أثناء مشاركته في "ملتقى العلماء" .. القره داغي: "تقسيم الأوقاف في العراق باطل شرعاً وقانوناً وعرفا"
مشاركة الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فضيلة الشيخ الدكتور علي القره داغي في "ملتقى العلماء" الذي أقامه "المجمع الفقهي العراقي".
يشرفني حقاً ويسعدني صدقاً أن أشارك مع حضراتكم في هذه المهمة الأساسية للعلماء وهو الصدع بالحق ومنع الباطل بكل ما يمكن بالحكمة والموعظة الحسنة ووفق البصيرة والمنهاج بإذن الله.
لقد آلمنا كثيرا وما كنت أتوقع أن يصل الفساد إلى هذه المرحلة في عراقنا الحبيب، أن يصل الفساد وأكل أموال الناس بالباطل إلى أموال وحقوق الأموات قبل الأحياء.
فهذه الأوقاف هي ثمار لهذه الجهود والأموال الطيبة التي أوقفها الخيرون منذ إنشاء بغداد عام 145هجري إلى يومنا هذا، هذا التقاسم يعني أننا نعطي جزاً كبيراً من حقوق هؤلاء العلماء الأولياء في العهد العباسي والعهد العثماني وكذلك بقية العهود أن نعطي هذا بدون وجه حق إلى من لا يستحق شرعاً وقانوناً، وحتى في نظر هؤلاء فإن شروط الأوقاف عند إخواننا الشيعة لها اعتبارها ولها أهميتها، وهم يعتقدون مثل ما نعتقد بأن الشروط الصحيحة بمثابة النص الشريف في الحفاظ عليها واحترامها، ويدل على ذلك أدلة كثيرة، منها قوله تعالى:( فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، البقرة 181.
وكما قلت فإن الحق ليس لمجموعة معينة وإنما لعشرات الالاف من العلماء والأمراء والعالمات والأميرات وغيرهم.
فاليوم يُعتدى على هذه الأموال وتؤكل بالباطل، فينطبق عليهم قوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 188. وهم يعلمون أن هذه الأموال ليست لهم، وأن الذي وقع على هذه الاتفاقية ليس له هذا الحق لأنه لا يملك هذا المال حتى يتنازل عنه، وبالتالي فإن هذه الاتفاقية باطلة شرعاً وقانوناً وعرفاً وليس لها أي قيمة، وإنما هي اتفاقية الفتنة، والعراق ليس بحاجة إلى مزيد من الفتن التي أكلت الأخضر واليابس.
هذه الاتفاقية بإذن الله لن تمشي، ولن تطبق ، بل تحرق وتمزّق قريباً وإلا فهو اعتداء على حقوق هؤلاء، بل اعتداء على مساجدنا ومدارسنا وجوامعنا فقط، بل على هؤلاء الذين يستفيدون من هذه الأوقاف من اليتامى وغيرهم.
وأن هذه الأوقاف أيضا ليست قليلة ، بل كثيرة جداً ممتدة لثلاثة عشر قرنا.
أتذكر أن الرحالة الشهير ابن جبير، وصف بغداد وذكر محاسنها أنه من أجمل محاسنها كثرة أوقافها، ومن أعظم أوقافها أنه كانت هناك ثلاثون مدرسة متكاملة تقترب من المدرسة النظامية، وأن كل واحدة منها كانت في قصر كبير أكبر وأجمل من قصر الخليفة وأن بناياته كانت أكبر من بنايات قصر الرشيد.
فلننظر إلى واردات المدرسة النظامية، حيث كانت وارداتها الشهرية من الأوقاف العقارية فقط ١٥ ألف دينار ذهبي أي ٦٣ ألف جرام و٣٧٥ جرام من الذهب، أما من الحبوب والثمار فكانت تزيد على الطلبة وعلى أهل المنطقة وفي بعض الأحيان تنقل إلى خارج بغداد، هذه كانت أوقاف مدرسة واحدة، و30 مدرسة بهذه الطريقة.
ثم يصف ابن الجبير وابن بطوطة وغيرهما "المكتبات الوقفية": حتى قال بعضهم: ما رأيت في عمري مكاتب ضخمة فيها كذا وكذا من الكتب إلا في بغداد، ثم تحدثوا عن البينمارستان والمستشفيات فيذكر ابن بطوطة: إن اللسان ليعجز عن محاسن إحدى هذه المستشفيات (البينمارستان) التي رآها في بغداد وفي القاهرة أيضاً.
يريدون من هذه الأوقاف أن تكون في مهب الريح، وأن تعطى لغير من يستحق، نحن ليس لدينا إشكالية بأن المواطنين في العراق وفي أي بلد يتشاركون، لكن هذه في الحقيقة أموال مخصصة لا يجوز التصرف فيها.
وهل يرضى إخواننا الآخرون أن يعطوا من هذه الأوقاف الخاصة بالحيدرية وبالحسينية وبالكاظمية أن يعطوا لمساجدنا؟
فلذلك تلك قسمة ضيزى، قسمة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، والذي وقعه لا يملك ذلك كما قلت.
وقد تحدثت مع فخامة رئيس جمهورية العراق بذلك وقد وعدني خيرا، وقد بعثت برسائل إليه وإلى رئيس الوزراء وإلى رئيس البرلمان.
كما أرسلنا إلى فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان وإلى غيره ممن لهم تأثير على العراق في هذه المسألة فهي محنة كبيرة.
وأعقب على حديث فضيلة الشيخ أحمد الذي قال أنه لم يشهد في أي بلد أنه هناك دولة تفعل مثلما يفعل في العراق... وأضيف إليه معلومة واحدة قالها الإخوة في الجزائر (عندما وصل المستعمر الفرنسي إلى الجزائر سأل عن الأوقاف، فكان أول قرار للمستعمر إلغاء الأوقاف والتصرف بأموالها على أنها للدولة) وهي سابقة سيئة جداً ، ولا نريد العراق أن يصل إلى هذه السابقة.
نحن متفائلون ومتأملون ونأمل الخير بأن القيادة العراقية لا تمرر هذه الاتفاقية وتلغيها وتمزقها، لأن هذه الاتفاقية بصراحة إن بقيت ستمزق قلوب المسلمين ليس داخلها فحسب، لأنه يوجد داخل هذه أوقاف بغداد ما يتبع للقدس، والمدينة المنورة، والكعبة المشرفة، فالقضية ليست بسيطة.
نحن باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم أكثر من ٩٥ ألف عالم و٥٢ جمعية وهيئة، نناشد المسؤولين أن يمزقوا الاتفاقية ويغضوا الطرف عنها، وكل العلماء متفقون بأن هذا باطل.
هذا ما أردت بيانه.
* ملحوظة: هذه الكملة عبارة عن مشاركة فضيلة الشيخ علي القره داغي وليس بياناً ولا تصريحا.
المصدر: الاتحاد