الايمان الحر وما بعد الملة.. إيمان بلا دين ولا عقيدة!!!
(دعوة إلى اللا دينية)
بقلم: فرج كُندي (عضو الاتحاد)
قال: إقبال رحمه الله: (ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا).
طفق الفلاسفة منذ "إيمانويل كانط" خاصة، يبلورون ملامح الإيمان الحر بوصفه أفقاً للنقاش الروحي الذي لا يحتوي على أي محوى ديني محدد (في محاولة للتخلص من الأديان وفك الارتباط مع التدين والتنفير منه)، أي هو إيمان فلسفي فردي بلا دين رسمي إلا ،، عرضاً ،، وهو لا يحتاج إلى طقوس.
إن اصحاب دعوة الإيمان الحر أقاموا دينهم هذا على فكرة مُلهٍمهم " ايمانويل كانط " التي تقول ’’ إذا كان ثمة شيء يحق للإنسان الحديث أن يفخر به على سائر البشر السابقين فهو ايمانه العميق بالحرية، بأنه كائن حر لا يدين بقدرته على التفكير بنفسه، ومن ثم على إعطاء قيّمه خلقيّة لأفعاله أو لمصيره الخاص، إلى أي جهة كانت مهما علت أو بسطت عيبتها على عقولنا".
ودعاة الايمان الحر يعلنونها صريحة دعوة إلى دين خالي من الشعائر؛ دين من صنعهم وعلى مقاييسهم بدون أن يكون للإرادة الالهية تدخل، فهي دعوة إلى التحرر من الدين إلى اللآ دين، ولكن تحت مسمى الدين ’’يعتبرون أن الدين الإلهي المنزل مشكلة" فالمشكلة هو كيف نخرج الإنسانية من دين الشعائر إلى دين العقل؟ - دين اللآ شعائر دين لا يتوجه إلى الله - من دين تاريخي خاص بشعب دون اخر، إلى دين عقلي هو كوني لكل الشعوب؟.
إن الدعوة لعقيدة أو دين ما بعد الملة هو في حقيقته رفض للدين ولحقيقة الأديان وعدم التدين، وهو ما يتعارض مع العقل والفطرة وما جاء به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
يقول: أحد دعاة هذا الدين: والايمان الحر هو إيمان الفرادى الذين تخلوا عن أي التزام دعوى تقليدي باسم هذا الدين الرسمي أو ذاك. لكنا المؤمن الحر ليس ملحدا أو لا دينيا!!! إذا فماذا يكون؟؟؟!
الإيمان الحر: هو ذاك الذي يريد تحرير العلاقة البشرية بفكرة الله من سلطة الأديان التقليدية التي وقفت في كل الملة وإعادتها إلى العقل البشري بما هو كذلك. ولذلك هو إيمان ليس له معنى خارج أفق الإنسانية. وبذلك المؤمن الحر لم يعد معنياُ بأي مناظرة رسمية مع اصول الدين التقليدي ، بل يقف في ماوراء الاعتقاد والكفر بالمعنى التقني الذي يضبطه اللاهوت أو الفقه في العصور الوسطى !!!.
وأصحاب دعوة الإيمان الحر يقولونها علناً أنه: لا تحتاج مجتمعات ما بعد الدينية إلى الألحاد؛ بل فقط إلى تحرير الإيمان من الأديان النظامية ؟؟!!
إن الإيمان الحر هو شكل غير ديني أو ما بعد الديني (إبيتيقي/ روحي/ أدبي بالمعنى الأقصى للكلمة) وهل بعد الدين والايمان إلا الكفر الصريح ؟؟
إن أول رهان للإيمان الحر هو تحرير الموت من (دلالاته الأخروية) وإعادة تناهيه البشري لدى أي كان. (هذه دعوة صريحة إلى انكار البعث والحساب والجنة والنار، وهي تمثل الدهرية التي ذكرها القرآن الكريم (أئنا لمبعوثون) ق و (نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) و (من يحيي العظام وهي رميم).
هذه الدعوة الجاهلية قال بها مشركي قريش، ورد عليهم الله تعالي في كتابه الكريم قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [ يس : 78، 79].
وقوله: تعالى: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} المؤمنون 82. (ولِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى). هذا التقرير لملكية الله وحده لما في السموات والأرض يمنح قضية الاخرة تأثيراً، فالذي جعل الآخرة وقدرها هو الذي يملك ما في السموات والأرض وحده، فهو القادر على الجزاء المختص به والمالك لأسبابه، ومن شأن هذه الملكية أن تحقق الجزاء الكامل العادل (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) في ظلال القرآن، سيد قطب المجلد السادس ص 3412. (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ 47 أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ 48 قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ 49 لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ 50) سورة الواقعة.
إن الدعوة لاعتناق مذهب الايمان الحر ماهي إلا ترديد لصدى دعوة "كانط" في كون "الدين في حدود مجرد العقل" يصف فيها الدين وحدوده بأنها سالبة ومحدودة مع المحدود؛ يعني ما هو مأمور به أو منهي عنه أو محرم أو مكروه أو معاقب عليه وذلك باسم وصايا أو عقائد تتجاوز حكمتها أو ظروفها وفق فهم البشر وهي حقيقة بلا رجعة.
إن أول رهان للإيمان الحر هو تحرير الموت من دلالاته الأخروية وإعادته إلى تناهيه البشري لدى أي كان، وإن المؤمن بالله وبالأخرة لا يستطيع أن يشغل باله - فضلا عن أن يعامل أو يعايش - من يُعرض عن ذكر الله وينفي الأخرة من حسابه لأن لكل منهما منهجاً في الحياة لا يلتقيان في خطوة واحدة من خطواته، ولا في نقطة واحدة من نقاطه.
والرد على هؤلاء جاء في نفس السورة (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) الواقعة. إنها مسألة كبيرة هذا الايمان بالله والايمان بالأخرة، مسألة أساسية في حياة البشر أنها حاجة أكبر من حاجات الطعام والشراب والكساء، وأنها إما أن تكون فيكون "الانسان" وإما الا تكون فهو حيوان من ذلك الحيوان.
يؤكد المائة بعد مليّون في العالم العربي والإسلامي اقتدائهم بالغرب الما بعد ديني على شخصنه الإيمان، ويدعونها صريحة إلى مجتمع يكرس مقولة الفرد، لقد تأكد اليوم في أفق الثقافة الغربية في طورها ما بعد العلماني أن الايمان مشكل شخصي. لكن المؤمن الحر يعرف أنه لا معنى لما هو شخصي دون أن تعيش في مجتمع يكرس مقولة الفرد.
والنتيجة هي أن المؤمن – بمفهوم ما بعد الملة – ليس عليه أن يكون متديناً بالضرورة!! وأن التدين مجرد فضول ثقافي لتأمين جرعة هوية لنوع من الناس.
ويمعن اللآ مليون في إنكار الدين ويدعون إلى مصدرهم الذي يسمونه المصدر "الذاتي" دون اعتبار للإله خالق الكون وخالقهم بدعوا عدم قبول الوصاية من احد أو أي جهة!!.
إن الما بعد "ملية" هي دعوة خالية من الإيمان؛ صريحة في نكار الدين وهروب من الأوامر الالهية, وطريق إلى الانحلال والتفسق, ودعوة غير مباشرة إلى الإلحاد وإن كانت أقرب وسيلة إليه.