قالوا عن سماحة الإسلام (1)
بقلم : إبراهيم النعمة (عضو الاتحاد)
سيرتوماس. و. آرنولد[1]
سيرتوماس. و. آرنولد: مستشرق انكليزي، يُعَدُّ في طليعة المستشرقين الغربيين المنصفين. ولد سنة 1864م، وتوفي سنة 1930م. كان ملماً بعدد من اللغات الأوربية، فوق إلمامه باللغتين: العربية والفارسية. وهو أَوَّل مَنْ جلسَ على كرسي الأُستاذية في الدراسات العربية في مدرسة اللغات الشرقية بلندن، ثم صار عميداً لها. له عدد من الكتب أَهمُّها وأَروعها كتابه الذي شاع في أَرجاء العالم، وتلقاه المنصفون من المستشرقين والكُتَّاب بالقبول إنه كتاب (الدعوة إلى الإسلام)، فقد نصَّ فيه في مواضع كثيرة على حقيقة سماحة الإسلام في نشر الدعوة الإسلامية، وأَنه لم ينتشر بالسيف والإكراه، مستشهداً على ذلك بعدد من آيات القرآن الكريم. وهذا الكتابُ وثيقةٌ مهمة، كتبها غيرُ مسلم. ومع أَهمية الكتاب، فهو لا يخلو من هفوات، وقد ترجم إلى عدد من اللغات.
قال توماس. و. آرنولد: «ومع أنَّ هذه الإمبراطورية العظمى (الإمبراطورية الإسلامية) قد تصدَّعتْ أَركانُها ــ فيما بعد ــ وتضعضعتْ قوَّةُ الإسلام السياسية، ظلت غزواته الروحية مستمرةً دون انقطاع»([2]).
وقال: «يرجع انتشار هذا الدين في تلك البقعة الفسيحة من الأَرض إلى أَسبابٍ شتى: اجتماعية، وسياسية، ودينية. على أنَّ هنالك عاملاً من أَقوى العوامل الفعالة التي أَدَّت إلى هذه النتيجة العظيمة: تلك هي الأَعمال المطردة التي قام بها دعاة من المسلمين، وقَّفوا حياتهم على الدعوة إلى الإسلام، متَّخِذين من هَدْيِ الرسول مثلاً أَعلى وقدوةً صالحة»([3]).
وقال: «ويمكننا أن نحكم من الصلات الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين من العرب، بأَنَّ القوة لم تكن عاملاً حاسماً في تحويل الناس إلى الإسلام. فمحمد ﷺ نفسه قد عقد حلفاً مع بعض القبائل المسيحية، وأَخذ على عاتقه حمايتهم، ومنحهم الحرية في إقامة شعائرهم الدينية، كما أَتاح لرجال الكنيسة أنْ ينعموا بحقوقهم ونفوذهم القديم، في أَمْنٍ وطمأنينة، وقد وجد حلف كهذا بين أَتباع النبيّ وبين مواطنيهم الذين كانوا يدينون بالوثنية دينهم القديم، والذين تقدَّم كثير منهم عن طواعية لمؤازرة المسلمين في حملاتهم الحربية، وأَظهروا للحكومة الجديدة نفس روح الولاء التي جعلتهم يقفون بمنأى عن الردة»([4]).
وقال (آرنولد) بعد أن ذكرَ شيئاً عن السماحة في الإسلام: «ومن الأمثلة التي قدَّمناها آنفاً عن ذلك التسامح الذي بسطه المسلمون الظافرون إلى العرب المسيحيين في القرن الأوّل من الهجرة، واستمرَّ في الأجيال المتعاقبة، نستطيع أن نستخلص بحق: أنَّ هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام، إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حُرّة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة شاهد على هذا التسامح»([5]).
وقال: «كان المثلُ الأعلى الذي يهدف إلى أُخوّة المؤمنين كافة في الإسلام، من العوامل القوية التي جذبت الناس بقوّة نحو هذه العقيدة»([6]).
وقال: «ولكننا لم نسمع عن أَية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أَيّ اضطهادٍ منظم، قصد منه استئصال الدين المسيحي. ولو اختار الخلفاءُ تنفيذَ إحدى الخطتين، لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أَقصى بها (فرديناد وايزابيلا) دين الإسلام من إسبانيا، والتي جعل بها (لويس الرابع عشر) المذهب البروتستانتي مذهباً يعاقَبُ عليه متَّبِعُوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظلَّ بها اليهود مُبعَدين عن إنكلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة، وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالاً تاماً عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أَنحائه أَحد يقف إلى جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين. ولهذا فإنَّ مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن، ليحمل في طياته الدليل القويَّ على ما قامت عليه سياسةُ الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم»([7]).
وذكر (أرنولد) ما ذكره البطريق النسطوري (يشوع باف الثالث) في رسالة بعثها إلى (المطران سمعان) مطران ريفاردشير ورئيس أَساقفة فارس قال فيها: «إنّ العرب الذين منحهم الله سلطان الدنيا يشاهدون ما أَنتم عليه، وهم بينكم كما تعلمون ذلك حق العلم: ومع ذلك فهم لا يحاربون العقيدة المسيحية، بل على العكس، يعطفون على ديننا، ويُكرمون قسسنا وقديسي الرب، ويجودون بالفضل على الكنائس والأديار»([8]).
وقال: «وقد جلب الفتح الإسلامي إلى هؤلاء القبط. حياة تقوم على الحرية الدينية التي لم ينعموا بها قبل ذلك بقرن من الزمان، وقد تركهم عمرو [ابن العاص] أَحراراً على أنْ يدفعوا الجزية، وكفل لهم الحرية في إقامة شعائرهم الدينية، وخلَّصهم بذلك من هذا التدخل المستمر الذي آنَوا من عبئهِ الثقيل في ظل الحكم الروماني، ولم يضع عمرو يده على شيء من ممتلكات الكنائس، ولم يرتكب عملاً من أَعمال السلب والنهب. ويظهر أنَّ حالة القبط في الأَيام الأُولى من حكم المسلمين كانت معتدلة نوعاً ما. وليس هناك شاهد من الشواهد يدلُّ على أنَّ ارتدادهم عن دينهم القديم ودخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعاً إلى اضطهادٍ أو ضغطٍ يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين: ولقد تحوَّل كثير من هؤلاء القبط إلى الإسلام قبل أن يتم الفتح، حين كانت الإسكندرية حاضرةُ مصر يومئذ، لا تزال تقاوم الفاتحين»([9]).
وقال: «وصدرت الأوامر المشددة ضدَّ كل من امتنع عن الدخول في المسيحية. وكان من أَثر هذه الاضطهادات: أنْ رحَّبَ اليهود بالعرب الغزاة، وعدُّوهم مخلِّصين لهم؛ مما حلَّ بهم من المظالم؛ فساعدوهم على فتح أَبواب المدن. كما استعان بهم الفاتحون في حماية المدن التي وقعت في أيديهم»([10]).
وقال (ارنولد): «ولقد باشر العثمانيون السلطةَ على الرعايا المسيحيين، من الأَيام الأُولى التي قاموا فيها بتوسيع مملكتهم في آسيا الصغرى. ولم تكد حاضرة الإمبراطورية الشرقية القديمة تسقط في أَيدي العثمانيين سنة 1453، حتى توطدت العلاقات بين الحكومة الإسلامية والكنيسة المسيحية بصفة قاطعة، وعلى أَساس ثابت. ومن أُولى الخطوات التي اتَّخذها محمد الثاني بعد سقوط القسطنطينية وإعادة إقرار النظام فيها: أنْ يضمن ولاء المسيحيين، بأَنْ أَعلنَ نفسه حامي الكنيسة الإغريقية. فحرَّم اضطهادَ المسيحيين تحريماً قاطعاً، ومنح البطريق الجديد مرسوماً يضمن له ولأَتباعه ولمرؤوسيه من الأَساقفة حق التمتـع بالامتيـازات القديمة والموارد والهبـات التي كانوا يتمتعون بهـا في العهد السابق. وقد تسلَّـمَ (جنَّـاديوس) أَول بطريق بعد الفتح التركي من يد السلطان نفسه عصا الأُسقفية التي كانت رمزَ هذا المنصب، ومعها كيس يحتوي على أَلف دوكة ذهبية وحصان محلَّى بطاقم فاخر»([11]).
لقد كان واضحاً لدى المؤرخين المنصفين: أن الإسلام لا يهدم الكنائس، ولا يسيء للديانات الأخرى، وأنّ الغربيين على خلاف ذلك. ولما كانت الفتوحات العثمانية قائمة في (البلقان) و(وسط أَوربا)، صاغ الغربيون أُسطورة عقب الحرب بين السلطان العثماني والأَمير المجري (هنيادي)، تقول تلك الأسطورة: إنهم سألوا الأمير المجري: ماذا تصنع لو انتصرتَ على المسلمين؟
فأَجاب: أُأَسِّس العقيدة الرومانية الكاثوليكية.
فلما سألوا السلطان العثماني: ماذا تصنع لديننا لو انتصرت؟
فقال: «أُقيم كنيسة إلى جانب كل مسجد، وأَدَعُ مطلقَ الحرية لكل فرد أن يُصليَ في أَيِّهما شاء»([12]).
وقال أرنولد: «وإنّ مجرد وجود عدد كثير جداً من الفرق والجماعات المسيحية في الأقطار التي ظلت قروناً في ظل الحكم الإسلامي، لدليل ثابت على ذلك التسامح الذي نعم به هؤلاء المسيحيون. كما يدل على أنَّ الإضطهادات التي كانوا يدَّعون إلى معاناتها بأيدي الطغاة والمتعصبين، إنما كانت ناتجة من بعض ظروف خاصة وإقليمية، أكثر من أنْ تكون منبعثة عن مبدأ مقرر من التعصب»([13]).
[1] من كتاب" صُوَرٌ من سماحة الإسلام مع غير المسلمين" للشيخ إبراهيم النعمة
[2] الدعوة إلى الإسلام تأليف سيرتوماس. و. آرنولد ص26، ترجَمَهُ إلى العربية وعلَّق عليه: الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور عبد المجيد عابدين وإسماعيل النحراوي، الطبعة الثالثة 1970م، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.
[3] الدعوة إلى الإسلام ص27.
[4] الدعوة إلى الإسلام ص65-66.
[5] الدعوة إلى الإسلام ص70.
[6] الدعوة إلى الإسلام ص94.
[7] الدعوة إلى الإسلام ص98-99.
[8] الدعوة إلى الإسلام ص102.
[9] الدعوة إلى الإسلام ص123-124.
[10] الدعوة إلى الإسلام ص154-155.
[11] الدعوة إلى الإسلام ص170-171.
[12] الدعوة إلى الإسلام ص223.
[13] الدعوة إلى الإسلام ص462.