البحث

التفاصيل

أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه: "شمائل2"

الرابط المختصر :

أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه: "شمائل2"

بقلم: الشيخ محفوظ ولد ابراهيم فال

 

إن النبي صلي الله عليه وسلم أعرف الخلق بربه وأقومهم بحقه، وهي كلمة صدق قالها ابن القيم رحمه الله.

فمهما نظر العبد في طرف من حياة النبي صلى الله عليه وسلم المباركة ، في مسجده بين أصحابه ، وفي بيته بين أزواجه وأهله ،وفي المعركة بين خصومه وأعدائه ،

يجده على حالة من الشهود والمراقبة لا يأفل نجمها ولا تغيب شمسها.

وقد وصفته بذلك أمنا عائشة رضي الله عنها وهي العارفة به الفائقة في براعة الوصف وروعة البيان حين قالت (كان يذكر الله على كل أحيانه) فلا حين للغفلة في حياة الذاكر الشاكر.

والذكر عند النبي صلي الله عليه وسلم له شأن وليس كذكر الخلوف من أمته الذين يجأرون بالذكر بألسنتهم وقلوبهم خالية من جلال الله ووقاره ، بل ذكر مغمور القلب بجلال الله ووقاره وعزته وكبريائه وجماله وبهائه ذكر على نحو ما أمره الله به

{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} الأعراف 205.

إنه ذكر ترتقي به الآدمية إلى عالم الملكية كأن صاحبه بين ملائك السبع الطباق يجأر معهم بالتسبيح والتحميد والتقديس ، وما أعظم مناسبة التعليق الجميل

على هذا الأمر الجليل في هذه الآية: {إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسْجُدُونَ} الأعراف 206.

وكأن المولي جل جلاله يقول له ما أجدر ك بأن تكون مثلهم بل ما أحرى أن تفوقهم، كأني أنظر إليه صلوات الله وسلامه عليه يظل في السبح الطويل يتقلب في أطوار معاملة الله ذكرا وشكرا وإخباتا وإنابة وتعليما وجهادا ودعوة وإرشادا وحسن عشرة وطيب مخالطة،

يستهل يقظته بالثناء على ربه والعرفان لجميله قائلا: (الحمدالله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور).

(الحمدالله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره).

وهي ألفاظ تفيض بالعرفان الجميل للمنعم الجليل سبحانه وتعالى، يتذكر صاحبها نعما جُلبت وبلايا صُرفت وكلاءة مُنحت ، خلال ساعات النوم فكم من نائم أمسك نفسه بارئها فلم تعد إليه وكم من صحيح في غمرة النوم وفوران الدم أصابته جلطة شلت أركانه ، وكم معافى من كل ذلك غفل عن ذكر من رعاه وعافاه ، وحق عليه قول الله تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} الأنبياء 42.

ثم ينهض صلى الله عليه وسلم ناظرا في ملكوت الله تاليا آياته على نحو مهيب مناجيا ربه ، يغمره الأنس والفرح يترجم حاله بأذكار بليغة في وصف ما يجيش به الصدر الكريم تجاه الرب الرحيم.

(اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ،وعليك توكلت ، وإليك أنبت، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت ، وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، لا أله إلا أنت) وغير ذلك من أذكار تنحو ذاك النحو.

ثم يستفتح صلاته مغتبطا برضى ربه عن حاله وسماعه لمقاله، وهو صلوات الله وسلامه عليه أصدق من يعبر عن تلك الحال المنيفة حين قال: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن)

 

وأولى الناس بوصفه بعده صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة رضي الله عنها فقد أجابت السائل عن قيامه لليل فقالت:

(يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ويصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ويوتر بثلاث ) رضي الله عنك ما أبلغك وأوجزك وأصدقك،

تغمر قلبه الرغبة وهو يتلوا آيات الوعد من كرم وبسط وجود فيسأل ربه سؤال مظهر الفقر مستشعر الفاقة وتشفقه الرهبة وهو يتلو آيات الوعيد فيستعيذ ويستجير بمن يجير ولا يجار عليه قالت عائشة رضي الله عنها:

(افتقدت النبي صلي الله عليه وسلم ليلة فالتمسته فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول:

(اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)

فقالت رضي الله عنها: (بأبي وأمي أنت إني وإياك لفي شأن) كانت أخافتها الغيرة أن يكون ذهب إلى بعض نسائه فوجدته في محرابه منهمكا في قرة عينه ساجدا بين يدي محبوبه الحق جلا وعلا.

واسمع إليه وهو يناجي ربه والقلب يفيض بينابيع الحب والمعرفة واللسان يتفنن في التمجيد والتحميد والبدن الطاهر سرى فيه الخشوع والخضوع يركع فيقول

(اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي) (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة).

ويسجد فيقول: (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين)

وغير الك من أذكار ودعوات تجيش بها عاطفة مزدحمة بمشاعر المحبة والخشية والهيبة لرب الأرباب وملك الملوك البر الكريم الجواد الرحيم،

فلله ما أشرحه من صدر وأطيبه من قلب وأزكاها من نفس عليه من الله أكمل الصلاة وأتم التسليم.

 

جعلنا والله وإياكم من الأتباع والأشياع

 


: الأوسمة



التالي
منظمة دولية تدعو لضغط عالمي على السعودية للإفراج عن معتقلي الرأي
السابق
ماكرون وابن زايد والحملة على الإسلام والمسلمين

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع