قالوا في سماحة الإسلام (3)
بقلم: الشيخ إبراهيم النعمة (عضو الاتحاد)
حديث في المستشرقين: آدم متز
الأستاذ آدم متز: عالم ألماني، توفي سنة 1917م. عمل أُستاذاً للغات الشرقية بجامعة (بازل) بسويسرا. من أهم مؤلفاته: كتابه الموسوم (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري). والقارئ لهذا الكتاب يتبيَّن له مدى اطلاع المؤلف وتعمقه في الحضارة الإسلامية: فقد راجع في مؤلفه هذا مئات المصادر العربية وغير العربية. ولم يكتف بالكتب المطبوعة، فراجع المخطوطات أيضاً المحفوظة في (برلين)، و(باريس)، و(ليدن) و(ميونيخ) و(لندن). وتُرجم الكتاب من الألمانية إلى الإنكليزية ثم إلى الإسبانية وأخيراً إلى اللغة العربية. ونجد في الكتاب مقارنة بين معاملة العرب لغيرهم ومعاملة غيرهم لهم. والكتاب لا يخلو من ملاحظات عليه.
قال آدم متز: «كان المسلم يستطيع أنْ يرحل في حدود المملكة (الإسلامية) في ظل دينه وتحت رايته، وفيها يجد الناس يعبدون الإله الواحد الذي يعبده، ويُصلُّون كما يصلي، وكذلك يجد شريعة واحدة، وعرفاً واحداً، وعادات واحدة. وكان يوجد في هذه المملكة الإسلامية قانون عملي يضمن للمسلم حق المواطن، حيث يكون آمناً على حريته الشخصية أن يمسَّها أَحد، وبحيث لا يستطيع أَحد أن يسترقه على أَيّ صورة من الصور. وقد طوَّف (الرحالة المعروف) ناصر خسرو في هذه البلاد كلِّها في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) دون أنْ يلاقي من المضايقات ما كان يلاقيه الألماني الذي كان ينتقل في أَلمانيا في القرن الثاني عشر الميلادي»([1]).
وقال: «أما حياة الذمي، فإنها عند أبي حنيفة وابن حنبل، تكافئ حياة المسلم، ودِيتُه دية المسلم، وهي مسأَلة مهمة جداً من حيث المبدأ. ولم تكن الحكومة الإسلامية تتدخل في الشعائر الدينية لأَهل الذمة، بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أنْ يحضر مواكبهم وأَعيادهم، ويأمر بصيانتهم. وكذلك ازدهرت الأديرة بهدوء»([2]).
وقال: «من الأُمور التي نعجب لها: كثرةُ عدد العمال (أي: الوُلاة وكبار الموظفين)، والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية. فكان النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام. والشكوى من تحكيم أَهل الذمة في أَبشار المسلمين شكوى قديمة»([3]).
وقال: «جرت العادة منذ العصر الأَول للإسلام ألَّا يُسمَّى العبيدُ عبيداً، بل يسمى العبدُ فتىً والأَمَة فتاة، وقد نُسِب هذا ــ كما نُسِب كثيرٌ غيره ــ إلى أَمر النبي S، وكان من التقوى وشرف النفس ألَّا يضربَ الرجلُ عبدَه. ويروى عن النبي ﷺ أنه قال: [شرُّ الناس مَنْ أَكَلَ وحده، ومنع رفده، وضرب عبده]([4]). وفي القرن الرابع الهجري اتَّخَذَ بعضُهم من قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]. نقداً يوجهونه لمن يضرب عبده وكذلك قال الشاعر:
إنْ كنتَ تطلب فضْلاً
|
إذا ذُكِرْتَ ومَجْدا
|
فكنْ لعبدك خِلّاً
|
وكنْ لخلِّكَ عبْدا»([5])
|
وقال: «كان تسامح المسلمين في حياتهم مع اليهود والنصارى، وهو التسامح الذي لم يُسمع بمثله في العصور الوسطى سبباً في أن لحق بمباحث علم الكلام شيء لم يكن قط من مظاهر العصور الوسطى: وهو علم مقارنة الملل»([6]).
[1])) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري تأليف: آدم متز 1/4، نقله إلى العربية: محمد عبد الهادي أبو ريدة، الطبعة الثالثة 1377هـ/1957م، لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة.
[2])) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/69-70.
[3])) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/87.
[4])) مرَّ تخريج الحديث.
[5])) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/288-289.
[6])) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/366.