من أسباب سعة الرزق والبركة
بقلم: د. زغلول النجار (عضو الاتحاد)
إن السَّعة في الرزق من الأمور التي يسعى لتحقيقها كلُّ إنسان، وبلوغُها لا يتأتَّى إلا بتوفيق من الله تعالى، فالرزق الواسع من زينة الحياة الدنيا؛ كما قال الله عز وجل: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46]، والله سبحانه جعل لنا أسبابًا نُقبل عليها، ونُحقق من خلالها مرادنا، ونُحصِّل معها الأجر والثواب بفعلها أو المواظبة عليها، ويأتي بذلك للمسلم نعيمُ الدنيا والآخرة.
فمن هذه الأسباب:
أولاً: التقوى:
وهي بابَ كل خيرٍ، وحاجز عن الوقوع في كل محرَّم، وهي زاد المؤمن إلى الآخرة، وبها يَجني متاعه فيها؛ قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، وهي من الأسباب التي تُفرِّج الكروب، وتَجلِب الرزق، لقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال عز من قائل: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].
فلا سبيل لتحقيق الخير كله - ومنه نزول البركة، والسَّعةُ في الرزق - إلا بالتزام التقوى.
وقد فسر التقوى عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: (التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل).
فمن كان هذا دأبه، فلا يَخافنَّ ضيقًا ولا كربًا ولا حرمانًا، الله يرزقه الخير بشتى صوره، ويُغدق عليه مِن فضله باستقامته؛ كما قال جل وعلا: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16].
ثانياً: الاستغفار:
وفوائدُ الاستغفار عظيمة على الإنسان المسلم، فهو يسيرٌ على كل لسان، ومطلق في كل وقت ومكان، وهو من الأمور التي أمَرنا سبحانه بها؛ حيث قال تعالى على لسان نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12].
ثالثاً: الدعاء:
فمن خلاله يمكن للإنسان أن يدعو اللهَ بقضاء حاجة، أو الشفاء من مرضٍ، أو تيسير أمرٍ، أو تفريج هَمٍّ، أو طلب رزقٍ، وما إلى ذلك، فهناك أدعية كثيرة هي سببٌ لجلب الرزق بإذن الله سبحانه، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر». صحيح مسلم (4/ 2084).
والمهم أن يَبتهل المسلم إلى الله، داعيًا إياه أن يوسِّع له في رزقه، مخلصاً في دعائه، ساعياً بأن يكون طعامه وشرابه حلالًا؛ لأنه سبحانه لا يقبل إلا طيبًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعثَ أغبرَ، يَمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ! ومَطعمه حرامٌ، ومَشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟!». صحيح مسلم (1015).
رابعاً: التسبيح:
ويُسَن للمسلم التسبيحُ في كل وقت وفي أي مكان؛ إذ يمكن أن يَملأ ميزانه حسناتٍ في لحظات يُسبح الله فيها عز وجل، ويمكن أيضًا أن ينفعه الله تعالى بهذا التسبيح ويرزقه؛ فعن عبدالله بن عمروأن رسول الله ﷺ قال: «إن نبي الله نوحًا صلى الله عليه وسلم لَما حضرتْه الوفاة، قال لابنه: إني قاصٌّ عليك الوصية: آمرك باثنتين، وأنْهاك عن اثنتين: آمُرك بلا إله إلا الله؛ فإن السماوات السبع، والأرضين السبع، لو وضِعتْ في كِفَّة، ووضِعتْ لا إله إلا الله في كِفة، رجَحتْ بهنَّ لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع، والأرضين السبع، كنَّ حَلقةً مُبهمةً، قصمتْهنَّ لا إله إلا الله.
وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يُرزق الخلق». مسند أحمد (6583).
خامساً: التوكل على الله:
ويكفي في التوكل على الله أن يأتي الإنسانَ بالأسباب المشروعة، ويتوكل على الله فيما يريد، ويكون موقنًا أنه الوحيد سبحانه القادر على رزقه وإغنائه؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله، لرزَقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وتَروح بطانًا» سنن الترمذي بسند صحيح (2344)؛ فالتوكُّل سبب عظيمٌ لجلب الرزق!
سادساً: صلاة الضحى:
وفيها فضلٌ كبير، ومَن حافظ عليها وعلى غيرها من السنن، فذلك من علامات الإيمان الراسخ، وهي من الأسباب الجالبة للرزق بشتى أنواعه؛ ففي الحديث القدسي: «ابن آدم، اركَعْ لي أربع ركعات مِن أول النهار، أَكْفِك آخرَه». سنن أبي داود (1289) بسند صحيح.
سابعاً: الزواج:
الزواج نعمة عظيمة، ومنافعه جَمة؛ سواء على مستوى الفرد، أو على الأمة جمعاء، وربُّ العزة وعد بإغناء الفقير بتزويجه، فقال عز من قائل: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف»، سنن الترمذي (1655)، بسند حسن. وما أعظم أيضًا أجر مَن يساعد في تزويج الفقراء! فسبلُ الخير كثيرة وسهلة، ولله الحمد والمنة.
ثامناً: صلة الرحم:
من أسباب بسط الرزق وسَعتِه صلةُ الأرحام؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه، ويُنسَأ له في أثرِه، فليَصِل رحمَه»، متفق عليه.
فهذه شهادة على جلب الرزق بهذه الطاعة، وليَحرِص المسلم على فِعلها وعدم قطعها، حتى وإن لزِم أن يَصبِر على ما يَلقاه من الأذى مِن ذوي أرحامه.
تاسعاً: الصدقة:
وهي باب عظيم من أبواب الخير، وصورة من صور تكافُل الناس فيما بينهم، بالإنفاق قليلًا أو كثيرًا على الفقراء والمُعوزين من الأمة، وهي مِفتاح جالب للرزق؛ لكون الصدقة لا تنقص من مال صاحبها، وإنما يُنميه له الله ويُرْبِيه، ويبارك فيه؛ قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]، فالصدقة تجارة رابحة لا شكَّ، وعمل صالح يزيد في الأجر والفضل؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].
فلنحرص أحبابنا على هذه الأسباب بعضها أو كلها، كلٌ على قدر استطاعته، فهي مفتاح الخير وسعة الرزق وزيادته، بفضل الله تعالى.