البحث

التفاصيل

مقاصد الدعوة عند العلماء والمصنفين في علوم الشريعة

مقاصد الدعوة عند العلماء والمصنفين في علوم الشريعة

بقلم الدكتور نجوغو امباكي صمب (عضو الاتحاد)

الحلقة (9)

 

إن البحث في مقاصد الدعوة قديم قدم النظر والتأمل في مقاصد الشريعة وغاياتها وأسرارها، وقدم البحث في تاريخ الأنبياء وقصصهم، حيث تحدث عنها الفقهاء والأصوليون والمتكلمون ومؤرخو الأديان، والدعاة والمفكرون، كل طائفة تنطلق من زاوية مختلفة، وتعبر عنها بلسان فنها وتخصصها، وبأسلوب زمانها ومكانها ، فمنهم من يطلق عليها (( الضروريات والكليات))، و من يسميها (( أصول الشرائع )) ومن يدعوها ب ((الدين الجامع )) أو ((الملة الواحدة )) ، واشتهر عند المتأخرين مصطلح (( مقاصد الدعوة العامة )) ، أو ((ركائز الدعوة الرئيسية)) وهكذا.

وممن تحدث وأشار إلى هذا الموضوع في مؤلفاتهم ورسائلهم من العلماء على سبيل المثال للحصر:

  1. العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى

لا يمكن لمتحدث عن المقاصد الشرعية وفروعها العلمية وتجلياتها المنهجية أن يتجاوز سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى ، ويتجاهل موسوعته الجليلة ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام ) .

وقد لخص رحمه الله مقاصد القرآن الكريم في الكتاب والسنة في (الدعوة إلى الخير) والتحذير من ضده وهو الشر والعياذ بالله ، قال رحمه الله (( وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مَقَاصِدَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلِعِلْمِنَا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِكُلِّ خَيْرٍ دَقَّهُ وَجَلَّهُ، وَزَجَرَ عَنْ كُلِّ شَرٍّ دَقَّهُ وَجَلَّهُ، فَإِنَّ الْخَيْرَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَالشَّرَّ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَلْبِ الْمَفَاسِدِ وَدَرْءِ الْمَصَالِحِ))[1] .

والله تعالى جعل الدعوة إلى : الخير، والأمر ب : المعروف ، والنهي عن : المنكر ، فقال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[2]، ولا شك أن (الخير) مشتمل على جميع المصالح والمنافع، فكل ما يحقق المصالح ويكثرها فهو من المدعو إليه شرعا ، ولذلك فمعظم مقاصد القرآن حسب العز بن عبد السلام : ((الأمر باكتساب المصالح وأسبابها ، والزجر عن اكتساب وأسبابها)) ، وذلك في الدنيا والآخرة ، ومصالح الآخرة أعظم وأبقى ، بل لا مقارنة بينها .

ويشهد على ذلك جواب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيعة العقبة الثانية لما سألوه عما لهم إذا وفوا بشروطها ، لما قال لهم : (( أسألكم لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم ، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم  الجنة ، قالوا: فلك ذلك)). [3]

وبهذا نعلم بأن المقصد الأعلى والغاية الكبرى للدعوة إلى الله هو دخول الجنة ونيل رضوان الله تعالى ، وليس العلو في الأرض ولا شيء من نعيم الدنيا الزائل ، يقول العز بن عبد السلام رحمه الله ((فَلَا نِسْبَةَ بِمَصَالِح الدُّنْيَا وَمَفَاسِدِهَا إلَى مَصَالِحِ الْآخِرَةِ وَمَفَاسِدِهَا، لِأَنَّ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ ، خُلُودُ الْجِنَانِ وَرِضَا الرَّحْمَنِ، مَعَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَيَا لَهُ مِنْ نَعِيمٍ مُقِيمٍ، وَمَفَاسِدَهَا خُلُودُ النِّيرَانِ وَسَخَطُ الدَّيَّانِ مَعَ الْحَجْبِ عَنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَيَا لَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ))[4].

يتبع .....

 


[1] قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، تأليف عز الدين عبد العزيز ، 2/189 ، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة 1414 هـ

[2] سورة آل عمران ، الآية 104

[3] مسند أحمد ، 28 /310 ، برقم ( 17078)

[4] قواعد  الأحكام ، 1/8

 


: الأوسمة



التالي
تجاذب المقاصد وأسرار التشريع "نظرة في فقه القصاص"
السابق
حضارة التوازن والتكامل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع