اعتذار للبطل صلاح الدين
بقلم: د. محمد راتب النابلسي (عضو الاتحاد)
نظراً لشدة الآلام التي تنتاب أمتنا، لما جرى أخيراً ومؤخراً على الساحة العربية والإسلامية، فنحن مضطرون أن نقدم اعتذارنا للبطل صلاح الدين الذي طرد الفرنجة القدامى من بلاد المسلمين، ونحن بأخطاء كبيرة ارتكبها بعضنا أعدناهم إلى بعض بلاد العرب والمسلمين.
عذراً يا صلاح الدين، إنها ردّة ولا صدّيق لها، إنها هجمة تتريّة ولا قطز لها، إنها حملة فرنجية وأنت غائب عنها.
عذراً يا صلاح الدين وأنت الذي وصلك خبر اعتراض أمير الفرنجة أرناط الذي احتل قلعة الكرك في الأردن ومن هناك راح يقطع الطريق على الحجاج المسلمين المتوجهين من الشام نحو الحجاز فكان يقتل الرجال ويسبي النساء وهو يقول لهم نادوا من ينتصر لكم، فلما سمعت ما قاله بكيت وانسابت الدموع من عينيك وقد قلت قولتك المشهورة: أنا سأنوب عن رسول الله بنصرة أمته، وهذا ما كان منك أيها البطل الذي ما هدأ لك بال ولا سكنت لك جارحة حتى وفيت بوعدك يوم حطين يوم انتصرت على ملوك أوروبا وأمرائها، ويوم وقع أرناط في الأسر فمثل بين يديك وذكرته بما قال وقلت له يا أرناط أنا أنوب اليوم عن رسول الله بالدفاع عن أمته.
عذرا يا صلاح الدين، وأنت الذي كنت كل مساء بعد أن ترجع من قتال الأعداء القدامى يوم حطين فكنت تخلع عباءتك وعمامتك وتنفض ما علق عليها من غبار في كيس، وتجمع ذلك الغبار حيث أوصيت أولادك أن إذا متَّ أن يضعوا هذا الغبار تحت رأسك حتى إذا جاءك الملكان في القبر يسألانك كما يُسأل كل إنسان عند موته في قبره فإذا رأيا ذلك الكيس من الغبار قالا ما هذا الكيس يا صلاح الدين فتقول لهم هذا غبار الجهاد في سبيل الله
فعذرا وألف عذر يا أيها القائد الفذ، لما حل بنا من بعدك، ومن أجل أن تبقى منسجماً مع إيمانك الكبير بالله نقول لك: هان أمر الله علينا من بعدك فهنا على الله، وقد تحققت نبوءة القرآن فينا: (۞ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم 59.
ومن أجل أن نطمئنك نذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دافعت عن المسلمين نيابة عنه: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، ما يضرهم من كذبهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك، فقال مالك سمعت معاذاً يقول: وهم بالشام).
وكنت إذا سمعت أن العدو داهم المسلمين خَررتَ إلى الأرض ساجدا لله تدعو بهذا الدعاء: إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل.
الأمة العربية والإسلامية تمر بمحنة عظيمة، نرجو أن تكون وراءها منحة ربانية لا شرقية ولا غربية، ولكن علوية سماوية، وتعاني هذه الأمة من شدة لم تشهد مثلها في التاريخ الحديث، نرجو أن يعقب هذه الشدة شدة إلى الله عز وجل تستحق بعدها أن تستخلف، وأن تمكن في الأرض.