البحث

التفاصيل

وآلمني وآلم كل حرّ!

الرابط المختصر :

وآلمني وآلم كل حرّ!

بقلم: أ. د. عناية الله أسد سبحاني (عضو الاتحاد)

 

بلايا تحلّق على رؤوس المسلمين منذ زمان، وهي كثيرة متتابعة، يتبع بعضها بعضا!

وما من طامّة إلا وفوقها طامّة!

 وشرّ ما ابتُلي به المسلمون في بلادهم منذ عقود من الزمن أن أحرارهم وخيارهم، الذين يمثّلون دين الإسلام تمثيلا دقيقا رائعا مُشرقا!

يمثّلونه مصحوبا بجماله وسموّه وشموخه وعظمته!

يمثّلونه بسيرتهم العطرة الكريمة، وسلوكهم الحلو الجميل، وهممهم العالية الشامخة، التي تنطح عنان السماء!

هؤلاء الأحرار الأخيار تخافهم حكومات بلادهم من غير سبب يُعقل، وتفرض عليهم رقابة شديدة ساهرة، وتحكم عليهم بعقوبات يرتجف منها الجنان، ولا تتحملها الأفيال!

ولماذا كل هذه التصرفات، وكل هذه العقوبات؟

ليس لها سبب إلا أنهم يحبون الله ورسوله، ويحبون دينه وكتابه، ويبذلون جهودهم لإرساء دينه وإعلاء كلمته، ويكرهون أعداء الله العصاة الطغاة، الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادا، ويظلمون الناس بغير حق، ويأكلون أموالهم بالباطل!

وكثيرا ما يُزجّ بهؤلاء الأحرار الأبرار في غياهب السجون! فهم يمكثون في ظلمات السجون، وتحت سياط العذاب سنين طوالا!

يمكثون فيها بكل صبر وصمود، من غير وهن ولا ضعف ولا استكانة!

يمكثون في ظلمات السجون بحيث لا يراهم الدهر، ولا تراهم عيون النجوم والكواكب!

وحياة هؤلاء الأحرار في تلك السجون تكون أطول عادةً من حياتهم في بيوتهم وبين أهليهم.

وهكذا تمتلئ بهم السجون، وتخلو منهم القرى والمدن!

وليست سجون مصر، وسجون سوريا، وسجون السعودية عنا ببعيد!

فكلها سجون ظالمة مُظلمة تعذّب الأحرار الأبرياء الأتقياء من غير حق!

تعذّبهم تعذيبا تستحيي منه الذئاب والكلاب، وتستحيي منه الأفاعي والحيات!

ولا تسأل كم عدد ضحايا ذلك التعذيب الفظيع الشنيع، فهم يبلغون آلافا وآلافا من عمالقة الرجال، وفحول الشباب!

قال شاعر من شعراء الدعوة الإسلامية، ونعم ما قال:

وآلمني وآلم كل حــــــــــــــــــــــــــــرّ     سؤال الدهر أين المسلمونا؟

سؤال يُبكي العيون، ويُدمي القلوب، ويُفتّت الأكباد!

سؤال يؤرّق المسلم الغيور، ويجعله يموت حزنا وكمدا، ويختفي خجلا وحياء!

المسلمون يملؤون العالم، ومع ذلك يسأل الدهر: أين المسلمون؟

كأنّ المسلمين الذين يملؤون العالم، ويتقلبون في البلاد، ويرتعون ويلعبون ويمرحون في شرق الأرض وغربها ليسوا مسلمين، وإن شئت فقل: ليسوا كمثل المسلمين الصالحين الخاشعين الطامحين، الذين عرفهم الدهر في غابر الأيام!

وليست هذه قصة بلد من البلاد، بل معظم بلاد المسلمين أصبحت سجونا مخيفة عضوضا للصالحين الأحرار! قال قائل، وكان صادقا فيما قال:

 رأيت بلاد الله وهي عريضة ... على المسلم المكروب كفّة حابل

فإذا كان الصالحون الأحرار في غياهب السجون، ولم يبق في الأسواق والمحافل، والدور والقصور، والمعاهد والجامعات إلا حثالة الناس!

حثالة لاتلتقي بذمّهم الشفتان، استصغارا لقدرهم، وذهابا عن ذكرهم!

فأنى للدهر أن يرى المسلمين؟

أنى للدهر أن يرى المسلمين الأبرار الأحرار الذين رآهم في غابر الزمان؟

إن المسلمين في أرجاء العالم يتقلبون في وَحَلِ الذلّ والهوان، ولا فرق فينا بين الراعي والرعية، والملوك والسوقة، فكلهم يشربون من كأس واحدة!

يشربون من كأس فيها خزي الدهر وذلّ الأبد!

والظالم ترهقه الذلّة والهوان قبل أن ترهق المظلوم، وإن كان الظالم لايرى تلك الذلة والهوان للغشاوة التي تغشى بصره، ويراها الناس من بعيد!

وربنا سبحانه وتعالى لم يفرّق بين قتلة النبيين، وبين قتلة الذين يأمرون بالقسط من الناس، فكلهم لهم عذاب أليم، وكلهم حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وما لهم من ناصرين.

تلك سنة الله في العالمين، ولا تبديل لسنن الله، فلنستمع قول الله الرحيم في كتابه الكريم:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (سورة آل عمران:22)

إن اليهود قتلوا أنبياءهم ورسلهم بغير حق، وحكّام المسلمين والوا هؤلاء اليهود، وقتلوا أحرار هذه الأمة بغير حق، وما قتلوهم إلا إرضاءً لهؤلاء اليهود الأنجاس، وإرضاءً لأحلافهم من النصارى الأعداء، وما قتلوهم إلا ظلما وعدوانا، نزولا على رغبة أعدائهم الساقطة الهابطة الطاغية!

هم قتلوا الأحرار الذين يأمرون بالقسط من الناس، مع أنهم كانوا بحاجة ماسة إلى قدراتهم ومواهبهم الجبارة العملاقة، التي كانت قادرة بعون الله على أن تخرجهم وتخرج قومهم من حضيض الذل والهوان والعبودية إلى رفعة الكرامة والمجد والمروءة !

 وليس المسلمون فقط، بل العالم كله كان بحاجة ماسة إلى قدراتهم الجبارة، ومواهبهم العملاقة حتى تنجيهم من ظلم الظالمين، وفساد المفسدين، وبطش الجبارين، وحتى تتيح لهم حياة فيها حرية وكرامة وسعادة وهناء.

إن عالَمَنا الحاضر المعاصر يشكو من قلة الرجال، والأمة الإسلامية المنكوبة أسوأ حالا من ناحية الرجال، فالناس كالأنعام كثيرون يكتظّ بهم العالم، ولكن الرجال قليلون!

ومن الشقاء أن حكّامنا السافلين الظالمين الأغبياء قتلوا هؤلاء الأحرار الأبرار، وما زالوا يقتلونهم! قاتلهم الله أنى يؤفكون؟

وكان من واجب علماء هذه الأمة أن يدافعوا عن هؤلاء الأحرار الأبرار بكل ما يستطيعون، وكان عليهم أن يدعموهم، ويعزّروهم، ويكرموهم بترحيبهم وتشجيعهم، ولو بكلمة رقيقة صادقة مشرقة!

ولكن المؤسف المبكي أنهم نسوا واجبهم، وأراقوا ماء وجوههم للطغاة الظالمين، وجعلوا يتهمون هؤلاء الأبرياء الأتقياء بما يتّهمهم به أعداءُ الإسلام من اليهود والنصارى، وليس ذلك إلا لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم !

 صدر قبل أيام بيان طويل لهيئة كبار العلماء في السعودية، وجاء في ختامه ما يلي:

"ومما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدى ديننا الحنيف، وتتستر بالدين، وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب. فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها. والله نسأل أن يحفظنا جميعا من كل شر وفتنة."

اتقي الله يا هيئة كبار العلماء، فقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبيين!

تلك شنشنة عُرفت منكم منذ قديم! وكم خسِرتم، وخسّرتم المسلمين بشنشنتكم هذه عبر التاريخ !

أكرموا أنفسكم يا علماء الإسلام! ولا تخبطوا الظلماء، ولا تركبوا العشواء، فيهجما بكم على المكروه!

إن ابن سلمان الذي تطبّلون له، وتلتفّون حوله، وتكافحون عنه جار عن الطريق، وأعطى ظهره للإسلام! فإنه لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا يعرف من القرآن إلا رسمه!

إنه وضع يده في يد إسرائيل وأمريكا، ويريد أن يبيع أرضكم ودياركم ويسلّطهم على رقابكم، وأنتم تحلمون بالأمن والسعادة والرفاهية في ظلّ ذلك المسكين! فوا عجباً لكم!

أنتم تشتمون الإخوان المسلمين، وتحذّرون الناس منهم، وهم يُسجنون ويُضربون ويُؤذون في سبيل الله، وهم صابرون صامدون، لم يهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا!

كيف رضيت أنفسكم أن تشتموا الإخوان؟ وهم فداء للإسلام والمسلمين!                                             

  وهل فكّرتم يوما في نصر الإسلام، وحفظ ديار الإسلام والمسلمين حتى تعرفوا مكانة حركة الإخوان، ودورهم القيادي في خدمة الإسلام والمسلمين؟

  أنتم أصدرتم فتاوى لاذعة جائرة ضد الإخوان المسلمين وقادتهم حتى ترضوا ملوككم وأمراءكم، وليست هذه أول مرة، بل فعلتم ذلك مرات ومرات!

ولكن هل قدّمتم للإسلام والمسلمين شيئا؟ لا، والله، فهذا ليس من همّكم، وإنما هو من هموم الإخوان!   

أنتم الذين خذلتم رئيسنا ورئيس المسلمين السيد محمد مرسي رحمه الله، وظاهرتم على عزله وقتله، فهل هذه سنة رسول الله، التي تحملون لواءها يا علماء الإسلام؟

وأحب أن أصارحكم أن المسلمين في بلادنا يكرهونكم ويكرهون تلك الفتاوى الجائرة على طول الخط، وأما الإخوان المسلمون وقادتهم فهم يعيشون في قلوبنا بكل حب وكرامة، ونعتبر حبّهم من حب الله وحب رسوله:

يذكّرني طلوع الشمس مُرسي ... وأبكيه لكلّ غروب شمس

ولولا كثرة البــــــــــــــــــــــاكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزّى النّفس عنه بالتأسي

 


: الأوسمة



التالي
نشأة عماد الدين زنكي
السابق
تِسعةُ خِصال يخسرها المُسلم إذا فرَّط في صلاة الفجر!!

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع