دعا كبار العلماء في العراق، جميع العراقيين الى استعادة سيادة بلدهم المفقودة من خلال مواصلة العمل لانهاء النفوذ الاجنبي وبقايا الاحتلال الغاشم, ورفض كل اشكال الهيمنة والوصاية والتدخل الخارجي في رسم سياسة العراق. وأكد العلماء في بيان صدر في ختام اللقاء التشاوري ـ الذي عقد في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، وناقشوا خلاله على مدى يومين ثلاثة محاور تناولت الاوضاع الحالية والمستجدات التي يعيشها العراق ـ أهمية الالتزام بوحدة العراق ورفض تقسيمه تحت أي ظرف أو عنوان، والحرص على إبقاء إنموذج العراقيين التاريخي في التعايش السلمي .. موضحين ان العراق اسم جامع لكل أبنائه بمختلف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم ويتساوون في المواطنة حقوقاً وواجبات.
وحمّل البيان، العملية السياسية الحالية ودستورها، مسؤولية ما لحق بالعراق وشعبه من أزمات وتداعيات أضرت بوحدته ومستقبله في شتى الميادين .. لافتا الانتباه الى ان أي عملية سياسية يراد لها النجاح لابد أن تتجنب منهج المحاصصات الطائفية والعرقية، وأساليب الإقصاء والتهميش.
واستعرض البيان الاوضاع المأساوية التي يعيشها العراقيون نتيجة التدهور الامني والتفجيرات المتواصلة التي تسببت بمقتل واصابة الالاف من أبناء هذا الشعب تحت سمع وبصر الحكومة الحالية التي لن تحرك ساكنا، ما يؤكد فشل اجهزتها الامنية وعجزها عن توفير الأمن للمواطنين الذين يدفعون ضريبة باهضة من دمائهم وكرامتهم وممتلكاتهم جراء ذلك .. مشيرا الى حملات الاعتقال العشوائية الظالمة التي نتج عنها زج مئات الالاف من الابرياء في السجون الحكومية السرية والعلنية، اضافة الى حملات التهجير الطائفي والعنصري التي تنفذها الأجهزة الأمنية والعسكرية والتي وصلت الى أكثر من أربعة ملايين شخص في خارج العراق وما يزيد على ثلاثة ملايين داخله.
كما تطرق البيان الى الفساد المالي والإداري المستشري في الوزارات والمؤسسات الحكومية والذي وصل حداً ليس له نظير في أية دولة بالعالم، حيث اعترفت ما تسمى لجنة النزاهة في مجلس النواب الحالي بأن حجم الأموال التي تم تهريبها الى خارج العراق منذ عام 2003 وصل الى (130) مليار دولار، في الوقت الذي يكابد فيه أبناء العراق شظف العيش ويفتقرون الى ابسط ملتزمات الحياة كالكهرباء والماء الصالح للشرب والرعاية الصحية، اضافة تفاقم البطالة وارتفاع حالات الفقر والأمية.
وحيا علماء العراق الوقفة المشرّفة للمتظاهرين والمعتصمين في ساحات العزة والكرامة والغيرة والشرف منذ أكثر من ثمانية أشهر، واكدوا إدانتهم للجرائم البشعة التي ارتكبتها الحكومة الحالية وأجهزتها الأمنية ضد المعتصمين السلميين في مدن (الفلوجة والموصل والحويجة وجامع سارية بمحافظة ديالى) وغيرها وطالبوا بملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم قانونياً وتقديمهم الى المحاكم المحلية والدولية، كما اوصي العلماء، ابناء المحافظات الست المنتفضة بمواصلة الصبر والمطاولة وعدم السماح للمندسين بتشويه وجه التظاهرات الناصع، وعدم السماح للسياسيين والنفعيين بأن يركبوا موجة هذه التظاهرات والاعتصامات، للوصول الى أهدافهم الخاصة.
وفي ختام بيانهم دعا المجتمعون، جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية؛ للوقوف إلى جانب الشعب العراقي في محنته، وإيلائه ما يستحقه من اهتمام؛ كما طالبوا المجتمع الدولي بتبني سياسة جديدة تناسب مع ما ارتُكب ضد العراق وأبنائه من ظلم وقهر وتنكيل وجرائم ضد الإنسانية، أُزهقت فيها الأرواح وبُددت الأموال وسُرقت الخيرات والثروات.
وفي ما يأتي نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: ((وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)). التوبة: 122
وقال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)).النساء: 83
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الأحداث المتسارعة التي تجري في الساحة العراقية من قتل وتهجير وانتهاك للحرمات وزج للعراقيين في السجون والاستهانة بإنسانية الإنسان العراقي؛ تستدعي من الأمة أن تشمر عن ساعد جدها وتقف وقفة رجل واحد بوجه الظلم والظالمين الذين لا يرقبون في عراقي إلاً ولا ذمة، وأن يتركوا وراء ظهورهم كل أسباب الفرقة والتمزق والتشتت التي كانت السبب الرئيس لتسلط هؤلاء الطغاة على رقاب الناس.
من أجل ذلك تداعى جمع من كبار علماء العراق للفترة (14_15/شوال/1434هـ الموافق 21_22/8/2013م) للقاء تشاوري دارت فيه مناقشات مستفيضة في محاور ثلاثة، الأول منها في الأسس والثوابت والثاني في الأوضاع الحالية والمستجدات والثالث في التظاهرات والاعتصامات الشعبية.. وتوصلوا الى الآتي:
المحور الأول: الأسس والثوابت
أولاً: سيادة العراق
سيادة العراق مفقودة يتعين على العراقيين استعادتها، ومن أبرز ما يساعد على تحقيق ذلك: العمل المستمر في سبيل إنهاء النفوذ الأجنبي وبقايا الاحتلال، ورفض أي شكل من أشكال الهيمنة أو الوصاية الخارجية، أو التدخل في رسم سياسة العراق من قبل أية جهة كانت.
ثانياً: وحدة العراق
يجب على العراقيين بكل مكوناتهم أن يلتزموا بوحدة العراق ويرفضوا تقسيمه تحت أي ظرف أو عنوان، كما أن عليهم الحرص على إبقاء إنموذجهم التاريخي في التعايش السلمي.
ثالثاً: هوية العراق
العراق اسم جامع لكل أبنائه على مختلف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم ويتساوى جميعهم في المواطنة حقوقاً وواجبات.
رابعاً: العملية السياسية والدستور
العملية السياسية بأسسها القائمة ودستورها الحالي مسؤولان عما لحق بالعراق والعراقيين من تداعيات أضرت بواقع العراق ووحدته ومستقبله في شتى الميادين، وهما بهذا النحو غير صالحين أبدا للانتقال بالعراق إلى بر الأمان وناصية الخلاص، وأي عملية سياسية يراد لها النجاح لابد أن تتجنب منهج المحاصصات الطائفية والعرقية، وأساليب الإقصاء.
المحور الثاني: الأوضاع الحالية والمستجدات
أولاً: حوادث التفجير
تطال الشعب العراقي بشكل منظم ومستمر تفجيرات يسقط من جرائها المئات والآلاف من أبناء هذا الشعب، وهي لا تفرق بين مكون وآخر، وكل ذلك يحدث تحت سمع الحكومة وبصرها ولا تحرك ساكنا؛ على الرغم من كون الملف الأمني كاملاً بيدها.
وإذا أردنا أن نتجاهل تصريحات مسؤولين حكوميين أكدوا فيها أن من يقوم بهذه التفجيرات يحملون هويات الحكومة ويستعملون سياراتها ويرتبطون بمسؤوليها؛ فإن أقل ما يقال في هذا الصدد: إن الحكومة الحالية عاجزة عن توفير الأمن للمواطنين، وإن الضريبة التي دفعها شعبنا من دمه وكرامته وممتلكاته جراء ذلك العجز باهظة جداً، وهي كافية لإدانة هذه الحكومة وتأكيد عدم شرعيتها.
ثانياً: الاعتقالات والتهجير
المعتقلات والسجون في العراق لا حصر لها، وتضم مئات الآلاف من الأبرياء، منها ما هو سري ومنهاما هو علني، وقد وصلت الحكومة حد الهوس في الاعتقال اليومي العشوائي.
كما أن حملات التهجير الطائفي والعنصري التي تقوم بها أجهزة الحكومة الأمنية والعسكرية لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، والإحصاءات التي صدرت عبر منظمات دولية تؤكد أن أعداد المهجرين خارج العراق بلغت أكثر من أربعة ملايينفي حين أن أعدادهم داخل العراق تزيد على ثلاثة ملايين.
وتشهد مدينة بغداد وما حولها ومحافظة ديالى وغيرهما من المحافظات هذه الأيام حملات تهجير شرسة تقوم بها ميليشيات بدعم من الأجهزة الأمنية الحكومية، فضلاً عن عمليات الاغتيال المنظمة والممنهجة بالأسلحة الكاتمة وغيرها.
ثالثاً: الفساد المالي والإداري
بلغ الفساد المالي والإداري حداً ليس له نظير في أية دولة من دول العالم، وإذا اكتفينا بشهادة الحكومة على نفسها فإن لجنة النزاهة النيابية أقرت بأن حجم الأموال التي هربت الى خارج العراق منذ عام 2003 يصل الى 130 مليار دولار، وأن هيئة النزاهة بصدد تحريك دعاوى بحق أكثر من 200 نائب لعدم الكشف عن ذممهم المالية؛ في حين يعيش أبناء العراق في غياب كامل للبنى التحتية، وفقدان الكهرباء والماء الصالح للشرب والرعاية الصحية في حدها الأدنى وارتفاع نسب البطالة والفقر والأمية، وذلك كله هو الآخر لا يبقي للحكومة أية شرعية.
المحور الثالث: التظاهرات والاعتصامات الشعبية
يحيي العلماء الموقعون على هذا البيان الوقفة المشرفة للمتظاهرين والمعتصمين في ساحات العزة والكرامة والغيرة والشرف منذ أكثر من ثمانية أشهر، ويعدون التظاهرات والاعتصامات الشعبية السلمية للمطالبة بالحقوق المسلوبة ورفع الظلم؛ ضرباً من ضروب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن أهم الوسائل للوصول إلى الأهداف. كما يحيي العلماء التظاهرات الشعبية التي بدأت طلائعها في المحافظات الجنوبية، ويطمحون إلى أن ينتظم في هذا الاحتجاج الشعبي أبناء العراق جميعا.
ويؤكد العلماء إدانتهم للجرائم البشعة التي ارتكبتها الحكومة وأجهزتها الأمنية بحق ساحات التظاهر والمعتصمين فيها في (الفلوجة) و(الموصل) و(الحويجة) و(جامع سارية) بديالى وغيرها من الساحات، ويطالبون بملاحقة المسؤولين عنها قانونياً وتقديمهم للمحاكم المحلية والدولية.
كما يوصي العلماء في هذا الشأن بالآتي:
أ. المطاولة وطول النفس في مثل هذا العمل المبارك من قبل أبناء شعبنا في المحافظات الست، الذي نشد فيه على أيديهم ونقف فيه إلى جانبهم .
ب. المحافظة على سلمية هذه التظاهرات وعدم السماح للمندسين بتشويه وجهها الناصع.
ج. عدم تسييس التظاهرات والاعتصامات، وعدم السماح للسياسيين والنفعيين بأن يركبوا موجتها للوصول الى أهدافهم الخاصة.
دعوة:
يدعو المجتمعون جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية؛ للوقوف إلى جانب الشعب العراقي في محنته، وإنصاف العراق وإيلائه ما يستحقه من اهتمام؛ لأنه دولة لها تاريخها وثقلها في التوازنالاستراتيجي في المنطقة، كما يدعون المجتمع الدولي إلى أن يتبنى سياسة جديدة في التعامل مع أوضاع العراق بجدية وإنسانية تناسب ما ارتُكب في حق أبنائه من ظلم وقهر وتنكيل وجرائمضد الإنسانية، أزهقت فيها الأرواحوبددت فيها الأموال وسرقت فيها الخيرات والثروات.
والله نسأل أن يحفظ العراق وأهله وأن يجمعهم على كلمة سواء إنه سميع مجيب.
هذا ووقع البيان كل من:
الأستاذ الدكتور: أحمد عبيد الكبيسي
الأستاذ الدكتور: عبد الملك عبد الرحمن السعدي
الأستاذ الدكتور: أحمد حسن الطه
الأستاذ الدكتور: محمد رمضان عبدالله
الأستاذ الدكتور: هاشم جميل عبد الله
الأستاذ الدكتور: عبد الله محمد الجبوري
الأستاذ الدكتور: رافع طه الرفاعي
الأستاذ الدكتور: حسين خلف الجبوري
الأستاذ الدكتور: حارث سليمان الضاري
الأستاذ الدكتور: عبد الحميد حمد العبيدي
الأستاذ الدكتور: محمد عبيد الكبيسي
الأستاذ الدكتور: عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي
الأستاذ الدكتور: مساعد مسلم آل جعفر
الأستاذ الدكتور: عيادة أيوب الكبيسي
الأستاذ الدكتور: عبد المنعم خليل الهيتي
الأستاذ الدكتور: إسماعيل كاظم العيساوي
الشيخ: عدنان وهاب العاني