التطبيع الإماراتي الإسرائيلي: الصمت الحكومي في السنغال تحول تاريخي يلقي بظلاله على الناشطين والحركات الإسلامية في الساحة
“السلام مقابل السلام من منطق القوة” هكذا وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الاتفاقية الثلاثية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بين اسرائيل من جهة والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، منتصف هذا الشهر أغسطس2020م. وقد جرت وتيرة أحداثها بسرعة فائقة وصلت في13/08/2020م إلى فتح قنوات ديبلوماسية ساخنة تمهيدا لإطلاق رسمي لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين.
وقد أعلن الجانبان أمس الأحد تدشين الاتصالات الهاتفية المباشرة، سيتلوها تبادل في فتح سفارتين لرعاية مصالحهما، إذ قالت مديرة الاتصال الإستراتيجي في وزارة الخارجية الإماراتية هند مانع العتيبة – في تغريدة على تويتر- إن وزيري خارجية الإمارات عبد الله بن زاي، وإسرائيل غابي أشكنازي “دشنا خطوط الاتصال بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل، وتبادلا التهاني، وأكدا الالتزام بتحقيق بنود معاهدة السلام بين الدولتين”.
وقد أثارت هذه الاتفاقية ردود أفعال كثيرة على مستوى العالم بين مؤيد ومعارض، كما انعكست في وسائل التواصل الاجتماعي، بين وسمي” فلسطين ليست قضيتي” و ” فلسطين قضيتي” ما يعكس حدة التنافر بين وجهات النظر في العالم الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك التطبيع مع إسرائيل، علما بأن الإمارات العربية المتحدة هي ثالث دولة تطبع مع إسرائيل بعد جمهورية مصر العربية ومملكة الأردن الهاشمية.
إلا أن دولة كالسنغال تطورت علاقاتها بفلسطين، بصفتها ممثلة متناوبة في مجلس الأمن الدولي للجنة المعنية برعاية الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، والتي أنشئت منذ 1974م، وكانت لها في هذه اللجنة مواقف مشرفة على مدار تاريخ القضية الفلسطينية، أما هذه العلاقة تميزت مؤشراتها بين صعود وهبوط حاد كما هو الحال مؤخرا.
وقد سجلت لها مواقف مضيئة في حملها بين أروقة الأوساط الدولية، ففي العام 1967 قطعت السنغال علاقاتها الدبلوماسيّة بإسرائيل تضامُناً مع العرب بعد النكسة، وأعادتها في العام 1995 بعد التوقيع على اتّفاق أوسلو. وأخيرا، في 2016 م، تقدَّمت كلٌّ من السنغال، وفنزويلا، وماليزيا، ونيوزيلندا، بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة البناء الإسرائيلي في المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينيّة، وهو القرار رقم 2334، الذي صدر عقب تصويتٍ في مجلس الأمن الدولي، حصل على تأييد 14 دولة، بعد امتناع الولايات المتّحدة عن التصويت. ما أدى إلى تجميد اسرائيل كافة مساعداتها للسنغال مع استدعاء سفيرها، ولم تستغرق تلك الأزمة إلا عدة أشهر حتى أعلنت إسرائيل والسنغال عن تسويتها وعودة العلاقات بينهما بشكلٍ كامل بعدما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” بالرئيس السنغالي “ماكي سال”، على هامش قمّة دُول غرب إفريقيا ECOWAS المُنعقدة في ليبريا في نفس السنة. كما شاهدنا كذلك في 2018م زيارة وزيرالدفاع الحالي،- وزير الخارجية السنغالي آنذاك – السيد سيديكي كابا ووقوفه أمام حائط المبكى بالقدس، ولم ننس كذلك تصريحات رئيس الوزراء السنغالي السابق السيد إدريسا سيك، وما أثارته من لغط بين مكة وبكة، حتى على مستوى الإيسسيكو التي طالبت السنغال بضرورة العمل على تصويب تلك الأخطاء الجسيمة حسب وصفها، وهذه المرة يبدو أن السلطات السنغالية تتجاهل هذا الحدث الكبير في تاريخ القضية الفلسطينية وعلاقات الدول العربية بإسرائيل دون أدنى تعليق، لأسباب غير واضحة إلى الآن.
وعليه، نتساءل هل تغيرت فعلا محددات السياسة السنغالية تجاه إسرائيل؟ أم أن الجهود الإسرائيلية لتحييد السنغال عن الملف الفلسطيني في المؤسسات الدولية أخذت تعطي ثمارها الآن؟ أم أن السنغال توازن في علاقاتها مع الملف الفلسطيني توجهات الحلف العربي الذي يضم كلا من السعودية والإمارات ومصر؟ وعلى العموم فإن ثقل السنغال في الديبلوماسية الدولية وموقعها الجيوسياسي كعمق استراتيجي في المنطقة وفي افريقيا بصفة عامة، جعلتها تحتل أهمية كبرى لكثير من القوى، كما تضعها أيضا تحت ضغوط هائلة لإمالتها نحو سياسات معينة، أو بأقل تقدير تحييدها في ملفات مهمة كانت لها فيها كلمتها المسموعة، والمواقف المشهودة، وهذا التجمد لموقف السنغال جاء على حساب دورها الفعال وموقعها القيادي على الصعيدين الدولي والإسلامي، ما أثرًت سلبا على دور شرائح وطنية ناشطة، فعلى مستوى المجتمع المدني مثلا، لم تُصدر الحملة السنغالية للدفاع عن الحقوق الفلسطينية أي بيان في هذا النحو، وكذلك المؤسسات الحقوقية والاجتماعية في البلاد، اللهم إلا ما ترشح من موقف بارد تجاه هذا التطبيع، والذي صدر من بعض القيادات الإسلامية الناشطة في الساحة، ويبدو أن هذا أحسن حالا من الصمت القاتل من طرف الزعامات الدينية الأخرى التي لم يصدر عنها أي بيان أو تصريح يستنكر أو يستهجن خطوات الدول المبادرة إلى التطبيع.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الموقف البارد جاء على شكل تلميحات يتيمة إلى الآن تجسدت في خطبة صلاة الجمعة الماضي، لإدارة الدعوة التابعة لجماعة عباد الرحمن بالسنغال، حول مسألة (الولاء والبراء) وما يحكم علاقات المسلم بالعدو، دون التطرق إلى ذكر الدولة المطبعة مع إسرائيل حرصا على مجاراة الخط الرسمي لسياسة الدولة: ” ومن المنكرات الجسيمة في هذه الأيام مسارعة دول إسلامية وعربية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل، وخذلان إخوانهم في فلسطين، في وقت هم في أمس الحاجة اليهم ، فالواجب على المسلمين جميعا أن يقفوا صفا واحدا لنصرة الشعب الفلسطيني وتحرير الأقصى من الاحتلال الإسرائيلي، وأقل الواجب وأضعف الإيمان في هذه المرحلة من الصراع مقاطعة إسرائيل في كل المجالات.”
ولم يبق إلا أن نراقب تطورات هذا الملف مع التوجهات الجديدة لمحددات السياسة الخارجية للسنغال، إن صحت قراءتنا للمشهد، حتى يتسنى لنا الحصول على إجابات شافية لما أشرنا من تساؤلات نرى أنها موضوعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- بقلم: الشيخ أحمد التجاني نياس – نُشر في مجلة أكتي موند