الاعجازالعلمي في سورة العنكبوت
د . زغلول النجار
قال تعالى: *مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* (العنكبوت: 41).
هذه الآية الكريمة تؤكد كلاً من الضعف المادي والمعنوي للذين اتخذوا من دون الله أولياء، وتشبه حالهم ببيت العنكبوت، تلك الحشرة التي لا حماية لها ولا وقاية في بيتها الواهن الضعيف، الذي لا يدفع عنها حراً ولا برداً، ولا يحميها من المطر ولا غيره من صور الأذى، فبيوت العنكبوت التي تبنيها الأنثى لسكناها هي بيوت دقيقة الصنع، لأنها مكونة من خيوط على درجة فائقة من الرقة، وتتشابك هذه الخيوط مع بعضها البعض تاركةً مسافات كبيرة فيما بينها، وهذا مما يجعل نسيجها أضعف من نسيج أي بيت مادي يتخذه أي حيوان آخر مأوىً له، مع العلم بأن شدة هذه الخيوط تفوق شدة أمثالها من الصُلب بدرجات كبيرة!!
والقرآن الكريم استخدم لفظ العنكبوت كمفرد يدل على الأنثى، فالعرب أنثوا كلاً من مفرد العنكبوت والنمل والنحل والدود، والتأنيث هنا هو تأنيث لغوي، لا علاقة له بالتأنيث الحيوي.
وفي تشبيه لجوء المشركين إلى غير الله تعالى بلجوء أنثى العنكبوت إلى بيتها الواهي الضعيف هو تشبيه معجز، لأن بيت العنكبوت لا يقيها من تقلبات الطقس، ولا يحميها من تغيرات الجو، ولا من أخطار المهاجمين، وكذلك كل ما عبد من دون الله تعالى، لأن هذا الصنم أو الوثن لا يملك لعابده نفعاً ولا ضراً، فالنافع والضار في هذه الحياة هو رب هذا الكون ومليكه، من هنا فإنه لا ملجأ ولا منجى للإنسان إلا باللجوء إلى خالقه سبحانه وتعالى.
وذكر العنكبوت بالإفراد يشير إلى الحياة الفردية لهذه الحشرة، والإشارة إليها بالتأنيث (اتخذت بيتاً) هو تأكيد على أن الذي يبني بيت العنكبوت هي الأنثى، ووصف بيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت هو وصف فائق الدقة من الناحيتين المادية والمعنوية، فمن الناحية المادية نلاحظ أن بيت العنكبوت مكون من خيوط دقيقة متعارضة ومتشابكة، تاركة بينها مسافات مفتوحة عديدة لا تعطي ما في داخلها أدنى قدر من الوقاية أو الحماية، على الرغم من القوة الهائلة لتلك الخيوط. أما من الناحية المعنوية فإن هذا البيت محروم من كل معاني المودة والرحمة، وذلك لأن الأنثى تفترس زوجها بمجرد إخصابها، وكذلك صغارها يقتتلون بعد فقس البيض، فيقضي بعضهم على بعض.
ولو أن المشركين الذين اتخذوا من دون الله أولياء يعلمون هذه الحقائق ما لجؤوا لغير الله، وذلك لأن أوليائهم الذين يعبدونهم من دون الله لا يستطيعون نفعهم بشئ، كما لا يستطيع بيت العنكبوت نفع ما في داخله من الأحياء بشئ.
هذه الحقائق لم تكن معروفة لأحد من الخلق قبل بعثة رسول الله ﷺ، وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ١٤٠٠ سنة على نبي أمي ﷺ ، وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين يعد سبقاً علمياً لا يمكن لعاقل أن يفسره إلا بكونه بياناً من الله الخالق سبحانه وتعالى.
القران والعلم تفسير القران