الرابط المختصر :
العلماء وخطر الفوبيا!
بقلم: الشيخ سالم الشيخي
الفوبيا في الأساس اضطراب نفسيّ يصاحب الشخص نتيجة مخاوفه من أشياء ماديّة أو معنويّة، وتصنّف عند أهل الاختصاص من اضطرابات القلق، وقد درج إطلاقها اليوم بمعنى أشمل من المعنى الطبي، وأصبحت تستخدم في المجالات الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة ونحوها، وذلك في حقّ من يصاب بالتركيز على فكرة معيّنة أو شخص معيّن أو مذهب أو جماعة تركيزًا يفقده الصواب والاعتدال والتوازن، ويجعله في حالة مضطربة أبعد ما تكون عن مسالك الخلاف العلمي أو الفكري أو السياسي وأقرب للاضطراب والتوتر والقلق النفسي.
وطالب العلم الشرعي قد يجد نفسه في مرحلة ما من المراحل عند تناوله بعض المسائل العلميّة مصابًا بحالة من فقدان التوازن والاعتدال الفكري مع حالة من امتلاء القلب غيظًا وحنقًا تنعكس على بدنه وطريقة ردوده وتصرفاته ونقاشه وتساؤلاته، وإرجاع كلّ المصائب والمخاوف إلى هذه المسألة أو ذلك العالم أو المذهب، بما يجعله في آخر المطاف أشبه بصاحب الفوبيا النفسيّة تجاه أمر ماديّ أو معنويّ.
ما زلت أذكر أنّني قلت أحد شيوخي في المدينة النبوية منذ ثلاثين سنة، وقد سألني عن موقفي تجاه تناول بعض العلماء لموضوع البدعة، ولموضوع الخلاف مع الأشاعرة، بشكل متكرّر ومتوتّر، فقلت له: الذي أراه أنّ بعض هؤلاء الأفاضل أصيب بالفوبيا وعدم التوازن النفسي تجاه هذه المسائل، فهؤلاء في الحقيقة لديهم فوبيا البدعة، وهذه الفوبيا أصبحت كالنظارة على أعينهم فهم ينظرون من خلالها إلى كلّ المسائل العلميّة، فكلّ مسألة عندهم الأصل فيها أنها بدعة، حتى يثبت العكس.
وكذلك لديهم فوبيا الأشاعرة، فبعضهم إذا ذكرت أمامه كلمة الأشاعرة أو وصف فلان بأنّه أشعريّ، يصاب بحالة من التوتّر تظهر آثارها في كلماته وتعبيراته وإيحاءاته، التي لا تليق بالمقام العلمي.
الفوبيا تحتاج إلى انتباه خاصّ من طلبة العلم، ولها ارتباط وثيق بمقدار معرفة طالب العلم بنفسه وبواعثها وما لها وما عليها، ويبدو أنّها تتأثر سلبًا وإيجابًا بمقدار الاستقرار النفسي لدى طالب العلم وبمقدار عمق القناعات الفكريّة التصوريّة المتعلقة بفقه الخلاف وأدب الائتلاف، وبفقه ما كان عليه سلف الأمة تجاه قضايا الخلاف.
للعالم أن يستشعر الخطر تجاه مسألة علميّة أو تجاه من يعبثون بالشريعة من أصحاب الدعاوى الزائفة، أو تجاه فرقة مبتدعة مصطنعة خاصة في هذا الزمان، وله أن يعبّر عن رأيه ويؤصّل لما يعتقده تجاه ذلك، وله أن يُحذّر الأمّة ويكون لها من الناصحين، كلّ ذلك حقّ أصيل لا منازعة فيه، لكن عليه ألّا يفقد توازنه النفسي واستقراره العلميّ والفكريّ، وقبل ذلك قيمه الأَخلاقية وموازينه العلميّة، وليحذر من التوتر والاضطراب الذي تظهر آثاره في لسانه وقلمه، وقبل ذلك في سلوكه وأخلاقه.