تلك رِدَّةٌ والله! لوانتبهت لها الأمة!
كتبه: محمد عناية الله أسد سبحاني
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (54)
ما هذه الردّة عن دين الله، يا ترى؟
ما هذه الردّة التي حُذِّرها المؤمنون في هذه الآية، وفي غيرها من الآيات؟
من الخطء الفاحش عندنا أننا كلّما سمعنا كلمة الردّة، أو الارتداد تبادر إلى أذهاننا أن المراد به هو العدول عن دين الله إلى دين الكفر، وخلع ربقة الإسلام من العنق نهارا جهارا من غير استحياء.
وليس الأمر كذلك، فالردّة أنواع وأشكال، تكون أحيانا واضحة صريحة مكشوفة معلنة، وكثيرا ما تكون مختفية في الظلام، ومرتدية برداء الإيمان، وهي أشد خطراً من الأولى!
ولذلك أعلن الله سبحانه عن المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من النار.قال تعالى:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (سورةالنساء:145)
كثيرا ما يحدث أن الرجل يصلي ويصوم، ويحج ويعتمر، ويزعم أنه مسلم ومؤمن، وأن حياته تمضي في طاعة الله، ولكنه يكون قد ارتد عن دين الله منذ زمان، بسبب أعماله وتحركاته المعادية للإسلام، والتي تهدم دينه، وتسخط ربه، وتحبط أعماله!
هو يظنّ أنه يعيش في كنف الإيمان، وفي حديقة الإيمان، والإيمان يكون منه على بعد فراسخ!
ولنا العبرة في قول نبيّنا صلى الله عليه وسلم: (واللهِ لا يُؤْمِنُ، واللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ،
قيلَ: وَمَنْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "الَّذِي لا يأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ). (مختصر صحيح الإمام البخاري للألباني-رقم:2327)
وقال عليه السلام: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع رِبقة الإسلام من عنقه). (سنن أبي داود- رقم:4758-ت:محمد محي الدين عبدالحميد-المكتبة العصرية-بيروت)
وإذا أردنا أن نستوعب الآية، وندرك أبعادها، فلنعد إلى سياقها، فقد سبقها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53).
فالآية صريحة في أن موالاة اليهود والنصارى تخرج المرء من دين الله، ولو صلى وصام، وعمر المسجد الحرام، وقام بالليل والناس نيام!
وهي صريحة في أنه لا يواليهم ولا يصادقهم أبداً إلا من كان في قلبه مرض.
يقول صاحب تفسير المنار: "هذه الآيات من تتمة السياق السابق، فلما كان من يتولى الكافرين من دون المؤمنين يعدّ منهم، كان أولئك الذين يسارعون فيهم من مرضى القلوب مرتدّين بتوليهم إياهم، فإن أخفوا ذلك فإظهارهم للإيمان نفاق."
(محمد رشيد رضا-تفسير المنار-سورة المائدة: 6/359-الهيئة المصرية العامة للكتاب-سنة النشر:1990م).
ويقول صاحب زهرة التفاسير: "في الآيات السابقة نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن أن يتخذوا من اليهود والنصارى نصراء يستنصرون بهم، ويعطونهم حق الولاية عليهم، فيجعلون الولاء لهم، وهم أعداء الإيمان وأعداء المؤمنين، وإن أظهروا الولاء لدولة الإيمان، فهم في قلوبهم لَا يألونهم خبالا، وإن ذلك موضوعه علاقة دولة الإسلام بغيرها من الدول التي تعاديها.
وفى هذه الآيات، يومئ سبحانه وتعالت كلماته، إلى أن الذين يوالون دولة معادية للإسلام وأهله يسيرون في طريق الردة، لأنهم تركوا ولاية الله والرسول والمؤمنين، وولايتهم هي الحق، وهم حزب الله، وحزب الله تعالى هم الغالبون...
(أبوزهرة-زهرة التفاسير-سورة المائدة:5/2248-دارالفكر العربي)
فربنا سبحانه وتعالى نهى بلفظ صريح عن موالاة اليهود والنصارى، وبين أن من اتخذهم أولياء ، فهو منهم. وهذا يعني أنه لا صلة له بالإسلام والمسلمين، ولا مكان له في دين الله، وهو ارتداد صريح إلى الكفر بعد الإيمان.
وإذا كان المسلم لا يجوز له أن يتولى اليهود والنصارى، فمن يتولاهم؟ قال تعالى:
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
فالمؤمن لا يكون ولاؤه إلا لله ورسوله وصالحي المؤمنين، وهؤلاء المؤمنون هم الذين يكونون حزب الله، وهم الغالبون المنتصرون دائما على أعداء الله.
وإذا كان المسلمون في الوقت الحاضر يداسون بالأقدام، ويطردون من كل مكان بكل ذلّ وهوان!
وإذا كان المسلمون تداس كرامتهم، وتهدم مقدساتهم من غير رأفة ولا رحمة، فليس ذلك إلا لأنهم بسطوا أيديهم لموالاة اليهود والنصارى، مع أن قرآنهم أنذرهم وحذّرهم، وتصامموا عن تلك الآيات الكثيرة التي تنذرهم إنذارا صريحا سوء عاقبة موالاتهم!
هم تصامموا عن تلك الآيات، حتى فتحوا لهؤلاء اليهود والنصارى صدورهم، وفتحوا لهم أبواب بيوتهم، وأكلوا ذبائحهم، واستباحوا نساءهم، واستوردوا منتجاتهم، واستعذبوا فسقهم وفجورهم!
فالله الله!! يا قادة الإسلام! ويا حكّام المسلمين! فالقدس يناديكم، والأقصى يستصرخكم!
أفيقوا من غفلتكم، وتحركوا لأداء واجبكم، وهبّوا لنجدة إخوانكم البائسين في الأراضي المحتلة، ولا تتخذوا هذا القرآن مهجورا، ولا تتخذوا أعداء الله أولياء.
ليس من العقل، يا حكام المسلمين! أن نطمئن إلى الأفاعي، ولو كانت مبتسمة ضاحكة!
ومن اطمأن إلى الأفاعي، وانخدع بابتساماتها وضحكاتها، فلابد أن يندم حين لا ينفع الندم!