ملخص ندوة مقاطعة منتجات فرنسا بين المحصول والمأمول.
انعقدت في عشية يوم الأحد الموافق للثاني عشر من شهر جمادى الأولى الثامن، العشرين من ديسمبر الحالي، حيث دشنت لجنة الدعوة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ندوة تحت عنوان: "نصر النبي ﷺ بين المحصول والمأمول".
افتتح الندوة د. محمد الصغير رئيس اللجنة وعضو مجلس الأمناء بالاتحاد، مبينا تبني فرنسا ورئيسها للرسوم المسيئة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت ردة الفعل الشعبية بمقاطعة منتجات فرنسا معبرة عن مكانة رسول الله ﷺ في القلوب، في ظل غياب ردة الفعل الرسمية.
وأضاف د. الصغير، نظرا لأهمية هذا السلاح الحضاري دعت لجنة الدعوة كوكبة من علماء الأمة وأهل الاختصاص للتأكيد على استمرارية المقاطعة، وبيان مشروعيتها وأهميتها.
استهل الندوة فضيلة الشيخ على القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكانت كلمته بعنوان "فقه الميزان"، واستهلها بتوضيح قيمة هذه الندوة قائلا إن شرف العلوم والأحداث بشرف نسبتها وهذه الندوة تدور في مجموعها عن النبي ﷺ ونصرته وهو دلالة على أهميتها.
ووضح القره داغي، أن هناك ميزانين للتعامل أولهما ميزان السلم ويقوم على البر والإحسان واللين والقول الحسن، وميزان الاعتداء سواء على ديننا أو أمتنا أو نبينا ﷺ وهو ميزان الشدة والغلظة مع العدل والمواجهة الشاملة بصفة عامة، وفي القلب منها المقاطعة الاقتصادية وقد دلل على ذلك بجملة من أدلة القرآن والسنة.
وانتقل القره دغي، للحديث عن الآية الكريمة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) موضحا أن كل من تعاون مع فرنسا أو ساهم في شراء بضائعها فهو مشارك معها في الاثم.
وعن العلماء والدعاة الذين يقولون إن المقاطعة عمل منوط بولي الأمر، أوضح فضيلته أن ولاة الأمور هم الحكام والعلماء فمتى تخاذل الحكام وجب على العلماء أن يقودوا الأمة.
وختم كلمته بوصية لعموم المسلمين بالثبات على الدين وقيمه الكريمة ومفاهيمه السامية لأن أعداء الأمة لهم هدفان أما الأول: فهو محو الدين من صدور المسلمين بالكلية وهو يستحيل في مجموعها؛ والثاني: والذي تدور حوله الصراعات الدولية هو محاولة خلق دينٍ جديد وفق معايرهم وقد نبهنا الله لذلك بقوله "ويبغونها عوجا".
وكانت ثاني كلمات الندوة للدكتور ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، وتحدث فيها حول موقف الشعب التركي الموحد من رفض الإساءة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم تعبيرا عن مكانته الكبيرة في قلوبهم، وكيف حظيت المقاطعة باهتمام مكثف من الدولة التركية بكل مستوياتها وفي المقدمة الرئيس أردوغان وهو الرئيس الوحيد الذي دعا شعبه للمقاطعة ووجه للرئيس الفرنسي تعبيرات قاسية تليق بحجم الإساءة التي ارتكبها، مما حمل فرنسا على استدعاء سفيرها في أنقرة للتشاور.
وأضاف د. أقطاي، أن الأمر لم يقف عند ذلك، مؤكدا أن تركيا تسعى لتجريم الإساءة إلى المقدسات الدينية وتتابع بقلق بالغ حملة التضييق التي يتعرض له المسلمون في الغرب لاسيما وأن أعداد الأتراك بالملايين هناك.
وأشار أقطاي، إلى شعار "العالم أكبر من خمسة" بأن الرئيس التركي أردوغان يؤكد دائما في المحافل الدولية على وجوب أن يكون للمسلمين تمثيلا عادلا داخل الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، ولا يتحكم في العالم خمس دول ليس من بينها دولة مسلمة.
وفي ختام كلمته ثمّن د. أقطاي، كل جهد شعبي أو رسمي بُذل في هذه المقاطعة، كما وضح أن المأمول أن ينضم حكام الأقطار الإسلامية إلى شعوبهم في هذه الحملة لأن الشعوب أبقى من الحكومات، ومالم ينصر الحكام نبيهم ويتضامنوا مع شعوبهم فإن الشعوب ستقاطعهم والتاريخ سيتجاوزهم.
ومن المغرب كانت كلمة الدكتور الحسن بن علي الكتاني رئيس رابطة علماء المغرب العربي، حول محبة النبي ﷺ وضح فيها أنها أحد مقتضيات الإيمان وثوابته وبرهان على محبة الله تعالى، وبوابة لمحبته سبحانه لعبده.
كما أكد د. الكتاني، أن الهدف من المقاطعة ليس فقط لردع الهجوم الفرنسي بل للدفاع عن مسلمي فرنسا ومن ورائهم سائر الأقليات الإسلامية الأخرى.
ثم انتقلت الكلمة إلى الشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا وعضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
وكانت كلمات الشيخ الددو، مفعمة بالحماس والمشاعر، مليئة بالأدلة الشرعية تعبيرا عن دعمه الدائم والمستمر لهذه الحملة منذ نشأتها.
ومن أبرز ما جاء في حديث الشيخ الددو، أن نصرة النبي وتعزيره وتوقيره أحد مقاصد الشرعية وأسبابها، مستعرضا نماذجًا من هذا التعظيم والتوقير منذ نشأت الدعوة وحتى الوقت الراهن، وكيف أن ما قامت به فرنسا مخالفة صريحة لأحكام المحكمة الأوربية.
واستعرض الددو، في كلماته كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من مارس الحرب الاقتصادية وأنها مؤثرة جدا وإن ادعى البعض خلاف ذلك، وأنها هي السلاح النافذ الذي لا يتوفر لعموم المسلمين غيره في الوقت الراهن مشددا على ضرورة أن يكون العلماء والدعاة والقادة في مقدمة هذه الحملة حتى تؤتي ثمارها آملا في الوقت ذاته أن تستمر هذه الحملة لمقاطعة فرنسا ويزداد زخمها حتى تصل إلى أهدافها والتي حصرها في نقاط ثلاثة:
- الاعتذار الرسمي الفرنسي عن الإساءة للدين وشخص النبي ﷺ.
- سن قوانين وتشريعات تجرم ذلك حتى لا يتكرر.
- رد ما صودر من المسلمين في فرنسا وعلى رأسها المساجد والجمعيات ومنح المسلمين حرية الحياة بلا قيود على أساس ديني.
وعلى صعيد الحدث الاقتصادي جاءت كلمة دكتور أحمد ذكر الله أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر الشريف، والتي اشتملت على عدة حقائق اقتصادية على رأسها تعريف المقاطعة الاقتصادية وهو: "إحداث تغير نسبي لسياسات الدول المستهدفة، وهذه المقاطعة ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة أيضا، وهذا التغير له سقف أعلى كما ذكر الشيخ الددو، وله سقف أدنى وهو تغيير الحكومة لهجة الخطاب".
وذكر أن لهذه المقاطعة سياق شرعي متمثل في موقف الصحابي الجليل ثمامة بن أثال، وسياق حالي مرتبط بالمجتمع الدولي وضرب أمثلة عدة للمقاطعة في العصر الحديث وعلى رأسها مقاطعة الأمم المتحدة لدولة العراق التي أودت بحياة مئات الألاف من العراقيين!
وأضاف د. ذكر الله، أن سلاح المقاطعة مشروع شرعا وقانونا وفي العرف الدولي، مستعرضاً زمرة من الحقائق الاقتصادية المرتبطة بالمقاطعة والاقتصاد الفرنسي، منها: أن الاقتصاد الفرنسي رأس مالي قائم على تكريس الثروة في يد الأغنياء، وهو ما سبب ثورة السترات الصفر حتى قبل الكورونا، كما أن هذا الاقتصاد قائم بنسبة 9% منه على السلع الترفيهية مثل مستحضرات التجميل وغيرها، وهو ما يعني أنه يمكن الاستغناء عنه بالكلية من المقاطعين بما يعود بالضرر على فرنسا، والوفرة المالية على المقاطعين.
ومن بين الحقائق الاقتصادية التي ذكرها د. أحمد ذكر الله، أن التبادل التجاري مع الدول العربية والإسلامية يأتي في المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي وهو ما يعني أن تأثير المقاطعة وتداعياتها ستكون شديدة.
إلا أنه دعا إلى عدم التهويل في المردود المتوقع من المقاطعة إذ أنها ليست مقاطعة رسمية بل شعبية –فيما عدا تركيا- تقودها منظمات المجتمع المدني مما يجعلنا نرفع لها القبعة ولكن بلا تهوين ولا تهويل وما ساعد على انتشار المقاطعة ويجب الإفادة منه هو انتشار أدوات التواصل الاجتماعي وسهولتها.
واستعرض جانبا من التأثير الناجم عن تضافر المقاطعة والإغلاق العام وكورونا على قطاع الصناعة في فرنسا وزيادة البطالة.
وفي نهاية كلمته طالب د. ذكر الله، أن تتحول المقاطعة من مناشدات ودعوات إلى عمل مؤسسي واقترح تأسيس مؤسسة باسم المناصرة وتكون لمناصرة الإسلام والمسلمين والشعوب والأقليات الإسلامية، ويكون دورها هو الاشتباك مع المقاطعة وما يشبهها من قضايا الواقع المعاصر وتقديم الإجابات للتساؤلات الشرعية وغيرها التي تطرح، كما تقوم بالتشبيك بين القطاعات المختلفة التي تقوم بالمقاطعة مثل الغرف التجارية في العالم الإسلامي وما بين منظمات المجتمع المدني والجماهير.
وعلى نسق تطوير المقاطعة جاءت كلمة الأستاذ أشرف توفيق الناشط الحقوقي ومدير مؤسسة نجدة للحقوق والحريات، بعدما ذكر تعريفا أخر للمقاطعة بأنها فعل سلبي أو الفعل بالامتناع، دعا إلى التحول للفعل الإيجابي من خلال تطوير المقاطعة إلى مقاضاة فرنسا أو رئيسها أمام المحكمة الأوروبية وفقا لأحكام القانوني الدولي، وكذا دستور المحكمة الأوروبية والتي تُعدُ أعلى درجة تقاضي ملزمة لأعضائها، والتي وقعت عليه فرنسا في عام 1974م.
وبيّن د. توفيق، أن تحريض ماكرون وتبريريه لجريمة الرسوم المسيئة للنبي المكرم ﷺ يضعه في خانة الفاعل الأصلي، كذا تبني الدولة لهذه الرسوم وعرضها على المباني يمثل جريمة دولية مكتملة الأركان وفقا للمادة الثانية من القانون رقم 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي لم تفصل بين خطاب الكراهية وفعل التحريض في إطاره العام وحددته بأنواع ثلاث "الكراهية العنصرية والقومية والدينية"
واستطرد توفيق موضحا أن ماكرون خالف أيضا الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في المادة 10 البند 2 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة، بما يعني أنه يمكننا التحرك من الفعل السلبي إلى الإيجابي بملاحقة ماكرون قانونيا وكل من يتطاول على مقدساتنا، وقد نصت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مادة رقم 13 على أنه لكل من انتهكت حقوقه المقررة في هذه الوثيقة الحق في الانتصاف أمام وسيلة فاعلة حتى وإن صدرت هذا التعدي من موظفي الدولة.
ونوه د. توفيق، إلى السابقة القضائية لهذه المحكمة ففي عام 2009 قضت أحد محاكم النمسا في واقعة بتغريم امرأة أساءت لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، وتم الطعن أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي بدورها قضت بتأييد حكم الغرامة، مؤكدة أن سب النبي والإساءة للمقدسات لا يندرج تحت حرية التعبير ومقر هذه المحكمة في فرنسا وأحكامها ليست فقط ملزمة بل هي تعد سابقة قانونية تطالب الدول الأعضاء بتغير تشريعاتها لما يتوافق مع أحكام هذه المحكمة.
وفي سياق متصل جاءت كلمة د. سيف عبد الفتاح والتي آثر أن يشارك بها في مؤتمر اللجنة الأول اعتزازا بها ونصرة للنبي ﷺ -رغم مرضه- وعبر فيها عن أصالة هذه المقاطعة وأنها فعل حضاري ممتد للأمة في نصرة النبي والانتفاض لدينه.
وأكد د. سيف عبدالفتاح، أن خطورة ما قامت به فرنسا وكذب الادعاء بأنها حرية تعبير بل هي دعوات عنصرية، وأنها مشاركة إيجابية من كافة شرائح الأمة.
كما رد د. سيف، على مزاعم القائلين بأنها ليست ذات تأثير معربا أن التأثير لا يقاس بالبعد الاقتصادي هنا أو هناك ولكنها تقاس بعمل تراكمي ممتد في تاريخ الأمة يعبر عن وعيها ووصفها كأمة من خلال هذه المواقف، وأضاف: علينا أن ننظر إليها بتكامل الجزئيات والكليات عبر مواقف هذه الأمة الممتدة مكانا وزمانا مما يؤكد أنها فعل حضاري جماعي مسؤول يحمل طاقات إيجابية ودلالات جوهرية لوجود الأمة، والأمة كما ذكرها دكتور حامد ربيع لها وجود مادي ومعنوي والأخر المجرد هو الباقي والممتد، وهو ما كشفت عنه هذه المقاطعة.
هكذا ذكر د. سيف، واستطرد قائلا أن هذا الموقف والذي قد يبدو بسيطا إلا أنه يشير إلى حيوية هذه الأمة وبقائها، مشيرا في هذا الخصوص لحديث سابق لمادلين أولبرايت والتي تحدثت عن عجزها في تفسير كيف تلتقي هذه الأمة مترامية الأطراف والثقافة والفكر برغم كل ما تعانيه في لحظة واحدة على قضية واحدة كقضية القدس أو ما شابهها، وهو ما يدلل على عظمة هذه الأمة ووجودها المعنوي الذي خالطتى فبه العقيدة فيه اللحم والدم.
وأكد د. سيف، أن المقاطعة ليست اقتصادية فقط بل يجب أن تكون فكرية وثقافية وحضارية والبحث عن بديل لإيصال رسالة متراكمة.
وبهذه الكلمة اختتمت الندوة، والتي افتتحت بها لجنة الدعوة انطلاقة جديدة تناسب حجم هذه الأمة وتتوافق مع مشكلاتها وواقعها.
كتبه. أحمد رشدي
مقرر لجنة الدعوة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين