فتح القسطنطينية " الجانب البيزنطي أثناء استعدادات الفاتح"
المشهد الثاني
بقلم: د أحمد رشاد (عضو الاتحاد)
وفي بيزنطة قد تولى الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر [1449ـ 1453م] عرش بيزنطة في 16 يناير سنة 1449 م. بعد وفاة أخيه حنا الثامن بدون أن يترك أولادًا، ورغم أن لقسطنطين ست أخوة فإن الإمبراطورة الأم هيلين قد اختارت قسطنطين دونهم ومع أن قسطنطين كان من أفضل الحكام الذين تولوا عرش الإمبراطورية فإن بيزنطة كان محكوم عليها بالفناء ولم تكن شجاعة الإمبراطور تجدي شيئًا لإنقاذ بيزنطة من المصير المحتوم وسقوط مدينة القسطنطينية بل والقضاء على الإمبراطورية إلى الأبد في عهده.
وقد كان سقوط القسطنطينية أمرًا مسلمًا به سواء عند الأوربيين أو البيزنطيين أنفسهم. فإذا كانت معركة فارتا محاولة صليبية جماعية أوربية لمساعدة البيزنطيين في طرد العثمانيين من أوربا فإن النكبة التي منى بها الأوربيون كانت من العوامل الرئيسة التي جعلت حكام أوربا يعتقدون أن فكرة الحرب الصليبية الأوربية لم تعد مجدية وبالتالي لم يعد هناك أمل أمام الإمبراطور البيزنطي قسطنطين إلا أن يعتمد على نفسه وعلى قوته الذاتية للتصدي للعثمانيين عندما يهاجمونه ، وحيث إنه لا وجه للمقارنة بين قوة الإمبراطورية البيزنطية وقوة العثمانيين فقد كان سقوط الإمبراطورية البيزنطية بعد معركة فارتا أمرًا متوقعًا .
هذا فضلاً عن أن القسطنطينية كانت تشكل العائق الوحيد والفاصل بين أملاك الدولة العثمانية الأوربية والأسيوية الأمر الذي يجعل من فتحها ضرورة سياسية واستراتيجية للدولة العثمانية. يضاف إلى ذلك أن العثمانيين سبق لهم مراراً أن حاولوا الاستيلاء على القسطنطينية التي كانوا يشعرون بأنها العاصمة الطبيعية لدولتهم ، فبقاؤها في يد البيزنطيين يهدد المواصلات بين أملاكهم الأوربية والآسيوية أما فتحها فإنه كفيل بتشديد قبضتهم وسيطرتهم على الأراضي التي يحكمونها فأضحى هذا الفتح ضرورة سياسية ملحة .
ولما رأى قسطنطين الحادي عشر إمبراطور الدولة البيزنطية شدة عزم السلطان محمد الفاتح على تنفيذ هدفه عمد إلى طلب المساعدات من مختلف الدول والمدن الأوربية وعلى رأسها البابا زعيم المذهب الكاثوليكي ، وعدو المذهب الأرثوذكسي مذهب الإمبراطورية البيزنطية وهما على عداء مستمر وشديد الا أن الحاجة والضعف جعلت إمبراطور بيزنطة يلجأ إلى بابا روما الكاثوليكي بدعوة توحيد الكنيستين وتصبح الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية خاضعة للكنيسة الكاثوليكية الغربية ، وقد قام البابا بإرسال مندوب منه إلى القسطنطينية ، وخطب في كنيسة أيا صوفيا ودعي للبابا وأعلن توحيد الكنيستين ، مما أغضب جمهور الأرثوذكس في المدينة وجعلهم يقومون بحركة مضادة لهذا العمل الإمبراطوري الكاثوليكي المشترك حتى قال بعض زعماء الأرثوذكس: " إني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية فيها "
وعلى الجبهة المقابلة كان الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر قد استغل زحف السلطان محمد الثاني إلى آسيا الصغرى لإخماد بعض الثورات التي اندلعت فيها ضد حكمه بتحريض من الإمبراطور البيزنطي خاصة ثورة القرمان بقيادة إبراهيم بك فترك ممتلكاته الأوربية تحت إمرة الوزير خليل باشا المعروف بصداقته للبيزنطيين الذي أبلغه الإمبراطور البيزنطي أنه إذا لم يضاعف السلطان المعاش الذي تدفعه الدولة العثمانية لرعاية الأمير أورخان الذي كان يعيش في البلاط البيزنطي ، فإن بيزنطة ستجعل هذا الأمير يطالب بالعرش العثماني .
ويبدو أن الإمبراطور البيزنطي قسطنطين رأى في الثورة التي اندلعت في آسيا الصغرى فرصة لإضعاف العثمانيين في أوربا. ولكنه أهمل المحافظة على تحالفاته مع الغرب ومواصلاته بالجنوب. فاستغل السلطان العثماني هذه الثغرة لعزله فوقَّع معاهدة مع البندقية وتفاهم مع يوحنا هونيادى وصادق في الوقت نفسه جمهورية جنوة وفرسان القديس يوحنا في رودس ، كما أرسل قوة عسكرية إلى المورة ليفتحها ويمنع أميرها توماس البيزنطيين من مساعدة قسطنطين . وبهذه التحالفات يكون قد عزل الإمبراطور البيزنطي سياسيًا عن العالم الغربي.
أما في آسيا الصغرى فقد أخضع السلطان الفاتح القرمانين مما قضى على كل أمل تحالف بيزنطي ـ قرماني.
وعندما أمر السلطان محمد الثاني بإلغاء الراتب المخصص لأروخان تعكر صفو العلاقات العثمانية البيزنطية وعزم الفاتح على القضاء على هذه المدينة التي ما فتئت تهدد الدولة العثمانية من حين لآخر على الرغم من عدم تأييد وزيره هلال باشا الذي لا يحبذ الحرب فقد كانت في رأيه أنها مغامرة لا تؤمن عواقبها حيث أن هيبة آل عثمان مرتهنة بنجاحها أو فشلها ولكن هناك فريق آخر كبير من القادة يؤيد الحرب مثل زاجنوس وطرخان وشهاب الدين.
وفي أثناء إعداد السلطان العثماني العدة للفتح استمات الإمبراطور البيزنطي في محاولاته لثنيه عن هدفه بتقديم الأموال والهدايا المختلفة إليه ومحاولة رشوة بعض مستشاريه ليؤثروا على قراره ولكن السلطان كان عازمًا على تنفيذ مخططه ولم تثنيه هذه الأمور عن هدفه ، " ولما رأي الإمبراطور البيزنطي شدة عزيمة السلطان على تنفيذ هدفه عاد إلى الوسيلة التي طالما استخدمها أباطرة بيزنطــة ولا سيَّما أسرة باليولوغوس وهي التعاون الكاثوليكي الأرثوذكسي وتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية كما أنه أدرك أن الأسوار والسلسلة الحديدية الطويلة التي أغلقت مدخل القرن الذهبي وحملة صليبية جديدة من أوربا هي التي يمكن أن تدفع العثمانيين بعيدًا عن أسوار العاصمة البيزنطية القسطنطينية.
وبدأ قسطنطين يعزف على الوتر الحساس مع البابا نيقولا الخامس لإحياء الفكرة الصليبية ضد المسلمين والحفاظ على العاصمة البيزنطية وأبدى البابا استعداده لحماية بيزنطة شرط أن تتحد الكنيستان الشرقية الأرثوذكسية والغربية الكاثولوكية وبالرغم من عمق جذور العداوة التاريخية بين الأرثوذكس والكاثوليك أعلن قسطنطين قبوله ذلك وأرسل البابا بناءً على ذلك مندوب منه إلى القسطنطينية ، خطب في كنيسة آيا صوفيا ودعا للبابا وأعلن توحيد الكنيستين وجرت مراسم دينية وفق المذهب الكاثوليكي وتولى إدارة المراسم مندوب البابا الكاردينال إزيدور المكلف بتنفيذ إجراءات الاتحاد بين الكنيستين مما أغضب جمهور الأرثوذكس في المدينة وجعلهم يقومون بحركة مضادة لهذا العمل الإمبراطوري الكاثوليكي المشترك حتى قال أحد زعماء الأرثوذكس نوتاراس ـ رئيس الوزراء البيزنطي ـ معبرًا عن هذا الشعور والاستياء " إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنطيين عمامة الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية".
وطلب الإمبراطور البيزنطي النجدة من أوربا على وجه السرعة لكن الرد الأوربي جاء وفقًا لمصلحة كل دولة. فأهالي جنوة لبُّوا النداء وأرسلوا أسطولاً بحريًا بقيادة يوحنا جوستنياني الذي تمكن من دخول الميناء بعد معركة بحرية مع الأسطول العثماني كما قدم الجنويون في غلطة أربعة آلاف مقاتل لم يكن هدفهم الحقيقي مساعدة البيزنطيين بقدر ما استهدفوا سبق البنادقة في حالة النصر ، وكان في المدينة حوالي ألف وستمائة من البنادقة وغربيون آخرون يعيشون فيها واعتبروا أن هذه الحرب هي حربهم .
أرسل قسطنطين إلى ملوك وأمراء الشرق المسلمين منهم والمسيحيين ليوضح لهم مدى الخطر الذي يهددهم نتيجة نمو الدولة العثمانية وتزايد قوتها. فطلب من ملوك طرابيزون والكرج وفرسان رودس وأمير القرمان وشاه فارس وسلطان مصر أن يمدوه بالمساعدة والعون. ولكن أحدًا من هؤلاء لم يجبه على طلبه . والواقع أن الإمبراطور البيزنطي سلك كل السبل لإنقاذ القسطنطينية وأضحى يقينًا عنده وعند الشعب البيزنطي سقوط المدينة في يد السلطان محمد الثاني حيث أصبح الشعب البيزنطي في تخاذل مستمر وانصرف إلى سماع مواعظ الرهبان بالخرافات.
ولما تحقق الإمبراطور قسطنطين أن السلطان سيحاصر القسطنطينية بأعداد ضخمة تفوق الأعداد والعُدد البيزنطية أرسل سفراء إلى البندقية التي قررت إرسال شاحنتين في كل منهما أربعمائة رجل وخمس عشرة سفينة وأصدرت تشريعًا بأن يدفع التجار البنادقة نفقات هذه القوات ولقد وصلت هذه الإمدادات إلى القسطنطينية وقد مر على حصارها أربعة أيام وأعد البابا ثلاث سفن ودفع نفقاتها فورًا ووعد ألفونسو ملك نابلي بإرسال مؤن ولكنه كان مشغولاً بأموره الداخلية ، وأما ملك جورجيا وإمبراطور طرابيزون كانا في وضع يحتم عليهما الدفاع عن حدودهما ، وأما وأمراء الأناضول المسيحيون لم يكونــوا على استعداد لخوض غمار الحرب.
وفي 29 يناير 1453 م وصل إلى القسطنطينية سبعمائة مقاتل جنوي بقيادة جيستنيان لوجي وكان هو ورجاله أول المدافعين عن أسوار المدينة وفي 26 فبراير 1453 م وصلت سبع سفن من كريت والبندقية تحت قيادة أفنزو وبدأ الإمبراطور في تأمين المدينة وتحصينها عسكريًا فأمر بغلق الجسور وأن تغلق أبواب المدينة وأقام سد طويل عند مدخل ميناء القرن الذهبي مكون من حلقات تنتهي عند قلعة إيجونيوس عند الأكروبوليس وكانت الأسوار تمتد من بلانشريه على القرن الذهبي إلى بحر مرمرة حيث هناك ميناءان حصينان وست عشرة بوابة إلى جانب أسوار المدينة في حالة جيدة وبدأ الإمبراطور في توزيع جنوده وقواته.
اقرأ: فتح القسطنطينية https://www.iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=12157