البحث

التفاصيل

دعاة على أبواب الخيبة

الرابط المختصر :

دعاة على أبواب الخيبة

بقلم: د. فادي شامية

 

لا يحتاج بيان "هيئة كبار العلماء" في السعودية الخاص بـ "الأخوان المسلمين" بيانا شرعيا لإظهار تهافته وبُعده عن الإسلام.. وفي مطلق الأحوال فإن كبار العلماء في الأمة الإسلامية بيّنوا ذلك، حتى صار البيان سُبة على من أصدره. التحليل يجب أن يرتكز على الجانب السياسي؛ باعتبار الهيئة مسيسة وتتبع رغبات "أولي الأمر"، وليس أدل على ذلك؛ تغطيتها "حرمة" حصار قطر في الشهر الحرام، وانخراطها في تجريم كبار العلماء المصلحين في السعودية وصمتها عن "حرمة" اعتقالهم، وسكوتها عن "حرمة" التطبيع مع "إسرائيل"، بعد أن تورطت في موجته الجديدة؛ الدول المحيطة بالمملكة سياسيا لا سيما الإمارات والبحرين.. وغير ذلك كثير.

 

في بيانها أكدت الهيئة أن "الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام.. لم تظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم" وأنها "منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر، والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد". وتالياً فإن البيان يفضح نفسه، لأن الوصول إلى الحكم ومنازعة ولاة الأمر أي المعارضة السياسية، توصيفات سياسية لا دينية..

 

كما كشف البيان عن "فضيحة" إقصائية؛ لأن التجديد الديني في القرن الحالي والسابق عموده الفقري "الإخوان" ومن لف لفهم، ممن كرمتهم المملكة نفسها ووصفتهم بشخصيات العام – العلامة القرضاوي على سبيل المثال لا الحصر-، كما أن المكتبة الإسلامية تضج بمؤلفاتهم العقدية والفقهية والفكرية، فيما يضرب البيان صفحا عن ذلك كله، فيتهم "الإخوان" – على عكس ما يرميهم به خصومهم العلمانيين- بـ "عدم العناية بالعقيدة وعلوم القرآن والسنة"! لكأن علماء أولى الأمر هؤلاء؛ هم الإسلام وعقيدته وعلومه!

 

أكثر من ذلك؛ فإن العودة إلى فتاوى وأقوال كبار علماء السعودية أنفسهم في زمن ما قبل ولي العهد محمد بن سلمان؛ عبد العزيز بن باز، وبن جبرين، وسفر الحوالي، واللجنة الدائمة للإفتاء (رسمية)..  يظهر موقفا مناقضاً تماما من الجماعة التي كانت وفقهم: "أقرب الجماعات إلى الحق"، و "من الفرق الناجية"، و "تتميز بالوسطية، وتقصد الإصلاح، والدعوة إلى الله"!

 

الموضوع سياسي إذن؛ يتساوق مع "تجديد" المملكة لنفسها، وقضائها على "مشروع إيديولوجي صنع في أربعين عاماً"، وفقا لولي العهد محمد بن سلمان (13/11/2020- ويقصد من خلاله احتضان السعودية للعلماء والمفكرين الإسلاميين الذين لجؤوا إلى بلاده في زمن الرئيس الراحل عبد الناصر-)، لذا فإنه؛ لا بد من طرح الأسئلة الآتية؛ لماذا الآن؟ وما هي المصلحة الإستراتيجية للمملكة؟ وما سر هذه الحدة في الخصومة، وقد وصلت إلى حد تسخير الدين، والإساءة إليه (زعم مفتي المملكة أن "جماعة الإخوان ضالة ولا تمت إلى الإسلام بصلة" (15/11/2020)، وعمم ذلك الموقف على منابر المملكة كلها، ودعا إلى التبليغ عمن يحمل فكر الإخوان! فيما ذهب أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يوسف بن عثيمين قبله إلى أن الجماعة "أخطر من داعش وقاتلوا مع هتلر" -28/1/2020!).

 

لقد شهدت العلاقة بين "الإخوان" والمملكة صعودا وهبوطا كبيرين؛ وفي مرحلة المد الناصري كانوا حلفاء معتبرين، ثم تفاوتت العلاقة في محطات بارزة؛ الثورة الخمينية، حرب الخليج.. وصولا إلى ما سُمي: "الربيع العربي" الذي أظهر على نحو لافت شعبية "الإخوان" الواسعة في بلدانهم، وأدى إلى وصولهم إلى الحكم في غير بلد عربي؛ لا سيما مصر. في تلك المرحلة اتخذ ولي عهد الإمارات محمد بن زايد – وقد كان سباقا في مناهضة "الإخوان" في الإمارات وحيثما استطاع- وبالتحالف لاحقا مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان؛ قرارا استراتيجيا كبيرا؛ رفع "الإخوان" من درجة عدو إلى درجة "العدو رقم واحد".

 

استشعر "الإخوان" ذلك، وحاولوا خطب ود المملكة التي شهدت أول زيارة للرئيس الراحل محمد مرسي خارج بلاده، لكن التأثير الإماراتي كان حاداً في رفض "الإخوان" والتحذير منهم والتآمر عليهم، وإسقاط حكمهم في مصر، وتحجيم حضورهم في أكثر من بلد عربي، وما تزال الحرب الضروس مستعرة.. بجنون.

 

ما سبق يشرح الخلفية التي ارتكز عليها بيان "كبار العلماء" والمسؤولين السعوديين، لكنه لا يفسر السبب المباشر لهذه الهجمة المفاجئة، سيما أنه لم يسبقها أي حدث أو توتر إضافي مع "الإخوان". ثمة من يرى الأمر هجوما وقائيا من المملكة قبيل استلام بايدن الحكم، بالاستناد إلى تحليل مواقفه المُوادِعة للإسلام السياسي، والمعارضة للحالة الحقوقية لدول الخليج ودول الثورات المضادة. وثمة من يضعه في خانة التقرب من الأوربيين بعد أزمة الرسوم المسيئة التي أظهرت جانبا من نفوذ الإسلاميين المؤسسي في العالمين العربي والغربي. وفي مطلق الأحوال فإن هذا البيان وما سيليه من الأدوات التابعة لـ "ولي الأمر" هو محطات في صراع استراتيجي طويل؛ قائم على مناهضة وجودية، حسب رؤية محمد بن زايد.

 

هل يخدم هذا الصراع المملكة؟

وفقاً للوضع القائم، فإن "مشروع القضاء على الإخوان" مقدم على مواجهة "المشروع الإيراني" (ثمة في المملكة من يربط بين المشروعين أيضا)، وهو يقوم على القناعات الآتية: "الإخوان" ومن لف لفهم؛ خطر يهدد الشرعيتين الشعبية والدينية للمملكة، وفقا لما أظهرته مرحلة "الربيع العربي". كما أنهم عقبة جدية أمام المشروعات السياسية للمملكة الجديدة؛ التجديد، التطبيع، العلاقات البينية بين الدول، لا سيما الخليجية منها، الموقف من المشروع الأميركي، الحريات السياسية والدينية.. سواء بتأثيرهم الشعبي والمؤسسي داخل الدول التي ينتشرون فيها، أو في علاقاتهم السياسية مع دول تناصبها المملكة العداء.

 

في مملكة بن سلمان القناعة راسخة بما لا يسمح لمجرد مناقشة؛ هل فعلا يشكل "الإخوان" خطرا وجوديا على المملكة؟ هل يخدمون المشروع الإيراني فعلا أم أنهم عقبة في بلادهم بوجه هذا المشروع؟ هل أن مهاجمتهم تزيد من الشرعية الدينية للمملكة أم تضعفها داخليا وخارجيا؟ وهل المشروع الإماراتي- السعودي القائم على استعداء متلاحق لتطلعات كثير من الشعوب العربية؛ زاد من مكانة المملكة أم عزلها عن الوجدان العربي والإسلامي؟

 

في مطلق الأحوال، وحتى يأتي الوقت الذي يمكن فيه مناقشة هذه الأسئلة الكبيرة؛ فإن العالم الإسلامي "سيُشنّف آذانه" حزينا بمواقف وأخبار هذا الصراع، وهو –للأسف- صراع لا أفق له، ولا يمكن تحقيق النصر فيه. تحليل ودراسة نحو قرن من عمر الجماعة وما مرت به من محن؛ يؤكد أن القضاء على فكرها وطروحها غاية لا يمكن إدراكها.

 

ثمة من طرح في بدايات ولاية الملك سلمان استراتيجية معاكسة على القيادة السعودية؛ احتواء "الإخوان"؛ التفاهم معهم والاستفادة من ثقلهم في مواجهة من يهدد فعليا أمن المملكة.. لم يدم التفكير طويلا، فقد حل زمن بن سلمان سريعاً فخاب سعي "المصلحين".. وبدلاً من أن تقطع "مملكة الحزم" أذرع إيران من حولها، ها هي تجر أذيال الخيبة بعد خمس سنوات من حرب قيل إنها ستستغرق أسابيع، وتعتبر نموذجا صارخاً لفشل الإستراتجية الإماراتية – السعودية التي قامت على أساس غض الطرف عن الحوثي للقضاء على "الإخوان"، ثم ضرب الحوثي دون السماح لـ "الإخوان" (الإصلاح) من الاستفادة من الحرب.. والنتيجة فشل يقترب من الإعلان عن نفسه رسميا.

 


: الأوسمة



التالي
فقه المقاطعة
السابق
ماكرون يمهل قيادات إسلامية في فرنسا 15 يوما لقبول ميثاق "قيم الجمهورية"

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع