بسم الله الرحمن الرحيم
كشف وجوه التغليط في منهج شيوخ التطبيع
بقلم: الدكتور محماد رفيع (عضو اتحاد)
انطلقت حركة شيوخ التطبيع في تغطيتهم " التأصيلية" لتصرفات أنظمة الفساد والاستبداد في العالم العربي بشكل مكشوف، مباشرة بعد الربيع العربي، حيث شكلت حركتهم غطاء " شرعيا" للثورة المضادة، والإمعان في التسويغ الشرعي لكل ما يصدر من أنظمة الفساد في العالم العربي وفق الاستدلال المغالط، ولعل معركة الوقت لشيوخ التطبيع ما يجري الآن من دفاعهم عما قامت به الإمارات والبحرين من الجهر بعلاقة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقد نظرت في مسلك القوم في الاستدلال فألفيته يجري على منهج ما يسميه أهل الجاج والمناظرة " الاستدلال المغالط" الذي يقوم قصدا ومنهجا على التضليل والتمويه، ومن مسالك القوم في التغليط على سبيل المثال:
- مسلك المصادرة على المطلوب حين يسوغون التطبيع بكونه شأنا خاصا " بولي الأمر"، وأنه الوحيد المخول له شرعا تحديد المصلحة جلبا والمفسدة درءا، متجاهلين وجوب تحديد مفهوم " ولي الأمر" والمقصود به تأصيلا والمعهود تاريخا، وهل هو مؤسسة ؟ أو شخص؟ وما المسطرة الشرعية في اتخاذ القرار؟ ومن أين يستمد ولي الأمر شرعيته؟ وما الشواهد في ذلك؟ إلى غيرها من الأسئلة التي يتعين حجاجيا الجواب عنها قبل الحديث عن اختصاصه بجريمة التطبيع، وعادة حين يعجز المغالط عن إثبات مقدمته غير المسلمة، يصادرها ليفر إلى ما ينبني عليها من نتائج، وشيوخ التطبيع يدركون تماما أن المفهوم الشرعي لولي الأمر مناقض لما يروجون، وأنه لا يعدو كونه عبد من عباد الله اختاره المسلمون لينوب عنهم في إدارة مصالحهم في إطار الشريعة ووفق مشورة الأمة في شخص ممثليها.
- مسلك الخلط وهدم التمايزات في الحديث عن ولي الأمر دون التمييز بين المفهوم الشرعي المؤصل كتابا وسنة وخلافة راشدة نظريا وتطبيقيا، وبين الصور التاريخية لولي الأمر المستبد الفاسد الفاقد للشرعية الذي يستولي على الحكم من دون مشورة المسلمين إما وراثة أو انقلابا و غيرها من صور الغصب، فنظرا لأن التمييز بين المفهومين يكشف زيفهم، سارعوا إلى الخلط بين المفهومين وهدم ما بينهما من الحدود.
- مسلك التعميم الفاسد حين يصرون على الاستنجاد بعموم بعض الأدلة لتشمل قسرا محل النزاع، كاستدلالهم بالمصالحة النبوية لليهود في المدينة ومصالحته صلى الله عليه وسلم لقريش في صلح الحديبية، مع أن حالة التطبيع الجارية الآن تستعصي عن الدخول تحت عموم وإطلاق تلك النصوص، إذ نحن أمام حالة عدو هاجم أرض المسلمين وقتل وشرد السكان الأصليين ونكل بهم وما يزال على مدى أكثر من سبعين عاما، وأسس دولته على أنقاض شعب فلسطين تقتيلا وتهجيرا وأسرا وحصارا، والصلح المأمور به قرآنا والذي جرت به السنة بيانا إنما هو مع من سالمنا لا مع من يقتلنا صباحا ومساء، مصداقا لقول الله تعالى: " إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" ( الممتحنة:9).
لذلك صح حجاجيا أن نسقط تماما هذا الاستدلال المغالط بما يسميه أهل المناظرة " القول بالموجب والمنازعة في المقتضى"، وهو التسليم بمقتضى تلك الأدلة الذي يستدلون بها، لكن مع خروج محل النزاع وهو تطبيع الدولتين السابقتين علاقتهما مع العدو الصهيوني.
وهذا بعض من تهافت بنيان الاستدلال عند شيوخ التطبيع، قد تكون لنا عودة فيما يستحدثونه لاحقا من بدع القول المزيف لكشفه وفضحه.
والحمد لله رب العالمبن