الرابط المختصر :
إنـــه لــزلـــزال أصـــــاب العـــالــم ! فــهــل مــن يقظــــة ؟
بقلم: د. عمار طالبي (عضو الاتحاد)
يتحدث علماء طبقات الأرض عن الأطوار الجيولوجية التي زلزلت الأرض، وحدث ما حدث من طبقات في الأرض اليابسة وما أحاط بها من بحار.
وما نشاهده اليوم لعله يشبه عصراً جيولوجياً لا في الأرض ولكن في سكانها، لم يقصر هذا الوباء على شعب دون آخر، بل أنه انتهك سكان أقوى الدول علما وثراء وتقنية، وتطوراً في علم الأحياء والخلايا الجذعية، والتصرف فيها، وفي معرفة واسعة بالجراثيم والميكروبات، ولكن لحد الآن لم تستطع هذه الدول في علمها وتطوره أن تجد دواء لداء السرطان، الذي استعصى لحد اليوم على ما يقضي عليه، وصدق الله العظيم إذ قال: ﴿…وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾[الإسراء/85].
فالعلم البشري نسبي، لأن وجود الإنسان في ذاته نسبي بما في ذلك عقله الذي به يفكر، ويعلم، ويعمل ما ينفعه وما يضرّه أيضا.
إننا نشاهد عالم البشر اليوم يتزلزل، أخذه الرعب، والفزع، من هجوم هذا الوباء، الذي أعجز العلم الحاضر، وهدد الاقتصاد، والإنتاج، وعطل كثيرا من نشاط الناس، وألزمهم بيوتهم مضطرين، هاربين مما لا طاقة لهم به، ولا دفعا للمرض به، وغاية ما عندهم اللجوء إلى المنازل، ومن أصيب يهرع إلى المستشفيات، وضاقت المستشفيات وأدواتها في عدد من الدول من أن يأخذ بأيديهم لإسعافهم، لقلة الأسرة، والأبنية، إنه وبال لم يكن منتظرا ولا متوقعا، جاء حين غفلة من العلماء والناس، مفاجئا معجزا لعلم الإنسان.
إن هذا العالم أخذ يتغير وينبّئه الناس إلى أن يغيروا من مناهجهم القديمة، وسلوكهم في الحياة، وطريقة البحث العلمي، لتهيئة ما بقي بما يتوقع أن يحدث للناس فجأة، ليعدوا العدة، لحماية الإنسان في وجوده وحياته.
إنه يصاغ العالم البشري صياغة جديدة، تخرج به من النمط الحالي إلى نمط يتعاون فيه البشر في سفينته التي تبحر به بحر المستقبل وأمواجه المتلاطمة، يكف فيه الإنسان المتحضر القوي عن عدوانه على ضعفاء الشعوب وسلب ثرواتهم، واحتكار القوة الغذائية والاقتصادية، وحرمان الآخرين من خيراتهم بغير حق، وشن الحروب الضارية للاستحواذ على ثرواتهم وإفقارهم، ظلما وعدوانا، واحتكار الطاقة النووية، واستغلال الشركات الكبرى للأدوية في غلاء أثمانها على الشعوب الفقيرة، ونداء بعضهم بتجربة الأدوية على الأفارقة كأنهم فئران أو جرذان يقع تحت التجارب، وعلى الشعوب الإسلامية أن تتضامن، وتتعاون في الشؤون الاقتصادية، وأن تحفظ مواردها من أن يستغلها غيرها، وأن يكف حكامها عن التبعية، وفتح الباب للدول الأخرى لاستغلال ثرواتها، وأخذ الرشاوي لمصالحهم الخاصة، وإفساد ضمائرهم، وعليهم بذل ما يمكن من أموال في البحث العلمي في الزراعة والتعليم، لتكوين عقول باحثة مكتشفة مخترعة، للنهضة بالشعوب، والخلاص من التخلف.
وعلى العالم الإنساني الجديد بعد هذا الوباء أن يكف عن الحروب، وأن يكون الإسلام يعم الكون، وعلى الشعوب أن تقاوم الدعوة إلى الحروب، وشنّها على الناس مهما تكن أعراقهم، ودياناتهم، وثقافتهم.
فالإنسان أخو الإنسان أحبّ أم كره، كما ورد في الحديث.
إن الإنسان وحدة في أصله ووجوده، فاصطنع البشر التفرقة، وزعم بعضهم أنه شعب الله المختار، أو أن عرقه أرقى من عروق أخرى، وما إلى ذلك من الدعاوى الباطلة من القوميات العنصرية، واحتقار بعض الأقوام بغيرهم، والاستخفاف بهم باسم الحضارة أو الثقافة أو غير ذلك من أنماط الحياة.
وأن يكف العلماء عن اختراع الأسلحة المدمرة التي يمكن أن تؤدي إلى فناء هذه المعمورة وفناء سكانها.
إن النزعة العدوانية في الإنسان ينبغي أن يربّى الناس على إبعادها وتهذيبها بالتربية الخلقية، والدينية التي تحترم الكائن البشري، وكرامته مهما تكن ثقافته ودينه، وعرقه.
على الشعوب المتخلفة المظلومة أن ترفع مستواها إلى مستوى الحضارة، وعلى الشعوب المتحضرة أن ترفع مستواها إلى مستوى الإنسانية، كما قال مالك بن نبي فلا يغتر أصحاب الحضارة بقوتهم وثرواتهم، فتسول لهم أنفسهم العدوان على غيرهم، وانتهاك حرمة الإنسان وكرامته.
ولا تستهين الشعوب الفقيرة المتخلفة بأنفسها، وتسهل السبيل للعدوان عليها بأنفسها، وتسهل السبيل للعدوان عليها، وعلى ثرواتها، فإننا في عصر ارتفع فيه وعي الإنسان ولم يعد يخدعه الإعلام المضلل، الذي يسيطر به الأقوياء على الضعفاء، وعلينا نحن في الجزائر أن نعتني بالأمن الغظائي بخدمة أرضنا، والسعي لترقية الفلاحة عندنا بالبحث العلمي ثم البحث العلمي، فأرضنا ولود للخير، خصبة ولا ينقصها إلا العمل الذي يستند إلى العلم وتقنياته، والاهتمام بالصناعات التحويلية، وغيرها، وصناعة الأغذية، والعناية بصناعة الأدوية، والرقي بها للحصول على الأمن الصحي، ولعل هذا الوباء يعطينا وللعالم كله درسا عظيما، لنسلك سبيل الرشاد والرشد، ويبتعد عن سبيل الفساد والشرور، التي نراها كل يوم في التجارة بالمخذرات، والأغذية والأدوية الفاسدة، والسطو على منازل الناس للسرقة والنهب، إنها علامة على خلل في الإطلاق.