قواعد وضوابط وضعها الإسلام لمحاربة العنصرية
د: أكرم كساب (عضو الاتحاد)
لقد وضعت الشريعة الإسلامية من القواعد والضوابط التي تعمل على نبذ العنصرية ومحاربتها، ومن هذه القواعد والضوابط:
- تحريم التفاخر بالأنساب والعصبية المقيتة:
لقد كانت وما زالت قضية التفاخر بالأنساب والأعراق من القضايا التي يتعالى به البعض، لكن الإسلام جاء ليحارب هذه المفاخرة الكاذبة، روى مسلم أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»، وعند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ".
- تجريم المجاملات التي تضيع الحقوق:
تكثر المجاملات في كثير من الأحيان بين أبناء القبيلة الواحدة أو العرق الواحد أو البلد الواحد، وقد تضيع الحقوق بسبب هذه المجاملات؛ لذا فقد حرص الإسلام على تجريم هذه المجاملات، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَة»، ورُوي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ: يَا يَزِيدُ، إِنَّ لَكَ قَرَابَةً عَسَيْتَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ، وَذَلِكَ أَكْبَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ"( وقال محققو المسند: إسناده ضعيف).
- محاربة الرق والاستعباد:
لقد كانت منابع الرق كثيرة قبل الإسلام، وفي المقابل كانت وسائل التحرر معدومة، فجاء الإسلام فقلب الموازين، ففتح أبواب التحرر، وسدّ مسالك الرق والاستعباد، وجعل كثيرا من الكفارات في تحرير الرقاب، كما في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، وجعل الفكاك يوم القيامة في فكّ الرقاب، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 12، 13]. كما جرّم الإسلام استرقاق الناس، روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: ... وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ...".
- شعائر الإسلام تقضي على العنصرية:
وقد كانت شعائر الإسلام نموذجا عمليا لمحاربة العنصرية، فعن الصلاة يقول القرضاوي: وأما المساواة فأي مساواة أوضح من تلك التي نراها في الصفوف المتراصة في المسجد؟ الأمير إلى جانب الخفير، والغني بجوار المسكين، والسيد ملاصق للخادم، والعالم الفيلسوف وعن يمينه عامل، وعن شماله فلاح؟! فليس للمسجد لائحة تخصص الصف الأول للوزراء، والصف الثاني للنواب والثالث للمديرين أو موظفي الدرجة الأولى أو كبار الملاك. وإنما الجميع سواسية كأسنان المشط الواحد.
وفي الحج تظهر روعة المساواة، حيث تساوت الرؤوس، يوم أن حسرت الرؤوس، وجردت الأبدان، إلا من إزار ورداء، ظهر عليهما البياض، فتلفت يمنة ويسرة، فلا تميز وزيراً ولا أميراً، ولا ملكاً ولا رئيساً، الكل سواء الوزير كالخفير، والغني كالفقير، وتنظر بأم عينيك في الطواف والسعي لترى أميراً بجوار خفير، وغنياً بجوار فقير، وعالماً بجوار أمي جاهل، وسيداً ملاصقاً لخادم عامل. من بكر في الطواف قبل الحجر، ومن تأخر كان عليه تأخيره.
- حماية غير المسلمين من العنصرية:
لقد حفلت السنة المباركة بالحديث عن أهل الكتاب، وهناك جملة رائعة من الأحاديث التي توصي بهم ومن ذلك: ما رواه أبو داود أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"، وما أعظمه ابن تيمية حين كلم "قطلوشاه" التتري في إطلاق الأسرى فسمح له القائد التتري بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسرى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً لا من أهل الذمة ولا من أهل الملة. (شرح السير الكبير/ ج1 ص 108).
- عقوبة المحيين للعصبية:
فهذا أبو ذر الغفاري، وهو من أوائل الناس إسلاما، وقد مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بصدق اللهجة، روى أحمد عن عَبْد اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ"، لكن التعنيف ناله حين عيّر أخاه بلالا بلون بشرته، روى البخاري عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ... ».
- تقديم المرء على أساس قدراته وعلمه لا حسبه ونسبه:
ولهذا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يعطي سيفه لأبي دجانة ويمنعه من الزبير وهو ابن عمته وغيره، روى مسلم عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟» فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟» قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ.
وروى الذهبي عن الزهري: قال لي عبد الملك بن مروان: من أين قدمت؟ قلت: من مكة. قال: فمن خلفت يسودها؟ قلت: عطاء. قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فيم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا، فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس. قال: فمن العرب، أو الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول. قال: فمن العرب، أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران، وهو من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن من الموالي. قال: فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب، أم من الموالي؟ قلت: من العرب. قال: ويلك! فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها. قلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو دين، من حفظه، ساد، ومن ضيعه، سقط. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 85).
- الأفضلية للأتقى والأنفع:
لم يجعل الإسلام الأفضلية في الناس للونهم ولا لجنسهم، وإنما جعلها محصورة في أمرين:
الأول: القرب من الله، فمن ازداد قربا من الله عبادة وطاعة، زاد قربه من الله، ولهذا قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، روى مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ»، وروى أحمد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قال: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى".
الثاني: أنفعهم للناس، فمن زاد نفعه زاد فضله عند ربه، روى الطبراني عَنْ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثَبِّتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ».
- خسارة الأشخاص والأفراد لا المبادئ والقوانين:
ومهم أن ندرك أن خسارة الأشخاص قد تتحمل، أما خسارة المبادئ فلا، وهذا يعني أن المبادئ ينبغي ألا تتجزأ، ذكرت كتب التاريخ أن جبلة بن الأيهم وكان ملكا ثمَّ حضر الْمَوْسِم (الحج) فَبينا هُوَ يطوف بِالْبَيْتِ إِذْ وطئ على إزَاره رجل من فَزَارَة فَحله فَالْتَفت إِلَيْهِ جبلة مغضباً ولطمه فهشم أَنفه فاستعدى عَلَيْهِ إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَبعث إِلَيْهِ يَقُول مَا دعَاك إِلَى أَن لطمت أَخَاك فهشمت أَنفه قَالَ إِنَّه وطئ إزاري فَحله فلولا حُرْمَة الْبَيْت لأخذت الَّذِي فِيهِ عَيناهُ فَقَالَ لَهُ عمر أما أَنْت فقد أَقرَرت فإمَّا أَن ترضيه وَإِلَّا أقدته مِنْك. قَالَ: أتقيده مني وَأَنا ملك وَهُوَ سوقة؟ قَالَ عمر يَا جبلة إِنَّه قد جمعك وإياه الْإِسْلَام فَمَا تفضله إِلَّا بالعافية، قَالَ: وَالله لقد رَجَوْت أَن أكون فِي الْإِسْلَام أعز مني فِي الْجَاهِلِيَّة... فَقَالَ جبلة: أخرني إِلَى غدٍ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: ذَلِك لَك. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل خرج هُوَ وَأَصْحَابه فَلم يلبث أَن دخل قسطنطينية على هِرقل. الوافي بالوفيات (11/ 41).
وهنا قد يقول قائل خسرنا رجلا، والحقيقة نعم خسرنا رجلا، لكن ماذا لو تنازل عمر عن جق الضعيف؟ لحظتها نكون قد خسرنا مبادئ، ودون المبادئ لا تقوم الأمم ولا الحضارات.