هــــل هــــــذه حـــرب جــديــــــــــدة؟
بقلم: د. عمار طالبي (عضو الاتحاد)
إنها حرب الكترونية جاسوسية تخترق أسرار الدول، وتهاجمها في عقر دارها، وفي مؤسساتها الأساسية بما في ذلك وزارة الدفاع، هذا أمر خطير لم تنج منه الدولة الكبرى وهي الولايات المتحدة التي تظن أنها تحمي نفسها من هذه الحرب الالكترونية، إن هؤلاء القراصنة ليسوا كقراصنة البحر قديما يهاجمون السفن في البحار وفي الموانئ، وإنما هم يهاجمون حصونا أخرى الكترونية ويسرقون محتوياتها، وهي ليست ذهبا ولا فضة، ولا نقدا، وإنما هي معلومات سرية خطيرة تهدد بها أمن الدول، وتدمّر ما يظن أنه يمنع من الاختراق، والهجوم، وهذه الحرب أخطر من حروب الصواريخ، والبوارج، والطائرات المسيرة دون طيار، فهل تستطيع الدول اليوم أن تمنع نفسها من هذه الحروب الالكترونية التي لا تكلّف قراصنتها إلا اللعب بالانترنت وبالمهارة الفنّية، في توجيه الالكترونات.
هذا بالنسبة للدول الكبرى المتقدمة في هذا المجال، فما بالك بالدول الأخرى فإنها تكون فريسة سهلة للصيد، والاختراق، إذ ليس لها قدرة على حماية أسرارها من هذا الهجوم الكاسح المخترق.
وإذا كانت المركبات الفضائية، تصور المجال المحسوس للمدن، والمؤسسات الواضحة بأبنيتها، وصروحها العالية، فإن هذا الهجوم الالكتروني يذهب إلى الأعماق، إلى المكتوم، إلى الحروف والكلمات وسماع الهواتف، واستراق السمع، وهو ما تفعله الشياطين والجن التي كانت تسترق السمع، وتتجوسس على أخبار السماء، وما يخبؤه الغيب، وإن كانت تُرسل عليها الشهب الحارقة، والنيران الملتهبة والنيازك التي تصل أحيانا إلى الأرض.
إلا أن هذا الهجوم الالكتروني لم يجد حاليا شهبا الكترونية تمنعه من الدخول إلى أهدافه، وإلى أسرار الدول، وما تخفيه مؤسساتها من معلومات مخزونة بعيدة عن أعين الناس ووسائلهم الإعلامية، ومشفّرة بإحكام، فهل تجدي بعد هذا كله الصواريخ البعيدة المدى، والطائرات التي تقطع آلاف الكيلومترات والأسلحة النووية النائمة؟
إن العالم اليوم دخل مرحلة جديدة، لم يكن له عهد بها، كما أن هذا الفيروس هاجمه فجأة، فعطل حياته وأدويته، وحيّر علماءه وخبراءه، ودمّر اقتصاده، وأفنى آلافا من سكانه، ومازالت جوانب منه مجهولة، ولا يُدرى كيف يتصرف، ويتخيّل، ويغير أسلوبه في النفاذ إلى أجساد الناس وجهازهم التنفسي، وهتكه والقضاء عليه.
فعلى شبابنا اليوم أن يتجه للبحث العلمي، فهو القوة التي تُكسب كل قوة أخرى غيرها، ولهذا قالوا باقتصاد المعرفة ولكن أين نحن منها؟ عليه أن يخترق الجهل، وأن يدخل عالم العلم الذي لا حدّ له ولا نهاية.
لهذا ندرك لماذا لم يأمر الله نبيه أن يطلب الزيادة في شيء إلا في العلم ﴿وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا﴾ [طه/114]، ولم يقل له أن يطلب الزيادة لا في الجاه، ولا في السطوة ولا في الثروة.
وما أصيب العالم الإسلامي إلا من هذا الجانب الذي تخلف فيه إلى يومنا هذا، فمتى يستفيق، ومتى ينهض؟ لقد طال عهده بالخمول والجهل.