المفتي العام للقارة الأسترالية يصرح: الحكم حقق العدل، لكن كمال العدالة لم يتحقق بعد، وما زال المجتمع في الانتظار
الحكم القضائي الذي صدر اليوم على" الإرهابي الأسترالي القاتل "برينتون تارانت والذي قتل 51 مسلما ومثلهم من الجرحى وهم يؤدون صلاة الجمعة في مسجد النور ومركز لينوود بمدينة كرايستشيرش بنوزيلاندا حقق العدل ، لكن كمال العدالة لم يتحقق بعد
- تحقيق العدل في ساحات المحاكم منوط برجال القضاء والقانون وقد أدى القاضي ما عليه
أما تحقيق كمال العدالة فمنوط بالقيادة السياسية ومعالجتها لآثار الجريمة وتداعياتها. وهذا ما نطالب به اليوم.
أولا: لأن الجريمة غير مسبوقة في نيوزيلاندا من حيث بشاعتها وحجم الإجرام فيها، فقد جاء الحكم أيضا غير مسبوق.
- لكن كمال العدالة لم يتحقق بعد ولذلك نطالب به، وكمال العدالة لا يتحقق بمجرد معاقبة الجاني على جنايته، وإنما يتحقق بتحقيق مطالب المجتمع نيابة عن المجني عليهم ونراها في أمور ثلاثة:
* حق الشهداء في تخليد ذكراهم.
* حق الأجيال القادمة في معرفة الفعل ورد الفعل لدى القيادات في الدولة وبخاصة القيادات السياسية والدينية في المجتمع.
* حق الوطن نيوزيلاندا شعبا وقيادة كنموذج للإنسانية الراقية والمتحضرة في براعة إدارة الأزمة "كمدرسة" ونموذج لكل زعماء العالم وبلدانه في إدارة الأزمات الحرجة.
أما الحق الأول فهو: حق الشهداء في تخليد ذكراهم ، وهذا حق يشترك فيه الشهداء الذين قضوا إلى ربهم والأحياء من أبنائهم وأسرهم وحق المجتمع الذي فقدهم ومن ثم يجب:
- أن تحظى نيوزيلاندا بنصب تذكاري يحمل أسماء الشهداء حتى ينقل للأجيال القادمة روح التلاحم والوفاق الذي ساد نيوزيلاندا بكل خلفياتها الثقافية والحضارية والدينية والعرقية. وهذا الحق يشترك فيه الوطن والشهداء والأحياء أيضا.
- أن يعقد مؤتمر سنوي تحت رعاية رئيسة الوزراء مباشرة يوثق للحدث وتداعياته المؤلمة ويوضح خطورة اليمين المتطرف وما يتبناه من خطاب الكراهية وثقافة العبث من تدمير.
- أن يكون "لأميرة القلوب وسيدة الزمن الأولي جاسيندا" ولبلدها نيوزيلاندا فضل السبق التاريخي على مستوى الأمم المتحضرة في سن تشريع يحمي الأديان من التعصب والكراهية ويجرم ممارسة الإسلاموفوبيا ويمنع التحريض ضد "الأديان والعرقيات كما هو الحال مع "السامية".
تحقيق الأمور الثلاثة معا سينقل للدنيا الإجابة على أسئلة هامة هي:
- كيف تحول نهر الدماء المراقة في المسجدين إلى عصارة للمحبة والتلاحم.
- وكيف أزالت دموع الأحزان حواجز الوهم بين البشر وأظهرت حجم الشراكة الناس باعتبارهم إخوة.
- وكيف توحد في الوجدان الجمعي معني الإنسانية لأهل نيوزيلاندا.
- وكيف رصدت عيون العالم وكاميراته صلابة الإرادة لأهل نيوزيلاندا في الانتصار على الكراهية والتعصب.
وسيكشف أيضا أن الحادث الإرهابي رغم بشاعته وحجم الكراهية فيه إلا أنه فتح لشخص جاسيندا ولشعب نيوزيلاندا كل أبواب الحب في قلوب مليار وثمانمائة مليون هم تعداد المسلمين في كل الدنيا.
وسيؤكد دور نيوزيلاندا ورئيسة وزرائها كنموذج للإنسانية الراقية والمتحضرة و"كمدرسة" لكل زعماء العالم وبلدانه في إدارة الأزمات الحرجة.
كما سيوثق تحقيق الأمور الثلاثة ثمرة الحركة الدؤوبة لقادة المسلمين في الأزمة وتعاونهم مع القيادة السياسية في البلدين استراليا ونيوزيلاندا لتضميد الجراح ولم الشمل، ومشاركة أسر الضحايا وجرحاهم، خلال الحدث الإرهابي حيث تصرف الجميع وبخاصة القيادات الإسلامية، لا كعلماء دين فقط، وإنما تصرفوا كرجال دولة يتحملون مسؤولية إدارة الأزمة بأمانة ويدركون حجم المخاطر إذا انفلت زمام الغضب -لا قدر الله- وسيطرت نوازع الانتقام لدي الشباب الغاضب.
- ولقد برهنت مواقف السيدة "جاسيندا" أن شخصية العظماء في المحن والشدائد لا تكتفي بمشاركة الآخرين أحزانهم، وإنما تبحث عن الإنسانية لتؤكد حضورها في الوجود، ولو وسط ركام الخرائب وحرائق الكراهية والتعصب.
• ونشهد أن حكمة القيادات الدينية ومواقف السيدة رئيسة الوزراء والشعب النيوزيلاندي كل ذلك ساهم ليس في نيوزيلاندا فقط وإنما في أرض وسماء نيوزيلاندا وما حولها من الدول في إطفاء حرائق نفوس تملكها الغضب، وسيطرت عليها نوازع الانتقام، وكنا سندخل في فوضى لا يعلم غير الله مدى شرها وشررها، فوقانا الله شرها وشررها بحكمة تصرف القيادة الدينية والقيادة السياسية ورقة مشاعر الشعب النيوزيلاندي وفي الوقوف والمساندة لأسر الضحايا،" شهداء وجرحى".
لماذا التوثيق بالمطالب الثلاثة.
- التوثيق بالمطالب الثلاثة هو استجابة للحقوق المذكورة.
أ - حق الحياة: فإن ما أشرنا إليه من جهود ضخمة وعظيمة لا يصح أن يضيع مع مرور الأيام، ومن حق الحياة علينا أن نحمي الحقائق، وأن ننسب الفضل لأصحابه، والإنجاز لمن فعلوه، حتى لا يدعيه كل أحد.
ب - أن التوثيق دين في أعناقنا للأجيال القادمة، وليس حقا للأحياء وحدهم، وإنما هو دين يجب أن نكتبه بأمانة وصدق، ومن ثم وجب توثيق الفعل ورد الفعل بما يحفظ في الذاكرة الإنسانية حق الأجيال القادمة والتي لم تعايش الحدث أن تعرف ماذا فعلت القيادات والأمهات والآباء في تلك الكارثة، وكيف بنت جسورا ثقافية بين للأجيال، وكيف انتشرت روح التلاحم والوفاق الذى ساد نيوزيلاندا بكل خلفياتها الثقافية والحضارية والدينية والعرقية.
وكيف انتصرت إرادة الخير على الشر، وكيف ساد الحب كل القلوب. وكيف تمت إدارة الأزمة بكفاءة واقتدار.
- التوثيق أيضا سيكشف كيف بقيت إرادة الشعب النيوزيلاندي وإرادة المسلمين فيه قوية ولم تنكسر أمام غارات العنصرية والكراهية.
- وأن جريمة الإرهاب التي حدثت لم تكن غير استثناء يؤكد كيف ينتشر ويسود نسيم الوفاق والانسجام لا بين البشر فقط من أهل نيوزيلاندا، وإنما بين الموجودات المتعددة حيث يتعايش فيها طائر الكيوي الطيب والجميل مع بقية الطيور في سلام وأمان، تماما كما تتعايش أجناس البشر هنا في نيوزيلاندا.
ـــــــــــــــــــــــ
- مفتي عام القارة الاسترالية، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أ. د إبراهيم أبو محمد.