الرابط المختصر :
من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان:
(سورة الرحمن)
الحلقة الرابعة عشر
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
* ﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَان ﴾:
﴿وَالْحَبُّ ﴾: كثير الأصناف، كالرُّز والشَّعير والحِنطة وغيرها مما يُدَّخر ويقوم عليه غذاءُ الناس، عبر العصور وعبر القارات.
و ﴿الْعَصْفِ ﴾: الأعواد التي تُكوِّن أشجار الحبوب، وكذلك الورق الذي يبس، ثم يكون طعامًا للحيوانات أو تبنًا، فهذا ملمح جميل أن يذكِّرنا تعالى بالحَبِّ الذي نأكله والعصف الذي يكون طعامًا لأنعامنا، كقوله: ﴿مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم ﴾ [النازعات: 33، عبس: 32].
والمتاع المادي ليس خاصًّا بالإنسان، بل يشاركه فيه الحيوان، فخَلِيق بالعاقل أن يبحث عما يميِّزه من العقل والعلم، والعبودية لله سبحانه: ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَان ﴾.
﴿وَالرَّيْحَان ﴾ معطوف على «الحَب» عند الجمهور، فيكون معناه مستقلًّا، وأنه من ضمن ما امتن الله به على البشر مما خلقه في الأرض.
وفي قراءة سبعية يُقرأ مجرورًا، معطوفًا على ﴿الْعَصْفِ ﴾: ﴿وَٱلرَّيۡحَانِ﴾، فيكون تقدير الكلام: والحبُّ ذو العَصْف وذو الرَّيْحانِ.
والرَّيْحان معروف، وهو الورد ذو الرائحة الطيبة، ولذلك سمي الرَّيْحان، وهو أنواع، منه: الأصفر والأبيض والأحمر، يمتن تعالى على الناس بهذا الشجر الذي لا يُؤكل، ولكن يبعث الرائحة الطيبة الزَّكية، فالجمال والمتعة بالمنظر أو المسمع أو الرائحة الطيبة مقصد إلهي في الكون، ولهذا أمرنا تعالى أن ننظر في الكون ونتملَّى ما بثه فيه من جمال في نجومه وكواكبه وشمسه وقمره وأشجاره وجباله...، فالحسن مقصد إلهي في الخلق وتربية الناس على ملاحظته وإدراكه والاستمتاع به سواء كان مُشْتَمًّا كما في الريحان أو كان مسموعًا أو مرئيًا فإن ذلك من كمال شكر الإنسان لنعمة الله، وهو استجابة لغريزة فطرية تتطلب الإشباع والجور عليها تأهيل لتدمير الإنسان والحياة.
* ﴿فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾:
هذه الكلمة العظيمة تكرَّرت في «سورة الرحمن» إحدى وثلاثين مرة بعد كل نعمة لله تعالى.
وقد ورد أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه، فقرأَ عليهم «سورةَ الرحمنِ» من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: «لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ، فكانوا أحسنَ مردُودًا منكم، كنتُ كُلَّما أتيتُ على قوله: ﴿فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾ قالوا: لا بشيء من نعمكَ ربَّنا نكذِّبُ فلك الحمدُ».
والخطاب في قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾ لمثنى، والجمهور على أنه للإنس والجن، وقلَّما يخاطب تعالى الجن مع الإنس، والأكثر في الخطاب أن يأتي الجن تبعًا، وفي هذه السورة كان لهم خطاب خاص مباشر، ولعلَّ الله أراد التذكير بأنهم من سائر عباد الله المأمورين بعبادته وطاعته سبحانه، فكيف تظنون أنهم شركاء لله في ألوهيته، وهم عبيد مخاطبون مربوبون، وليس لهم من الأمر شيء، ولذلك كانوا مشمولين بالخطاب، بأي آلاء الله تعالى ونعمه تكذبون يا معشر الجن والإنس؟
وقال بعضهم: إن الخطاب للرجال والنساء، أو للمكذِّبين والمؤمنين، والصحيح قول الجمهور: أن الخطاب للجن والإنس.
* ويؤكِّد هذا أنه ذكر خلق الإنسان والجان فقال: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار ﴾:
والمقصود بقوله: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ ﴾: أصل خلق آدم عليه السلام.
فإذا قلت: إن الإنسان مخلوق من ﴿صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار ﴾، فذلك باعتبار خلق آدم، وتستطيع أن تقول: إنه مخلوق من ﴿حَمَإٍ مَّسْنُون ﴾ [الحجر: 26]، أو مخلوق من طين، أو مخلوق من تراب، وكل هذه صياغات وردت في القرآن الكريم، ولا اختلاف بينها، وهي مراحل تكوينية مر فيها ذلك التمثال المسجَّى على الأرض، حتى استوى لحمًا ودمًا وعظمًا، ونُفخت فيه الروح.
والصَّلْصال هو الطين اليابس الذي يكون له صوت وصلصلة، فيُسمَّى: طينًا، ويُسمَّى: صَلْصالًا، ويُسمَّى: ترابًا.
وقوله: ﴿كَالْفَخَّار ﴾: الفخار هو الطين المطبوخ، والذي يُسمَّى: الخزف، فهذا الطين الذي خُلق منه آدم عليه السلام كان يابسًا، وكأنه مطبوخ يشبه الفخَّار، وكأن خلق الإنسان من الطين تأهيل لعمارة الأرض وبنائها، وتربية على التواضع ومباعدة العنصرية، فكلهم بنو الأرض يطؤونها بأقدامهم، فكيف يتعالَى بعضهم على بعض، وهو تدريب على الترقِّي في معارج الكمال كما ترقَّى الإنسان في الخلق الأول؛ من تراب، إلى طين، إلى صَلْصال، إلى حَمأ مسنون، إلى جسد وروح.
والمارج هو: اللَّهب الصافي الذي ينقطع من النار في نهايتها وأعلاها، فهو مخلوق من النار، ومن مارجها على وجه التخصيص، ولذا فهو لا ينتسب إلى جنس هذه الأرض، كما أن من صفة النار الطيش والعجلة.
* ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾:
أي: مشرق الشتاء والصيف ومغرب الشتاء والصيف، وهو رب ﴿الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ﴾ [المعارج: 40]، فإن للشمس كل يوم مشرقًا ومغربًا يختلف عما قبله باعتبار اختلاف المطالع، ويعرف هذا المتخصِّصون، وفي ذلك إشارة إلى الحسبان الذي للشمس، وإلى تعدد المطالع، وإلى الامتنان على الناس في خلق هذه الأجرام التي من الممكن أن تكون سببًا في العذاب عليهم، فالشمس كتلة من اللَّهب، ويوم القيامة تدنو من الناس حتى يلجمهم العرق إِلْجامًا، ولكن الله تعالى سخرَّها لخلقه بحيث ينتفع الناس والحيوان والنبات بها دون ضير.
* ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾:
أي: أرسل البحرين، والمقصود: البحار المتصل بعضها ببعض، وهذا المعنى اختاره بعض المفسرين.
والأصوب أن المقصود: البحر المالح والبحر العذب، أي: البحر والنهر، فالله تعالى يرسل الأنهار إلى البحار لتصب فيها، كنهر النيل ودِجْلة والفُرات، ومع ذلك فبينهما برزخ إلهي بسنة التمايز يحول دون امتزاجهما، فلا البحر المالح يتحوَّل إلى عذب، ولا العذب يتحوَّل إلى مالح، وكلٌّ له خصائصه التي لا تمتزج بخصائص الآخر.
ويحتمل أن يشمل المعنى البحار المالحة التي تلتقي مع اختلافها، مثل التقاء المحيطات بالبحار العظيمة، ففي أماكن الالتقاء يوجد حدٌّ يكون به نهاية البحر وبداية المحيط، فلا يبغى أحدهما على الآخر، فهذا من حكمته سبحانه، لا بشيء من آلائك ربنا نكذِّب، فلك الحمد!
* ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾:
يخرج من البحرين معًا أو من أحدهما، كما في قوله سبحانه: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ [الأنعام: 130]، والرُّسل إنما يأتون من الإنس، فعليه يكون المعنى أن اللُّؤلُؤ والمَرْجان يخرجان من البحر المالح فحسب.
وقيل: إنهما يخرجان من البحر الحلو أيضًا، وقال بعضهم: إن الصَّدَف الذي يكون فيه اللُّؤلُؤ يتكون من المطر وهو من الماء العذب.
والأولى حمل الآية على ظاهرها، ويؤيِّده: قوله سبحانه: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر: 12]، فهذا نص على أن الحلية تخرج من كلا البحرين، وفي بعض الأنهار تُوجد اللآلئ، وكذلك الألماس والياقوت يوجدان في الرواسب النهرية، وقد تحدَّث عدد من المختصين عن وجود اللُّؤلُؤ وغيره من المعادن الكريمة في البحار والأنهار، وهذا هو الأقرب للصواب والأكثر تماشيًا مع وضوح النص القرآني المحكم، والله أعلم.
* ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَم * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾:
﴿ﭴ﴾ جمع: جارية، وهي السفن ﴿الْمُنشَآتُ ﴾، وفي قراءة سبعية:
﴿ٱلۡمُنشِئاتُ﴾، أي: أنشأت السير في عرض البحر.
والأعلام هي: الجبال الشواهق، يشاهدها الناس من بعيد.
ويرتسم لخيال القارئ صورة السفن كالشاخصة أمام ناظريه تمخر عُباب البحر، ولكنها تشبه الجبل الرَّاسي الثابت بعظمتها وشموخها!
* ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام ﴾:
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان ﴾: وهذه من الآيات التي تجري على ألسنة الناس كثيرًا، والحق الذي ليس فيه امتراء أن مصير المخلوقات إلى فناء وموت، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام ﴾، يبقى الله تعالى الحيُّ القيوم الذي لا يموت؛ لأن وجوده قائم بذاته، بخلاف البشر فوجودهم فضل من ربهم الذي خلق الإنسان.
وفي قوله: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ إشارة إلى أن الإنسان بقدر قُربه من الله وعمله الذي يريد به وجه الله يتحقَّق له النعيم والخلود، فالذي يريد الخلود في الدنيا بحيث تصبح الدقيقة عمرًا طويلًا بالأُنس والسعادة والرِّضا والإنجاز، أو يريد الخلود في الآخرة برضوان الله تعالى والجنة، عليه أن يُكثر من الأعمال التي يريد بها وجه الله تعالى، ولا يحتقر شيئًا من العمل ولو كان صغيرًا؛ فإن النية تُزكِّي الأشياء، وكان معاذ رضي الله عنه يقول: «إني لأحتسبُ في نومتي، كما أحتسبُ في قومتي». والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «في كُلِّ كبد رَطْبَةٍ أجرٌ».
ومعنى الآية: أن ما سوى الله تعالى فهو عرضة للفناء؛ لأن وجوده ليس قائمًا بذاته، بل بإيجاد الله له، وهو زائل في الدنيا، ولا خلود إِلَّا لَمن كتب الله لهم الخلود في الدار الآخرة، وليس المعنى إطلاق الفناء التام على كل شيء كما زعمه طائفة من الجاهلين، والذين بَنَوْا عليه القول الفاسد بفناء الجنة والنار.
و﴿ذُو الْجَلاَلِ ﴾ أي: ذو العظمة، ﴿وَالإِكْرَام ﴾: الذي يُكرم مَن يشاء من عباده، لذلك ناسب أن يُعقِّب بقوله: ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ [الرحمن: 29]، الفاني يسأل الحي الباقي الذي لا يموت ﴿يَسْأَلُهُ ﴾ يا لعظمة الدعاء! حينما يعجز الإنسان عن شيء يلجأ إلى الحي القيوم القدير الذي لا يعجزه شيء، فلا يعتمد على قوته وقدرته بل على قوة الله تعالى الذي لا يغلب ولا يعجز ولا يمل ولا يتبرَّم بكثرة السؤال.
وكان عمر رضي الله عنه يقول: «إني لا أحملُ همَّ الإجابة، ولكن أحملُ همَّ الدعاء، فإذا أُلهمتُ الدعاءَ، فإن الإجابةَ معه».
وحقيقة فناء الخلق وبقاء الرب الجليل الكريم يمكن أن تمر ببعضهم عابرة لا تهز الضمير ولا تغيِّر السلوك كما يقع للأغلب، ويمكن أن تتحوَّل إلى معرفة قلبية راسخة مؤثِّرة مسيطرة، بحيث تحدِّد مسارات الإنسان وأولوياته، وتحكم سلوكه وتصرفه في الدقيق والجليل، ولعلها أهم حقيقة كفيلة بتغيير وجهة الإنسان متى صدَّق بها وآمن ولامست شِغاف قلبه وأعماق وجدانه.
* ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾:
أما مَن في السماوات: فتشمل الملائكة شمولًا أوليًّا، وقد علَّمنا الله تعالى أن سؤالهم في الغالب يتعلَّق بمَن في الأرض: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم ﴾ [غافر: 7]، فهم يسألونه تعالى لأهل الأرض، وتشمل غيرهم ممن يعلمهم الله ولا نعلمهم، ليبقى النص واسعًا، ويبقى الذهن متحفِّزًا مفتوحًا على كل ما يدخل في النص الإلهي بلا تكلف.
أما من في الأرض: فكل الناس يسألونه، حتى الكافر: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ ﴾ [العنكبوت: 65]، فيعطيهم تعالى ما شاء مما يطلبون، ويمهلهم، ويُنْظِرهم.
﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن ﴾: وهذه آية عظيمة تفتح العقل والنظر على التحولات الفردية والجماعية والأممية، فلا يخلد المرء إلى حال هو يملها ولا ييأس من تغيرات الأحداث فيما يطمع أن يتغيَّر.
وليس المقصود «اليوم» الذي نعرفه، والذي هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وإنما المقصود مطلق الزمن، يعني: كل لحظة، وكل ومضة، وكل وقت ﴿هُوَ فِي شَأْن ﴾ سبحانه، وهو شأن يُبْدِيه وليس شيئًا يبتديه، بمعنى أنه معلوم عنده، ولكنه يبديه للبشر، فهذا الشأن الذي ذكره الله تعالى هو تحولات الأحوال من الغنى والفقر والقوة، والضعف والصحة والمرض، والوَحدة والكثرة، والحياة والموت، والرفعة والضعة، والعلم والجهل، والسفر والإقامة، والإيمان والكفر، وغير ذلك مما يحدث في هذا الكون من التنوع والتغيُّر والتجدُّد المستمر بإذن ربي سبحانه، وفيه تحفيز للإنسان أن يسأله سبحانه، وأَلَّا يكون أسيرًا لحالة يعاني منها من هم أو غم أو مرضٍ أو فقر أو سجن أو حرمان.. فهو يُذكِّرك بأن الله تعالى يُسأل وكل الناس يسألونه، فلا تيأس، ولا يكون سؤالك سؤال العاجز.
* تأتي بعد ذلك آية مُزَلْزِلة مُجَلْجِلة مُخيفة منطوية على وعيد لا نظير له ولا عهد لقارئ الكتاب العظيم بمثله: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَن * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ﴾:
هذا ﴿الرَّحْمَن ﴾ الخالق المُعلِّم المُلهم الذي خلق السماء والأرض والمشرقين والمغربين، يتوعَّد الثقلين، وهما الجن والإنس، المخاطبان بسياق الآيات، وهو تعالى لا يلهيه شأن عن شأن: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون ﴾ [يس:82]، ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى ﴾ [الروم: 27]، ولكن هذا لفظ جارٍ على مقتضى لغة العرب، والعربي يفهم من هذا المعنى التهديد، وكأن المقصود أن الدنيا قد انقضت، وأسدل على حوادثها الستار، ونحن الآن في الآخرة حيث الجزاء والحساب.
والآية دليل على أن الجن محاسبون مجزيون كالإنس.