فتوى: حكم الحمل بالتلقيح الصناعي في عدة الطلاق الرجعي والبائن..
الشيخ د. فضل مراد
مما تقدم تبين أن التلقيح الصناعي علاج للزوجين أو أحدهما يلجأ له عند الحاجة
فإن ارتفعت حرم كشف العورات والدخول فيما يمكن من المفاسد
فلا يجوز للمرأة الاقدام على التلقيح حينئذ
أما في الطلاق الرجعي:
فإن الله تعالى بين أن عليها التربص وحرم عليها إخفاء حملها
وجعل لبعلها حق الرجعة إن أراد
فهذه ثلاثة أحكام: دل عليها قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]
ودل على اعتبار إرادة الزوج في عودة الزوجية
فهي معلقة بإرادة جانب واحد هو الزوج وهو الذي يحق له الإرجاع ويحق له الإذن باستدخال المني أو إتمام عملية التلقيح التي سبقت من قبل أو ابتداء ذلك ويكون هذه مراجعة لها فيما أرى
أما المرأة فلا يحق لها شيء من ذلك لأن الزوجية بالنسبة لها منعدمة إلا في الحقوق التابعة من النفقة والسكنى ولو مات عنها في طلاق الرجعية فلا حق لها بشيء لولا النص
لذلك فاستدخال منيه أو ذكره وهو نائم محرم منها لأنها أجنبية
وكذلك التلقيح الخارجي في معنى الاستدخال الممنوع لأنها أجنبية من كل جهة متربصة من جهة معينة للعدة فقط فلا يجوز لها إلا ما أجاز الله لها
فيحرم عليها استدخال مني أجنبي وكذا من طلقها لأن تصرفها معه كالتصرف مع الأجنبي
فكما لا يجوز لها أن تلمسه أو تباشره فمن باب أولى استدخال منيه والتلقيح أعظم.
فإن فعلت ذلك فقد ارتكبت إثما وخالفت الشرع
هذا إن لقحت البييضة بالمنوي بعد الطلاق
وهكذا إن استدخلت ما كان من البيضة قد لقح قبل الطلاق لأنه استدخال لمني أجنبي عنها
الآن وهذا محرم.
فإن فعلت لحقه الولد ويحرم نفيه لأنها تعد فراشا له
لذلك يجوز له أن يأتيها ويعد ذلك رجعة فيما نرى
لأن الفعل أبلغ من القول
وإنما التحريم متعلق بفعلها لأنه عدوان على حق آخر
فإن فعلت أثمت ولحقه الولد لما ذكرنا
هذا كله إن حصل التلقيح في الرجعية أما للبائنة فالإثم أعظم لأنه أجنبي قطعا لكن إن استدخلته في العدة
لحقه وقد ألحق الفقهاء به ولده من أجنبية في نكاح الشبهة
فكيف بهذا فأقل أحواله أن يكون حكمه كنكاح الشبهة حفاظا على الأنساب من الضياع
هذا مع إثمها.
مطلب: التلقيح في عدة الوفاة وبعدها
والتلقيح في عدة الوفاة عدوان محض على الزوج المتوفى وعلى حق الورثة أما على الزوج فلأنه لم يأذن به ولم يرضه وهو حق له فهو محض عدوان أما على الورثة فلأنه عدوان على مالهم.
لكن هل يثبت به النسب
الظاهر لي من قواعد الشرع أنه يلحق قياسا على من جامع زوجته ثم مات من ساعته ثم علقت من ذلك الجماع
فهو يلحق به مع أن العلوق بعد الموت
فاستوى الأثران وهو الحمل من مني الزوج بعد الوفاة في العدة
إلا أن أحدهما كان بجماع صحيح في الحياة فهو سبب مشروع
والآخر كان بسبب عدوان لكنه يلحق بالزوج وإن ثبت أنه منه بواسطة الفحص الجيني فإنه يرث منه لحصول الوالدية مع أن السبب فيه تحريم لكن تحريم السبب لا يبطل الالحاق النسبي
كمن أتى المرأة في حيضها أو وهي محرمة في الحج أو في نكاح الشبهة فكلها أسباب محرمة لكن لا تمنع لحوق الولد ولا ميراثه بل استلحاق ولد من زنا بها فيه قول معتبر في الفقه الإسلامي إن لم تكن ذات فراش نقله ابن قدامة عن عروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار، والحسن البصري ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وإسحاق بن راهويه، "المغني" (9/123).
ونقل ابن قدامة كذلك عن أبي حنيفة قوله لا أرى بأسا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولده.
وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ورشيد رضا كما في تفسير المنار (4/382) وابن عثيمين من المعاصرين كما في الشرح الممتع (12/127)
فإن كان
فهذه شبيه بهذه المسائل نظرا لأن السبب محرم وهو استدخال منيه بعد الوفاة أو تلقيحه بالأنابيب
وهذا في عدة الوفاة وهي علقة من الزوجية فكان حصوله فيها أقوى من نكاح الشبهة
الذي لا علاقة للزوجية به إلا حفظا للأعراض والأنساب. والشريعة قاصدة لحفظهما
فكيف إذا أضيف إلى هذا في مسألتنا تحقق النسب بالفحص كان أقوى من مجرد نكاح الشبهة والالحاق بالقيافة أو الاستلحاق
ولأن حفظ النسب حق للمولود فكيف يضيع حقه في محل يمكن الاجتهاد فيه ولو بالشبهة والشريعة في مقاصدها حفظ النسب وهذا منه.
وقيام علقة الزوجية وقد أفاد ابن القيم في الطرق الحكمية أن: " إثْبَاتَ النَّسَبِ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ ، وَحَقٌّ لِلْوَلَدِ ، وَحَقٌّ لِلْأَبِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ مَا بِهِ قِوَامُ مَصَالِحِهِمْ ، فَأَثْبَتَهُ الشَّرْعُ بِأَنْوَاعِ الطُّرُقِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا نِتَاجُ الْحَيَوَانِ (ص: 191)
أما التلقيح بعد الوفاة وبعد العدة فلا يلحق به لأنه أشبه بالزنا فهو ولدها إلا فيما لو
نسب إليه في الفحص الجيني فإنه نسب صحيح دفعا لمفسدة ضياع النسب لأن الشريعة تتشوف لحفظها ولان الزوجية السابقة سبب شرعي يقوي ذلك. لا يقال لا يوجد والد يستلحقه كما تقدم في مسألة الزنا لأنا ألحقناه هنا نسبا بالفحص مع توافر قرينة الزوجية السابقة فلم يتضرر المنسوب إليه ولا ورثته لأن المولود له نسب إليه ولده لا ولد غيره حفظا لحق الولد لأن حق الوالد في الاستلحاق الآن متعذر وبقي حق الولد فلا يسقط ولا يتعذر. وأما الورثة فلا ضرر عليهم لعدم مشاركتهم في الميراث
إلا من أقر له بذلك.
والأحكام في الشريعة قد تنفك من جهة وتلزم من جهة كمن جامع جماع شبهة فأتى بولد فإنه ولده مع أنها ليست زوجته
كما أن الميراث
إنما أعطاه الشرع لمن توفي عنه مورثه حال كونه موجودا حقيقة بالعلوق أو الولادة
ولا سبب آخر
وإنما ألحقنا إضافة لما سبق
من استدخلت أو تلقحت بالمني بعد الوفاة في العدة لأنها أشبه بصورة من جامع ثم مات وعلقت بعد الوفاة
أما من توفي وانقضت عدتها فهو مني أجنبي قطعا وإنما ألحق حفظا لنسبه مع قرينة الزوجية السابقة ومنع من الميراث لعدم سببه الذي علقه عليه الشرع
هذا ما أختاره في هذه المسألة الخطيرة والهامة
انتهى مختصرا من كتابنا المفصل في فقه العصر نسأل الله تمامه.