الإمارات توظف أبوظبي الإسلامي في علاقاتها بإسرائيل
لم تكن الدعوة لإنشاء المصارف الإسلامية في السبعينيات من القرن العشرين، تهدف إلى بناء تعاون اقتصادي مع إسرائيل التي تحتل دولة فلسطين العربية المسلمة، منذ أكثر من 7 عقود، ولكنها كانت تهدف إلى بناء اقتصاديات الدول العربية والإسلامية، ولذلك تردد في الأدبيات الخاصة بتلك المصارف، أنها مصارف تنموية، وأن عملها بالتجارة يأتي في ضوء تنوع أنشطتها الاستثمارية.
ولذلك أتت إليها ودائع المسلمين في جميع الدول التي شهدت وجود المصارف الإسلامية، تبتغي معاملات شرعية، وتحقيق مصالح المسلمين التجارية والاقتصادية، وكانت الآمال معقودة، ولاتزال، على أن يكون لهذه المصارف دور في تحقيق التنمية الشاملة في دول العالم الإسلامي.
لكن الخبر الذي نشرته وكالات أنباء عالمية ومنها رويترز يوم الأربعاء 16 سبتمبر/أيلول 2020، كان بمثابة صاعقة، حيث كشف عن توقيع مذكرة تفاهم بين مصرف أبو ظبي الإسلامي وبنك لئومي، ثاني أكبر بنك في إسرائيل.
وأتى ضمن الأهداف التي تتضمنها مذكرة التفاهم، فتح فرص جديدة للأعمال والتجارة أمام العملاء ودعم سفر الأفراد إلى إسرائيل أو الشركات التي تتطلع إلى الاستفادة من دخول سوق جديدة.
إن خطورة هذه الخطوة تتمثل في عدة أمور، منها الانتقال بالتطبيع إلى مستوى الأفراد والمؤسسات، والثاني هو الإضرار برسالة المصارف الإسلامية، والثالث هو التصرف ضد رغبات المودعين، ومخالفة العقود المبرمة معهم من قبل تلك المصارف، والرابع حرمان الدول العربية والإسلامية من أموالها وتقديمها لإسرائيل، وهي أهداف في غاية الخطورة في ظل الحالة التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية.
مما لا شك فيه أن علاقة المسلم بغير المسلم في شؤون التجارة والمال لا شيء فيها في ظل الأوضاع الطبيعية، ولكن في حالة استمرار إسرائيل باحتلال دولة فلسطين، وقيامها بنهب ثرواتها وقتل واعتقال أبنائها، فثمة حكم آخر، يمنع التعامل مع إسرائيل كدولة احتلال، وهو ما كان مقررًا على مدار عقود، ولكن اتفاقيات السلام التي أبرمتها دول عربية (مصر، والأردن، والسلطة الفلسطينية، ومؤخرًا الإمارات والبحرين) مع إسرائيل، أسقطت المقاطعة الاقتصادية مع دولة الاحتلال، وأصبح قرار المقاطعة حبرا على ورق، بل استفادة إسرائيل من اتفاقيات السلام مع بعض الدول العربية، لم تسقط عنها المقاطعة الاقتصادية العربية فقط، بل أسقطت عنها المقاطعة الاقتصادية من قبل دول أفريقية وآسيوية ومن أميركا اللاتينية، وهو ما مكن إسرائيل من جني ثمار كبيرة على صعيد الاقتصاد والسياسة.
والآن، السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء ما أُعلن عنه، من توقيع مذكرة للتفاهم بين مصرف أبو ظبي الإسلامي وبنك لئومي الإسرائيلي، هل استشيرت الرقابة الشرعية بمصرف أبو ظبي في توقيع هذه المذكرة؟ وما هي حجتهم في إقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع إسرائيل كدولة احتلال لدولة عربية وإسلامية.
الأمر لا يعدو سوى توظيف سياسي من قبل حكومة الإمارات، وإقحام مصرف أبو ظبي الإسلامي في أمر لم تقدم عليه أي من المصارف الإسلامية من قبل، فلم يتم رصد قيام أي مصرف إسلامي بتنفيذ تعاملات مع دولة الاحتلال الإسرائيلية.
لا يجادل أحد في أن الغالبية العظمى من مودعي المصارف الإسلامية، لديهم دوافع شرعية في التعامل مع هذه المصارف، وعلى رأسها تحري الحلال في التعاملات المالية والاقتصادية، وكذلك تحقيق التنمية في الدول الإسلامية، وتوظيف أموالهم في عمارة الأرض استجابة للتكليف الإلهي، وليس دعم دول الاحتلال.
إن إقدام إدارة مصرف أبو ظبي الإسلامي على هذه الخطوة سوف يضع المودعين في أزمة نفسية وشرعية، قد تدفع الكثير منهم إلى سحب أموالهم من هذا المصرف، وهو تصرف طبيعي إن حدث.
والغريب أن هناك الكثير من الدول العربية والإسلامية لديها مشكلات تتعلق بالتمويل وهي بحاجة إلى هذا التمويل، وإقامة العلاقات المماثلة التي تهدف إليها مذكرة التفاهم بين أبو ظبي الإسلامي ولئومي، ولكن الخطوة التي اتخذتها حكومة الإمارات المقصود منها نقل التطبيع مع إسرائيل إلى حيز المؤسسات والأفراد، وليس فقط بين الحكومات.
كيف يكون شعور المودعين بمصرف أبو ظبي الإسلامي وهم يعلمون أن أموالهم تدفع لصالح إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي، بينما اقتصاديات الدول العربية والإسلامية، تعاني الفقر والبطالة والتخلف، بسبب نقص التمويل؟ بلا شك أن هذا الشعور سوف يكون له مردود على سحب الودائع والتصرف فيها بعيدا عن المصارف التي تقبل على التعاملات مع إسرائيل.
قد يدعي البعض أن ما قام به مصرف أبو ظبي الإسلامي، يأتي في إطار المقاصد، أو تحقيق مصالح البعض، وهو أمر يتنافى مع بديهيات الشريعة الإسلامية الغراء، فمثل هذه المعاملات وما هو أكبر منها من توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، يعطي إسرائيل الحق في احتلال فلسطين، بلد المسجد الأقصى، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثمة مقاصد كبرى مهدرة، من خلال احتلال إسرائيل لأرض فلسطين، حيث أزهقت ملايين الأرواح منذ عام 1948 وحتى الآن، وتهجير نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني خارج بلدهم، وهدم البيوت على أهلها في فلسطين، ووجود نحو 12 ألف أسير في سجون إسرائيل من أبناء الشعب الفلسطيني، وكذلك تم نهب ثروات ذلك الشعب، وكان آخرها ثروة الغاز الطبيعي الضخم في شرق البحر المتوسط. فلا يصح لمدع أن يتحدث عن مقاصد شرعية في ضوء خطوات التطبيع مع إسرائيل.
لقد فتحت الإمارات بهذه الخطوة الباب على مصراعيه، أمام حكومات أخرى لتوريط بعض المصارف الإسلامية، في توقيع مذاكرات مماثلة، وللأسف فإن معظم تلك المصارف وبخاصة في المنطقة العربية، لا تملك قرارها في هذا الأمر، ومن السهل ممارسة ضغوط عليها، وبخاصة أن معظم القائمين على أمر رئاسة مجلس إدارة المصارف الإسلامية، يتم اختيارهم في ضوء معايير سياسية.
إن الخطوة التي اتخذتها الإمارات بتوظيفها السياسي لمصرف أبو ظبي الإسلامي لن تكون قاصرة على هذا المصرف، أو على الإمارات فقط، ولكنها سوف تتعداها إلى دول أخرى، وقد تؤدي إلى فقدان الثقة في المصارف الإسلامية، بشكل كبير من قبل المودعين والمتعاملين معها.
وللأسف تفتقر تلك المصارف إلى وجود كيان واحد يجمعها، ويمكنه أن يدافع عنها، ويحمي مصالحها، ويمنع الاعتداء على أهدافها والأسس التي قامت عليها، فتم منذ فترة طويلة تقويض الاتحاد العالمي للمصارف الإسلامية، وأصبح يحل محله المجلس العام للبنوك الإسلامية وهو بمثابة مرجعية فنية، وليس لديه صفة إلزام، على باقي المصارف الإسلامية.
إن بعض المخالفات الشرعية التي كانت تقع فيها المصارف الإسلامية، كان ينظر إليها على أنها تأتي في إطار ما تجبرها عليه البنوك المركزية بالدول العربية والإسلامية، أو وجود أزمات لدى هذه الدول في وضعها المالي والاقتصادي، ولكن أن تُقبل تلك المصارف على مثل هذه الاتفاقيات، التي تدفع بالأفراد للذهاب لإسرائيل، أو لتسهيل معاملات الشركات والمؤسسات مع دولة الاحتلال، يفرغ المصارف الإسلامية من مضمونها، وقد يكون القشة التي تقصم ظهر المصارف الإٍسلامية.
وختامًا، يمكن القول لحكام الإمارات وغيرهم، اتركوا المصارف الإسلامية، تؤدي دورها
ــــــــــ
المصدر: عبد الحافظ الصاوي – العربي الجديد