أفاق المصريون في وقت مبكر صباح الأربعاء على وقع الأخبار المتواترة من ميداني النهضة ورابعة العدوية عن سقوط عشرات القتلى والجرحى مع اقتحام الآلاف من قوات الأمن الاعتصامين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي.
وبدا من اللحظات الأولى أن الاقتحام كان عنيفا، حيث بدأت قوات الأمن بإطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع، قبل أن يتحول الأمر لاستخدام الرصاص الحي، مما أدى لسقوط قتلى وجرحى من المعتصمين، في حين كانت الجرافات تعمل بهمة لإزالة الحواجز التي وضعها المعتصمون، ثم تتجه نحو خيام الاعتصام، بينما كانت طائرات مروحية عسكرية تحلق في الجو في مشهد بدا عسكريا بامتياز.
أما المعتصمون فاستخدم بعضهم الحجارة لمحاولة إيقاف تقدم الجرافات والعربات المصفحة، كما أشعلوا النار في إطار السيارات لخلق سحابة من الدخان لعلها تمثل وسيلة لمنع تقدم قوات الأمن.
فيما انشغل آخرون بتقديم النصائح لكيفية الصمود أمام الإطلاق الكثيف للغاز، وتحولت المستشفيات الميدانية سريعا إلى ما يشبه "خلايا نحل" لمحاولة إنقاذ الجرحى في مهمة بدا أنها أكبر من إمكانياتها بكثير.
وبينما كانت الأخبار القادمة من منصة ميدان رابعة العدوية تعلن عن سقوط مزيد من القتلى، بدأ بخمسة قتلى، ثم عشرة، وصولا إلى خمسين.. فثمانين إلى أكثر من مائة، كان الإعلام الرسمي يركز على "استشهاد" ضابط وجندي وإصابة آخرين، في مشهد بدا فارقا وموضحا لما شهدته مصر على مدى الأسابيع الماضية من تقسيم لمواطنيها إلى فئتين حسب الموقف السياسي.
وقبل أن ينقشع دخان عملية فض الاعتصامين، وتتضح خسائرها الحقيقية لا يبدو -برأي مراقبين- أنها ستغير كثيرا -أيا كانت نتيجتها- من موازين المعادلة السياسية في مصر ما بعد الثالث من يوليو/تموز.
فالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب -الذي يضم تحت لوائه مختلف القوى المؤيدة لمرسي- جدد دعوته المصريين إلى النزول للشوارع "للدفاع عن الشرعية"، علما بأنه أظهر في الأيام الماضية قدرة على تسيير مسيرات ضخمة يتوقع أن تتجه مثلها إلى الميدانين في غضون ساعات قليلة، وهو ما يعيد إنتاج مشهد الحشود في مواجهة السلطة الجديدة.
في المقابل، فإن الشدة التي بدت على عملية فض الاعتصام وما رافقها من أجواء إعلامية تؤكد أن السلطات الجديدة عازمة على وقف احتشاد معارضيها، وربما يصل الأمر حد وضع نهاية لنحو عامين من حرية التظاهر والاعتراض تمتع بها المصريون منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك بعد ثلاثة عقود في السلطة.
وجاء فض الاعتصامين بعد أن شنت السلطات الجديدة مدعومة بترسانة الإعلام المحلي حملة شرسة تجرد المعتصمين من صفة السلمية وتمطرهم بقائمة طويلة من الاتهامات، دون أن تلتفت لتأكيدات المعتصمين بسلمية فعالياتهم.
ومنذ انتهاء إجازة عيد الفطر مطلع الأسبوع، تصاعدت أنباء فض الاعتصام وشهدت الليالي الثلاث الماضية ما يشبه التأكيدات بأن الاقتحام سيتم فجرا، قبل أن يحدث الأمر بالفعل صباح الأربعاء.
وأيا كانت المواقف وتطوراتها فإن ما يبدو مؤكدا هو أن فض الاعتصامين وما رافقه من سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى ستكون نقطة محورية في تاريخ مصر التي يبدو أنها ضربت موعدا مؤكدا مع حالة من عدم استقرار قد تستمر لفترة ليست بالقصيرة.