوث المرض، وإن كان المرض والشفاء كله من الله، ولكنه تأدبا مع خالقه عز وجل وإظهارا للصبر على بلائه له سبحانه أي إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه وإن كان الكل من الله - تعالى

 فدعونا الآن نذكر من بعض ما ورد في القرآن والسنة من الحكم والفوائد العشرة الإيمانية للمريض ومنها:

أولاً: استخراج عبودية الضراء؛ فإن الله -تعالى- يبتلينا بالسراء وبالضراء، وبالسراء لنشكر، وبالضراء لنصبر، ولذلك فإنه يستخرج هذه العبودية من خلقه، يعني: لماذا أمرضك الله، لماذا أمرضك ربك؟

لأجل أن تعبده بالصبر، ففتح الله لك مجالاً للعبادة جديداً، ربما لم يكن عندك أيها المريض سابقاً عندما ابتلاك لكي تصبر فتؤجر، والنبي ﷺ قال: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.

إذًا، فيه خيرية تحصل الآن للمريض والمريضة من جراء المرض عبر تعبد الله بالصبر على هذا الابتلاء وهذه الآلام، وهذه النازلة التي نزلت به.

ثانياً: المرض هذا وإن كان شراً من وجه، لكن فيه خيرات عظيمة من جهات أخرى، ومنها: تكفير الخطايا، فالنبي ﷺ يقول: ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن حتى الهم يهمه، إلا كفر به من سيئاته. رواه مسلم

فإذًا، فما كان هذا التعب والمرض والآلام النفسية، والآلام البدنية إلا كفر الله بها من سيئاته.

ثالثاً: كتابة الحسنات، فإن العبد إذا صبر في المرض ليس فقط تكفر عنه سيئاته، وإنما يعطى حسنات على عبادة صبره على الابتلاء، وعدم الجزع، والاستسلام لأمر الله، والرضا بالقضاء، فهذه عبوديات كبيرة جداً يقوم بها الآن فيؤجر، وتزاد حسناته.

رابعاً: أنه كلما زيد في ابتلائه زيد في ثوابه؛ فإذاً، الأمراض تتفاوت، والآلام تتفاوت، وكلما زاد الألم زاد الأجر، فهو لا ينظر إلى زيادة الألم على أنها كارثة فقط، وإنما ينظر على أنه انفتح بها مزيد من الأجور والحسنات، حتى قال النبي ﷺ: يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض رواه الترمذي: وحسنه.

خامساً: إنها سبيل عظيم للنجاة من النار؛ فقد قال النبي ﷺ للصحابي الذي كان يعاني من الحمى والسخونة الشديدة: أبشر إن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ليكون حظه من النار في الآخرة. راه ابن ماجه.

الكافر والغافل والجاهل عندما يُصاب بالحمى والسخونة الشديدة فهو يتلوه من السخونة ويشتعل، لكن لا يحس أن لهذا مقابلاً، وفائدة.

سادساً: رد العبد إلى ربه، وتذكيره بمعصية، وإيقاظه بغفلته؛ فإن العبد إذا مرض واشتد به المرض، يقول: أنى هذا؟ لماذا أصابني؟ من أي شيء أصابني؟ قال تعالى :( قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) آل عمران الآية: 165. فيقال له: بذنبك؛ لأن الله -تعالى- قال: وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ)

النساء: 79.

إذاً، هنا الإنسان في غفلة وهو في حالة الصحة، إذا مرض يبدأ يتساءل كلما اشتد المرض: من أين هذا؟ فيبدأ يفكر ويحلل، ويخرج بنتائج، يقول: أنا أصابني بمعاصي، ما هي المعاصي؟ متى فعلتها؟ كم هي؟ ويبدأ يحاسب نفسه، وبالتالي يتفطن لسبب الابتلاء هذا الذي أصابه، فيرجع إلى مولاه بالتوبة، وينطرح بين يدي ربه ملتمساً العفو، راجياً المغفرة، يعاهد ربه على التوبة، وأنه إذا قام من المرض لا يعود إلى هذا العصيان، وكم من أناس تغيرت مسيرتهم في الحياة بسبب المرض، ولولا المرض ما تغير بل ازداد عتواً ونفورا.

سابعاً: أن المرض هذا شهادة تزكية للمريض عند الله، المريض المحتسب بأنه مؤمن، لماذا؟

لأنه قال في الحديث الصحيح: يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان صلب الدين اشتد بلاؤه. رواه أبو داود، وأحمد. وفي رواية:

 إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم. رواه الترمذي' وحسنه. فهو يقول: لعل الله يحبني فأمرضني، لعل ديني فيه ما يتحمل مثل هذا فقدر علي، فهي في الحقيقة منحة ربانية.

ثامناً: التوجه إلى الله بانتظار الفرج، وهذا نوع من العبادة، فهو الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، ويمنعه من اليأس، 

فأما الغافل الجاهل البعيد عن الله فإنه يحبط، ويصاب بانهيار نفسي، وربما ييأس، وأنه لا أمل له بالشفاء، ويقول: الآن أنا انتظر الموت البطيء.

وأما الإنسان المسلم نفسه قوية، ويعلم بأن الله يفرج ويشفي وهناك أمل: قال الله تعالي (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) الحجر: 56.

يا صاحب الهم إن الهم منفرج *

أبشر بخير فإن الفارج الله

اليأس يقطع أحياناً بصاحبه *

 لا تيأسن فإن الكافي الله

إذا ابتليت فثق بالله وارض به*

 إن الذي يكشف البلوى هو الله.

وهكذا فهو لا يزال يرتجي الفرج من ربه بلا يأس، وهو يعلم أنه لو شُفي من هذا المرض فهو يرجع إلى الله وإلى الطاعات ويعمل المزيد، ولذلك الحياة خير للمؤمن؛ لأنه يزداد بها خيراً. وقال البني صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه مريضا. (اللهم اشف عبدك، ينكأ لك عدواً، ويمشي لك إلى الصلاة) رواه أحمد: فالنبي ﷺ دعا لهذا المريض المؤمن أن يشفيه الله حتى يقوم ينطلق في نصرة الإسلام ويجاهد في سبيل الله، ينكأ له عدواً، أو يمشي لك إلى صلاة فتشهد الأرض لما يعمله عليها من الخير.

تاسعاً: أن يعرف العبد بالمرض مقدار نعمة الله عليه، وهذه الصحة ما موقعها؟ فإنه لا يعرف الصحة إلا من فقدها، ولا يشعر بها إلا من حُرمها، فهذا إذا رجع بعد المرض يرجع وهو عارف قيمة الصحة، مدرك. فالمؤمن، هذا يعرفه جيداً عندما يمرض، ولذلك نقول الفوائد هذه منطلقة من قوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)

عاشراً: أنه يكتب له مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً وإن لم يعمل؛ لأنه ﷺ قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً. رواه البخاري.

وهذه ميزة أن الإنسان يكتب له في حسناته الصحيفة أشياء ولا يعملها، وهذه فائدة أن يكون الإنسان قبل المرض على خير، حتى إذا مرض كتب له الخير الذي كان يعمله.

إن هذه الأمور العشرة تدفع المؤمن المريض، والمرأة المريضة على لزوم الصبر في مرضه محتسبا من الله الأجر والثواب.

 


: الأوسمة



التالي
أزمة النظام السياسي العربي في ظل "كورونا"
السابق
مصادر الأخلاق

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع