القدس قضية الأمة العربية والإسلامية المغيبة تشهد
اليوم مرحلة من أعقد المراحل التي مرت بها في العصر الحديث، من تقسيم
وتهجير واضطهاد وتهويد بهدف تحويلها إلى عاصمة يهودية وتشويه معالمها
العربية والإسلامية، وطرد أهلها المقدسيين. فالاحتلال يسابق الزمن، ويسعى
إلى فرض أمر واقع في القدس من خلال التخطيط والبرامج المنهجية، في وقت
ينشغل فيه كل قطر من أقطار الأمة في همومه ومشاكله الداخلية، ويترك فيه أهل
القدس بمفردهم في مواجهة الاحتلال، دون أن يحظوا بدعم حقيقي أو حضن معنويّ
على الأقل يتمثل بتصريحات التضامن بما يليق بهيبة القدس، ويفضح جرائم
الاحتلال.
في ظل الأزمات المحدقة بالقدس والمسجد الأقصى، وفي ظل التداعيات الخطيرة
لهذه القضية، كان لنا حوار مع فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس
مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
- تتعرض
مقدساتنا بشكل عام والمسجد الأقصى بشكل خاص لسلسلة من الاعتداءات
والانتهاكات اليومية.. كيف ترى حال القدس اليوم في ظل هذا الواقع؟ وإلى أين
تتجه الأوضاع في القدس؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، و(بعد)؛
فللأسف الشديد أصبحت قضية القدس والمسجد الأقصى معزولة عن جماهير الأمة
الكبرى، فدول الجوار الفلسطيني- إلى حد كبير- غارقة في مشاكلها الداخلية،
وانشغل الناس بما يحدث في سوريا ومصر، من كوارث ومصائب مستمرة، وأعداؤنا
يتقدمون نحو أهدافهم، يريدون هدم الأقصى، وبناء هيكلهم عليه، ويخططون لذلك
ويعملون باستمرار، بالبناء من تحت، والحصار من فوق، والتهديد بصورة دائمة،
والتصدي بكل بجاحة، ونحن مهتمون بقضايانا المحلية عن قضيتنا الأولى، هذا هو
الواقع للأسف. وأقول: يجب أن تظل قضية فلسطين وقضية القدس والمسجد الأقصى،
هي قضية المسلمين الأولى، لها يرنون، وإليها يفزعون، وعليها يحافظون، وبها
يستمسكون، ومنها يستمدون، وعنها يصدرون، ولا يضنون عليها بنفس ولا نفيس،
فالقدس ليست للفلسطينيين وحدهم، إنها للمسلمين جميعا، عربهم وعجمهم، كما
أنها للعرب كافة، مسلمهم ومسيحيهم.
- كما
قلت فضيلتكم: يسعى الكيان الصهيوني في تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى
منذ احتلالها بطريقة مبرمجة واقتحامات متكررة، كيف يمكن مواجهة هذه
الاقتحامات؟
أولاً: على منظماتنا الإقليمية الرسمية؛ منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة
الدول العربية، أن تُفَعِّل ما اتُّخذ من قرارات سابقة، أصبحت للأسف الآن
حبرًا على ورق، فلا يعقل أن يكون دور هذه المرجعيات هو التعامل بردود
الأفعال والاكتفاء بالشجب؛ بل عليها أن تراجع مواقفها وأن يكون لها
استراتيجية شاملة وواضحة تجاه القدس وبرامج عمل للتصدي للاحتلال ولا بد من
مضاعفة الجهد حتى يصبح عملًا مرتبًا.
وعلى الساسة والمسؤولين والدبلوماسيين أن يتخذوا مواقف وقرارات تناسب
قدسية المسجد الأقصى، أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
الذي ربط القرآن بينه وبين المسجد الحرام في آية واحدة {سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1]
ليدلنا على أن من فرط في المسجد الأقصى، يوشك أن يفرط في المسجد الحرام.
للحيلولة دون تهويده، أو تقسيمه، أو تخريبه، ولا تصمت صمت الأموات.
كنا في السابق نعيب عليهم الاكتفاء بالشجب والتنديد، والآن حتى الشجب غير موجود.
ثانيًا: على الأمة أن تتوحد بكل مكوناتها: حكامًا وشعوبًا، وعلماء
ومفكرين، وأدباء ومثقفين، حول القدس والمسجد الأقصى، واستجماع كل أوراق
القوة، وتركيز الجهود من أجل استنزاف الاحتلال في أمنه، ومقاومته بكل الطرق
المتاحة، حتى نفهم الاحتلال الصهيوني أن مقدساتنا أغلى علينا من أرواحنا،
وأننا لن نترك الاحتلال يعبث بأقصانا ويدنس قدسنا، ونحن ساكتون.
ثالثا: على الشعوب المسلمة في المشرق والمغرب، من جاكرتا بإندونيسيا، إلى
الرباط بالمغرب، وعلى المسلمين في بلاد الإسلام وفي بلاد الغرب، وعلى
الشعوب العربية بكل أطيافها، أن تهب هبّة جماهيرية واسعة، نصرة للمسجد
الأقصى المبارك، في وجه سياسة التهويد المبرمجة التي ينفذها الاحتلال،
يومًا بعد يوم.
رابعًا: على إخواننا المقدسيين وأهلنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام
1948 تفعيل المقاومة بكافة أشكالها التي من شأنها التصدي لاعتداءات
الاحتلال وعرقلة مشاريعه.
- هل تتخوفون
على المسجد الأقصى- في ظل ما وصفتم، من التفات كل قطر من أقطارنا العربية
إلى شؤونه الداخلية وهمه اليومي- أن يترك وحيدًا وينجح الاحتلال في تمرير
مخططاته في ظل انشغال الأمة؟
نعم أتخوف؛ فسلطات الاحتلال والمستوطنون يمهدون للاستيلاء على أولى
القبلتين وثالث المسجدين المعظمين ثم تقسيمه: مكانيًّا، أو زمانيًّا، أو
كليهما، كما فعلوا بالحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في الضفة الغربية
المحتلة، والقوم ماضون منذ وعد بلفور وقبله، يتقدمون شيئًا فشيئًا.
كنا نقول في الماضي عن دولتهم إسرائيل، إذا ذكرناها في الخطب أو في
الإذاعات: إسرائيل المزعومة، الكيان المزعوم، وظللنا على هذا عدة سنوات
وإذا بهذه (المزعومة) تركل هذه الجبهة، وتصفع هذه الجبهة، وتتحدى الجميع،
ولا نملك إلا الشجب والاستنكار والشكوى إلى مجلس الأمن، وإلى الأمم
المتحدة، وهذه الدويلة المزعومة لا تبالي بنا، وبعد مدة خجلنا وحذفنا كلمة
(المزعومة) من الألسنة ومن الصحف بعد أن أوشكنا أن نكون نحن المزعومين، هم
لم يعودوا مزعومين أصبحوا حقيقة واقعة على الأرض تتحدى، وأصبحنا نحن
المزعومين في أرضنا، التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا العرب من آلاف
السنين، ثم من المسلمين من أكثر من ألف وأربعمائة عام، وهم لم يكن لهم وجود
فيها أكثر من عدة مئات من الأعوام.
وأقول: لو أن إسرائيل أقدمت على أي تصرف أرعن يهدد المسجد الأقصى، فستكون
هبة الأمة لا يتوقعها أحد، ستكون هبة ربما تزيل إسرائيل من الوجود، وأذكرهم
بهبة الشعوب العربية والإسلامية لما أقدم مايكل دينس روهان على محاولة
إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969.
فهو تخوف لا يأس، تخوف معه يقين بنصر الله لهذه الأمة في نهاية المعركة،
فهذه الأمة حية لا تموت، والذي ينظر إلى دفاع المرابطين من أهل القدس وعرب
48 عن المسجد الأقصى يدرك ما أقول، ويوقن بصدق موعود رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون،
حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم!
يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله".
- باعتباركم رئيسًا لمجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، هل من لمحة تقدمونها للتعريف بالمؤسسة وبدورها في نصرة القدس والأقصى؟
- مؤسسة القدس الدولية، مؤسسة مدنية مستقلة، تضم شخصيات وهيئات عربية
وإسلامية وعالمية، غايتها العمل على إنقاذ القدس، والمحافظة على هويتها
العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، في إطار مهمة تاريخية، لتوحيد
الأمة بكل أطيافها: الدينية، والفكرية، والسياسية، والثقافية، والعرقية،
والجغرافية لنصرة القدس.
وتتعدى رسالة المؤسسة إلى التخطيط المرحلي والاستراتيجي لخدمة المدينة،
وتثبيت سكانها، وتعزيز صمودهم، مسلمين ومسيحيين، كما تعمل مؤسسة القدس في
قطاعات التعليم والإسكان والحفاظ على المقدسات والصحة والبنى التحتية، فضلا
عن أن للمؤسسة دوراً كبيراً في التعريف بقضية القدس والمقدسيين والمسجد
الأقصى، من خلال المؤتمرات والندوات والتقارير والكتيبات، وغيرها من
الوسائل.
- كيف تنظرون إلى خطوة الاحتلال لنزع الحصرية الإسلامية والوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى؟
كما قلت القوم ماضون في طريقهم، ويجب أن نكون نحن ماضين في طريقنا، فمعنا
ما ليس معهم، وأحب هنا أن أحيي البرلمان الأردني على تصويته بالإجماع، على
طرد السفير الإسرائيلي وسحب السفير الأردني من تل أبيب. وأرجو من
البرلمانات العربية كلها أن تكون لها وقفات لنصرة القدس والأقصى وفلسطين
كلها، كل بما يقدر عليه.
كما أدعو الحكومة الأردنية للانتقال إلى تفعيل كل أوراق القوة التي
تمتلكها، وتعزيز جهودها الرسمية من خلال الوسائل الدبلوماسية والسياسية
والعلاقات المختلفة؛ لتشكيل حالة ضغط على الاحتلال، كما أدعوها إلى السعي
لتأسيس تحالف دولي من الدول المساندة للقضية الفلسطينية، وحشد الجهود
الرسمية خلف الحق المقدسي.
- في الوقت
التي تتزايد فيه الاعتداءات على المسجد الأقصى، نريد من فضيلتكم تقييما
لعملية المفاوضات وما نتج عنها من اتفاقات أو ما يسمى السلام العربي
الإسرائيلي!! وما هي الرسالة التي توجهونها للسلطة الفلسطينية بشكل خاص
وللفلسطينيين عمومًا؟
أقول: المقاومة هي الطريق الوحيد لتحرير الأراضي المحتلة، ماذا جنت القضية
الفلسطينية من (السلام الأعرج)، ومن المفاوضات التي لها أكثر من عشرين
سنة، اليهود كل يوم يبنون المستوطنات، وينهبون الأرض، ويغيرون واقع القدس
والضفة، هم ماضون في طريقهم، ويشغلوننا بهذه المفاوضات العبثية، فمن أول
يوم لتوقيع اتفاقية أوسلو: أعلن إسحاق رابين - عشية توقيع الاتفاق- قائلا
ومصرحا: جئتكم من أورشليم (القدس) العاصمة التاريخية والأبدية والموحدة
لشعب إسرائيل!
لذا أدعو السلطة الفلسطينية إلى مراجعة جدوى انخراطها في المفاوضات،
ومواجهة الاحتلال قانونيًا وحقوقيًا في المحافل الدولية، كونها دولة غير
عضو في الأمم المتحدة.
كما أهنئ الإخوة في حركتي فتح وحماس وغيرهما من الحركات
الفلسطينية على تحقيق المصالحة الداخلية، وتشكيل حكومة التوافق الفلسطيني،
وآمل أن تكون هذه الحكومة بداية على الطريق الصحيح، فلم يعد ترف الانقسام
والخلاف ممكنا الآن، والأرض كل يوم تغتصب، والقدس تهود، والأقصى يتعرض لما
يتعرض له.
- كيف يمكن أن نوظف ما يحدث في الأقصى في توحيد الأمة؟
الذي يقرأ تاريخ حربنا مع الصليبيين، أو حرب الصليبيين لنا، من عهد عماد
الدين زنكي، وابنه نور الدين محمود الشهيد، وتلميذه صلاح الدين، يجد تلازما
بين وحدة الأمة وبين استرداد القدس، وأن احتلال القدس على يد الصليبين، هو
الذي جعل الأمة تسعى عبر عدة أجيال إلى الوحدة، التي تمت في عهد نور الدين
محمود، واستمرت في عهد صلاح الدين، بتوحد مصر والشام، ودائما كانت قضية
فلسطين موحدة للأمة، فهي القضية المجمع عليها، التي تتفق عليها الأمة بكل
شعوبها، وبكل أطيافها، فهي قضية كل مسلم في المشرق والمغرب، والشمال
والجنوب، يتفق الجميع على عدالتها، الإسلاميون واليساريون واليبراليون،
فلعل ما يحدث في المسجد الأقصى الآن يخرج هذه الأمة من الفرقة والشتات.
- نلاحظ أن
هناك حراكًا متزايدًا للمرابطين في المسجد الأقصى وقد ساهم هذا الحراك في
منع الاقتحامات ، ما هي رسالتكم للمرابطين في الأقصى؟
أقول لهم: بارك الله فيكم، اثبتوا في أماكنكم، لا تخافوا، ولا تفزعوا،
أنتم خط دفاعنا الأول، والأمة بشرفائها وراءكم، تؤيدكم وتشد أزركم، وتحمي
ظهركم، وتدعم جهادكم، وتشيد بمقاومتكم البطولية، وثباتكم الكبير بصدور
عارية أمام ترسانة العدو وأسلحته، وأقرأ عليكم قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45].. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200].
- - ما هي
رسالة الشيخ القرضاوي لقادة الأمة العربية والإسلامية تجاه المسجد الأقصى
والقدس في هذه اللحظة التي تتصاعد فيها الاعتداءات والانتهاكات للمسجد
الأقصى؟ وما هو الدور المأمول من القوى والأحزاب والمنظمات العربية
الإسلامية؟
أقول لهم: اتقوا الله في شعوبكم، واتقوا الله في أمتكم،
اسمعوا لشعوبكم، عودوا بالأمة إلى الإسلام، فهذا هو الطريق لتحرير المسجد
الأقصى، وعودة مقدسات الأمة، بل عودة الأمة إلى ريادة الإنسانية وأستاذية
البشرية. أنفقوا أموال الأمة في نصرة قضاياها والحفاظ على مقدساتها.
وأقول: على كل من القوى والأحزاب والمنظمات العربية الإسلامية أن تظل قضية
فلسطين وقضية الأقصى هي القضية الأولى المحورية لها، وأن تنشر قضيتها،
وتعرف الأجيال الجديدة بها، وأن تساعد إخواننا المقدسيين المرابطين هناك بكل ما تستطيع من دعم مادي ومعنوي.
- بماذا تتوجهون إلى الأمة الإسلامية وخاصة العلماء؟
أقول للعلماء ما قاله الله موضحًا دورهم ووظيفتهم في هذه الحياة: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}. على العلماء أن ينفخوا الروح الإيمانية في حياة الأمة، وأن يوجهوها إلى حراسة الأقصى، والدفاع عنه بالنفس والمال.
وأقول للأمة: إن حماية الأقصى والعمل على استرداده هو واجب المسلمين
جميعًا، ليس واجب الفلسطينيين وحدهم، ولا واجب العرب وحدهم، بل هو واجب
الأمة الإسلامية في المشارق والمغارب، والشمال والجنوب، وهي أمة بلغت
مليارا وسبعمائة مليون مسلم، فعار عليها أن تفرط في دينها، وأن تسلم مسجدها
لبني إسرائيل.
وعلى الأقربين من الأمة إلى المسجد الأقصى العبء الأكبر، فلا بد أن
ينهضوا به، وكل الأمة من ورائهم، والملائكة تشاركهم، والله تعالى يؤيدهم
وآيات القرآن وأحاديث الرسول تبشرهم بالنصر. وتفاقم ظلم الظالمين وطغيان
الطاغين يقرِّب يومهم الأخير في هذه الديار التي اغتصبوها، وهم يؤمنون
بذلك، وأنهم ليسوا دائمين، ونحن نؤمن بأننا (الطائفة المنصورة) في كتاب
الله تعالى، وفي أحاديث رسوله الكريم الوفيرة، عن عدد كبير من الصحابة، ومن
هذه الأحاديث ما رواه أحمد والطبراني عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى
الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين،
لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم
كذلك". قالوا: يا رسول الله! وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت
المقدس". أي هم في القدس وفلسطين وفي أكناف فلسطين، مثل أبناء الشام من
الأردن ولبنان وسورية، وكذلك أبناء مصر، فهم داخلون في أكناف بيت المقدس.
هؤلاء جميعًا منصورون إن شاء الله، حسبما وعد الله في كتابه: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]. {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]. وحسب سنن الله الثابتة التي تمنع بقاء الظالمين المتجبرين، بل تأخذهم أخذًا أليمًا شديدًا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. وقال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].