تحرير المرأة.. بين العقل والجنون
بقلم: د. محمد عمارة
المُتغرّبون والتمويل.. آليات لعولمة الأنثوية (9)
لو أن الأفكار والفلسفات والممارسات الشاذة للحركة الأنثوية الغربية، والتي تدعو إلى التمركز حول الأنثى، والطمع في استقلال المرأة عن عالم الرجال، حتى ولو بالشذوذ السحاقي، واعتبار المعركة ضد الرجل، ومحاربة الزواج الشرعي والأسرة والإنجاب، والثورة على اللّه والدين واللغة والتاريخ والفطرة والأعراف.. كانت وقفًا على المؤمنين والمؤمنات بها، والداعين والداعيات إليها -في الغرب- لما استحقت منا كثير اهتمام، بل لو أن هذه الأفكار الشاذة كانت مذهبًا للحضارة الغربية لقلنا: إن هذا هو حقهم في الاختيار وفي الاختلاف، ولكل وجهة هو موليها، وليس في جهنم أزمة إسكان.
لكن الذي يفرض علينا الاهتمام بهذا الشذوذ الفكري، الذي وضع في الممارسة والتطبيق، هو أن الغرب كحضارة مهيمنة يفرض علينا -نحن المسلمين والشرقيين- وعلى كل عالم الجنوب هذه الأفكار والفلسفات، وذلك عندما يعولمها، ويضع عليها أختام وشعارات وأعلام الأمم المتحدة التي يسيطر عليها، والتي استولت الحركة الأنثوية الغربية المتطرفة على لجنة المرأة فيها، ونجحت في صياغة هذا الشذوذ في "وثائق دولية" منذ مؤتمر القاهرة للسكان سنة 1994 واتفاقية الـــ (CEDAW) ووثيقة حقوق الطفل، فغدا هذا العوج الفكري والشذوذ السلوكي جزءًا من المنظومة الغربية التي يراد فرضها بالعولمة على العالمين.
مبشرون بالأنثوية
ومن نافذة التغريب، الذي نجح في تحويل نفر من مثقفينا إلى "صنابير" يسيل منها كل ما هو غربي، بدأ التبشير في بلادنا بهذا الشذوذ الفكري في الحركة النسوية العربية والإسلامية.
فالكاتبة المغربية "فاطمة المرنيسي" التي تعيش في باريس، وتكتب بالفرنسية تقول: "لقد قدس الزواج الإسلامي هيمنة الرجل المطلقة".
والكاتب السوري "د. محمد شحرور" يرى أن عورة المرأة هي -فقط- ما بين الإلية وما تحت الإبطين والثديين، وما عدا هذه "الجيوب" من جسد المرأة لا عورة فيه، ولا جناح في عرضه على الكافة.
والكاتب الفلسطيني "د. هشام شرابي"، الذي أصبح أمريكيًا، يدعو إلى "ترجمة القرآن للغة العامية ليحصل له ما حصل للكتاب المُقدس في المناخ الأوربي"، كما يدعو إلى تعميم "الأتاتوركية" في العالم الإسلامي؛ لاستئصال التقاليد الإسلامية.
والكاتب المصري المعروف "أحمد بهاء الدين" يدعو إلى ربط الأخلاق بالضمير بدلاً من الإسلام، وإلى تاريخية الشريعة الإسلامية، باعتبارها "شريعة البداوة" التي لا تصلح للمجتمعات المتحضرة، فيقول: "لابد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة، بعيدًا عن اللف والدوران، إن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيمًا خلقية يمكن أن تُستمد كنوع من وازع الضمير، أما ما جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل، ومن باب تنظيم الحياة في مجتمع بدائي إلى حد كبير، ومن ثم فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا".
أما الأديبة المصرية "د. نوال السعداوي" فلقد ذهبت إلى حد القول: "شعرت أن اللّه تحيز للصبيان في كل شيء".
تمويل موجه
ولم يقف زحف هذا الشذوذ الفكري عند قطاعات النخبة المتغربة، وإنما ذهبت العولمة إلى استخدام التمويل لمئات المنظمات التي تُسمى "منظمات المجتمع المدني"، والتي تُبشر بهذا العوج الفكري، والتي يحدد لها الغرب جدول أعمالها مع الميزانيات التي تمنح لتنفيذ هذا الجدول.
ولمعرفة حجم هذا الاختراق، يكفي أن نعلم حالة المناطق المحتلة سنة 1967م من فلسطين،.. ففيها 1200 منظمة غير حكومية، تلقت سنة 1997م معونات قدرها 68.9 مليون دولار، من أصل إجمالي المعونات المقدمة لفلسطين والبالغة 1527 مليون دولار، أي أن هذه المنظمات العاملة في خدمة الأجندة الاجتماعية الغربية قد حصلت على حوالي 5% من المعونات، بينما لم تحصل الزراعة والصناعة الفلسطينية إلا على 24 مليون دولار، أي 1.6% من المعونات.
وعن رسالة هذه المنظمات، تقول الباحثة الفلسطينية "خلود المصري": "إن الأُطر النسوية المدعومة لا تخرج في وضع أولوياتها عن الالتزام بأولويات وثقافة الجهات المانحة لها، من أجل استمرار الدعم المالي فحسب، وهي بالضرورة تختلف عن أولويات مجتمعنا الفلسطيني".
ويكفي أن نشير إلى أن هذه المنظمات، التي تضرب بسيوف الممولين، قد أقامت الدنيا ولم تقعدها حول موضوع "ختان الإناث"، الذي هو عادة قديمة منذ الفراعنة وليس تشريعًا دينيًا، والذي تقل ممارسته بالتطور الاجتماعي والتعليمي، في الوقت الذي صمتت فيه عن الاغتصاب المنظم الذي مارسه الصرب ضد أكثر من ستين ألف امرأة بوسنية، تحت سمع وبصر الممولين الغربيين، فضلاً عن الصمت القاتل لهذه المنظمات إزاء ما يحدث للمرأة الفلسطينية بواسطة الوحشية "الصهيونية – الأمريكية".
المصدر: (جريدة آفاق عربية المصرية)