بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
كشف الحساب، فيما وراء " الإرهاب " من الأسباب
بقلم: عبد المجيد بنمسعود (عضو الاتحاد)
لست من الذين يستمرئون استعمال لفظ " الإرهاب"، للدلالة على ما أصبح شائعا عند أغلب الناس، كموضوع أو أفعال يعبرون عنها بذلك اللفظ، لسبب واضح بين، هو كون اللسان العربي يأبى ذلك الاستعمال، لما يتضمنه من تعسف في تحميل أحد ألفاظه دلالة تتجاوز حدود معناه، ولما ينجر عن ذلك التعسف من خلط وتشويش واضطراب، ينال من قواعد الضبط اللغوي والتدقيق الاصطلاحي، التي تعتبر ضامنا لسلامة التواصل والتفاهم بين الناس، إما داخل المجال الحضاري الواحد المتجانس، كما هو الأمر بالنسبة للمجال الحضاري العربي الإسلامي، وإما فيما يتعلق بالتواصل مع الآخر الحضاري، كائنا من كان. فليس استعمالي هنا لهذا اللفظ بين مزدوجتين إلا من باب الاضطرار التواصلي المؤقت، وما عمت به البلوى، علما بأن الإرهاب في المصطلح الإسلامي أمر مشروع، بل إنه من الأوامر القرآنية التي يعتبر تنفيذها وطاعة الله فيها شرطا من شروط حفظ الوجود الإسلامي، واستمرار ما يناط به من رسالة تبليغ أمر الله عز وجل، ونشر دينه في الأرض، بعيدا عن أي تعسف أو إكراه، أو تجبر أو عدوان، أو استكبار أو طغيان. و الآية القرآنية المتضمنة لذلك الأمر صريحة لا تحتمل أي تأويل، يقول جل من قائل:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
سورة الأنفال الآيات 60-61. فليس في الإرهاب بمعناه الإسلامي، كما هو واضح في سياق هذا النص الكريم، ما يشين أمة الإسلام أو حضارة الإسلام، لأنه يدخل فيما يسمى بتحقيق توازن الرعب الذي هو شرط موضوعي لتحقق السلام على أرض الواقع، بدليل ما ورد في نفس السياق من أمر بالجنوح إلى السلم حالة جنوح الطرف الواقع عليه الإرهاب إليه، ومما لا شك فيه أن ثمرة هذا التوجه تؤول في نهاية المطاف إلى إشاعة السلام على مستوى الإنسانية جمعاء، وهو أمر منطقي يدركه كل المنصفين العقلاء. أما في حالة عدم الارتداع من طرف الجهة التي هي مظنة البغي والعدوان، فإن انتقال الوضع من حالة الإرهاب إلى حالة رد العدوان، يشكل الوضع السليم الذي يؤول لا محالة إلى إقرار السلم، ورد الحق إلى نصابه. وهكذا يتبين لنا أن الإرهاب في مفهومه الإسلامي، يمثل قاعدة ذهبية، تدخل ضمن نسق من القواعد الأخرى، لتشكيل فلسفة الجهاد الإسلامي الذي يشكل حصنا حصينا للوجود الحضاري للأمة المسلمة.
وإذا نحن علمنا بأن فعل الإرهاب في مفهومه الإسلامي تحكمه ضوابط صارمة ومحكمة يتصدرها الطابع المؤسسي المرتبط بأعلى جهاز مشرف في الدولة الحاكمة، أدركنا براءة المسلمين حكومات وشعوبا، في مستوى معين، من الممارسات المنفلتة هنا وهناك عبر العالم، والمسماة عند الغربيين إرهابا، والتي تسفر عن إزهاق للأرواح، وتدمير للعمران، وإعدام للأمن والأمان، وأدركنا، قبل ذلك وبعده، براءة الإسلام من تلك الأوضاع المأساوية الرهيبة التي تخرج عن حد العدل والإنصاف، وتندرج لا محالة في سياق فوضى عارمة تفقد المجتمعات الإنسانية معنى وجودها، بل وتجردها من صفة الإنسانية نفسها.
ويتحصل لنا بناء على ما سبق، أن اتخاذ القوى الغربية ما يقع من عمليات حرابية، بشتى الأشكال، في بقاع من العالم ذريعة لإعلان حرب ضروس لا هوادة فيها، تأتي على الأخضر واليابس، بل وتقف بوضوح لا غبار عليه، في صف الظلمة، بكل ثقلها المادي والمعنوي، ضد شعوب تناضل من أجل استرجاع حريتها وكرامتها، يعتبر( أي ذلك الاتخاذ) عدوانا سافرا وظلما مشينا، وارتكابا لجرائم شنعاء في حق الإنسانية، ويزيدها شناعة ومرارة وسوءا، كونها تتلفع في كثير من الأحيان بعباءة الحرب على الإرهاب، بمفهوم هؤلاء للإرهاب، الذي يشكله الأقوياء المتغطرسون كيف شاءوا، ويلصقونه بمن شاءوا ، دون حسيب أو رقيب.
أما وقد حررنا القول في مفهوم الإرهاب، فميزنا إرهابنا من إرهابهم، فلابد أن نضع الأصبع على أصل الداء، من وجهة نظرنا، في بعض ما يقع من إرهاب، في مفهومهم وليس في مفهومنا.
إن أصل الأصول وراء ذلك إنما هو الإصرار السافر على مستوى الدول المنتسبة إلى الإسلام، على الاكتفاء بشكل الإسلام دون جوهره، والإصرار على تغييب التربية الإسلامية والثقافة الإسلامية من أغلب النظم والمؤسسات المسئولة عن تشكيل العقليات، وصياغة شخصية الإنسان، مما يؤدي إلى إنتاج فئتين من المخلوقات، على طرفي نقيض، فئة غريبة عن جو الإسلام، تستمرئ حياة الاغتراب والاستلاب، في ظل قوالب ثقافية هجينة، رغم ما تحمله من تشوهات وتناقضات، وبعد عن هوية الأمة وجذورها، وفئة تجهل حقيقة الإسلام، وتتلقى عنه تصورات مغلوطة، أو حقائق مبتورة، نتيجة غياب المصادر الأصيلة التي تحقق لها الإشباع العلمي، والتأصيل المفاهيمي الشرعي، ومن ثم المناعة الفكرية ضد أي اعتقاد أو تصور خارج عن حقيقة الإسلام، وبالتالي ضد أي ممارسات تدخل في مسمى "الإرهاب" بالمسمى الغربي. وإذا أضفنا إلى الفراغ النظري، أو بالأحرى ضحالته وتشوهه لدى تلك الفئة عن الإسلام، إحساسها العميق بالغبن والحرمان، نتيجة غياب النموذج الحضاري الحق للمجتمع الإسلامي الذي تحفظ فيه الحقوق والواجبات، وترعى فيه الذمم والكرامات، على أساس العدل والشورى، وصيانة الحريات، أدركنا إلى أي حد يمكن أن تتأجج في صدورهم أحاسيس النقمة ودوافع التدمير، تحت شعار إحقاق الحق وإزهاق الباطل، والعمل على تجسيد حلم مغصوب، لعالم منكوب.
خلاصة القول في هذا المقام، أن الدرع الواقية ضد أي "إرهاب" بمفهومهم، وحرابة بمفهومنا، سواء في بلاد المسلمين أو غير المسلمين، إنما هي قيام دولة الإسلام ونموذج الإسلام على أرض المسلمين، بأسسه ومقوماته، وبعطائه الحضاري المتعدد الأبعاد، ففي هذه الحالة، وفقط في هذه الحالة، تنتهي الذرائع، وتهدأ الحمى المستشرية في العظام، ويتحقق الأمن والسلام.
وصدق الله العظيم القائل:" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"( المائدة:50).