الرابط المختصر :
من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان:
(سورة الرحمن)
الحلقة الخامسة عشر
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
* {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
الخطاب للثقلين، وكأنهم الآن في عَرَصات القيامة قد جمعهم تعالى وبعثهم لحسابهم، يخاطبهم متحدِّيًا: إن استطعتم أن تجاوزوا نواحي السماوات والأرض فافعلوا، وهذا على سبيل التعجيز.
والأقطار جمع: قُطْر، وهو الناحية العظيمة، ولهذا قال: {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَان } أي: لا يمكن أن تنفذوا إلا بقوة، وهذا متعذِّر، فالله تعالى قد فرغ لكم، والموقِف موقِف حساب.
* والسياق يدل على أنها تُقال يوم القيامة، ولهذا قال سبحانه: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَان }:
فلو همَّ أحد منكم أن يهرب لأرسل الله تعالى عليه شُواظًا من نار ونحاسًا.
ويمكن أن يكون المعنى: أنه تعالى يعاجل الكافرين يوم القيامة قبل أن يدخلوا النار بذلك حتى من دون أن يحاولوا الهرب، فيُرسل عليهم شُواظًا من نار، والشُّواظ هو: اللَّهب الخالص، أما النُّحاس فهو: الدُّخان، وهو يُسمَّى: نُحاسًا في اللغة، كما قال النابغة:
يُضِيءُ كضَوْءِ سراج السَّلِيطِ * لم يجعلِ اللهُ فيه نُحاسًا
فيرسل الله تعالى عليكم شواظًا من نار ودخانًا، وهذا يشبه قوله تعالى:
{انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَب * لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَب } [المرسلات: 30- 31]. فكأنه يرسل عليهم نارًا فيهربون منها إلى ظل الدُّخان، فيجدونه هو الآخر عذابًا لا ظل فيه ولا غَنَاء.
ويجوز أن يكون المقصود بالنُّحاس: المعدن المُذاب، يُعذَّب به الكافرون في العَرَصات قبل أن يصيروا إلى نار جهنم.
* {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَان }:
هذه السماء التي رفعها، وامتن بها عليكم، وجعلها مصدر خير وبركة وجمال يتغيَّر حالها حتى تبدو {وَرْدَةً كَالدِّهَان }، وأقرب ما يكون المعنى: أن السماء تصبح مثل الوردة التي نعلم شكلها وهيئتها وطبقاتها وألوانها.
وهو إشارة إلى بقاء قدر من الجمال فيها، ولكن مع وهن وضعف وتشقق، قال مجاهد: «كألوان الدِّهان». وقال عطاء: «كلون دُهْن الورد في الصُّفرة».
والوردة معناها: حمراء، كما قال زُهير يصف فرسه:
وصاحبي وردة نَهْد مَرَاكلها * جرداء لا فَحَجٌ فيها ولا صَكَكُ
فالوردة هي حمراء اللون.
* {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَان }:
الموقف الآن لا سؤال فيه، ويوم القيامة يوم عظيم طويل: {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة } [المعارج: 4]، يجري فيه أحداث متخالفة؛ فمرة هم يُسألون: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون } [الصافات: 24]، ومرة لا يُسألون: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُون } [القصص: 78].
ويحتمل أن يكون المعنى: لا يُسألون سؤال استبصار، سؤال الذي يريد أن يعرف، فالملائكة قد دَوَّنت عليهم، وأوثقتهم، ولذلك ينكرون ويكذِّبون ويجحدون، فـ{تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون } [النور: 24]، فالسؤال ليس سؤال تثبيت للمعلومة، وإنما هو سؤال إقرار، وإقامة الحجة عليهم من أنفسهم.
* {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَام }:
فلا يحتاج إلى سؤال، بل الملائكة تعرف المجرمين بسيماهم وعلامتهم، فتأخذهم بنواصيهم وأقدامهم.
والنواصي: مقدِّمات الرؤوس، فالملائكة يأخذون الكافر بالناصية من أعلى رأسه ومن أسفل قدميه ويصبح مُحْدَوْدَب الظهر في قبضة الملائكة، فليس له مخلص أبدًا، فكيف لمثل هذا أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض؟ كيف سيتحدى الله سبحانه؟
* {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُون }:
أشار إليها كأنها جسم مرئي مشهود يراه الناس ويسمعونه ويحسونه، ومثل هذا يتكرر كثيرًا في القرآن، سواء فيما يتعلق بوعد الآخرة أو بقصص الأنبياء أو غيرهما، وفيه تنشيط للخيال وتنمية لمَلَكة التصور والتصوير، وبهذه المَلَكة يتحوَّل العلم النظري إلى ما يشبه رأي العين، ويحدث التأثير في القلب، وتتحوَّل المعرفة إلى يقين وإيمان.
* {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
والطواف هو: التردد والدوران، فهم يتردَّدون بين جهنم {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } [التوبة: 35]، وإذا ضاقوا منها طلبوا الماء كما يفعل العطشان، فيُذهب بهم إلى ماء حميم شديد الحرارة، و{آن } أي: بالغٌ في الحرارة مبلغًا عظيمًا، كما قال تعالى: {وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُم } [محمد: 15]، فهذا هو الماء الذي يُغاثون به، {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } [الكهف: 29]، فما موقفك أنت أيها المؤمن بيوم القيامة من هذا الوعيد؟ هذا دعوة للناس إلى تجديد إيمانهم.
وجاء بجملة معترضة من حيث المعنى تشير إلى تكذيب المجرمين بها، فهم يكذِّبون بحقيقة مرئية مشهودة {هَذِهِ } هي أمامكم ترونها وتقاسون حرَّها، أو تطوفون بينها وبين نوع آخر من العذاب، وهذا التكذيب هو الذي جعلهم مجرمين، حيث لم يقيموا وزنًا لموعد لقائه ولا لوعده ووعيده.
* و{الرَّحْمَن } سبحانه لا يهلك عليه إلا هالك، ولا يدخل أحدٌ النارَ إلا وقد أعذر من نفسه، ولهذا قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }، كما قال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات:40، 41]، ولأن السورة «سورة الرحمن»، فقد ساق الوعيد بآية واحدة، بينما فصَّل الوعد في بقية السورة في أزيد من ثلاثين آية.
والمقصود بالجنتين مفسَّر في قوله صلى الله عليه وسلم: «جنَّتان من فضة، آنِيَتُهُما وما فيهما، وجنَّتان من ذهبٍ، آنِيَتُهُما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربِّهم إِلَّا رداءُ الكِبْر على وجهه في جنَّةِ عَدْن». فالجنان أربع، هؤلاء جنتان، ومن دونهما جنتان؛ الجنتان الأوليان من ذهب أنياتهما وما فيهما، والجنتان الأخريان من فضة آنيتهما وما فيهما، هذه للسابقين وتلك لأصحاب اليمين.
* {ذَوَاتَا أَفْنَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
والأفنان هي: الغصون المخضرَّة، فشجر الجنة كثير الأغصان، كثير الورق، كثير الثمر.
* {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
والعيون هنا تجري بقوة، فيكون للواحد منهم بيت وقصر وجنة عن يمينه، وجنة عن شماله، وعين في تلك الجنة، وعين في تلك الجنة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر». و«إن أهلَ الجنة لَيَتَراءونَ أهلَ الغُرَف من فوقهم كما تَتَراءونَ الكوكبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ من الأُفُق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضُل ما بينهم». قالوا: يا رسولَ الله، تلكَ منازلُ الأنبياء، لا يبلُغُها غيرُهم؟ قال: «بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا بالله وصدَّقُوا المرسلينَ».
* {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
فكل الفواكه موجودة، والفاكهة الواحدة فيها زوجان، والمعنى: تنوع الفاكهة ذاتها، ويمكن أن تكون فاكهة يابسة وفاكهة رطبة، أو كبيرة وصغيرة، أو مختلفة في لونها، أو في طعمها، أو في جميع ذلك.
* {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
والاتِّكاء علامة التنعم والراحة والاسترخاء والمُلْك، والإستبرق- بالهمزة المقطوعة- هو أفخر أنواع الحرير، فإذا كان هذا هو حال البطائن، فكيف بظواهرها؟ والإستبرق عادةً ما يُغزل بخيوط الذهب.
{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَان }: ثمرها قريب منهم يتناولونه حيث شاؤوا.
* {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
أي: في الجنتين، أو في الفُرش، {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ }، وهذا يشمل الُحور، ويشمل نساء الدنيا المؤمنات الوفيات الصابرات على حفظ العهود.
والمعنى: أنها قصرت طرفها في الدنيا، فهي لا ترى جمالًا غير زوجها، وهو كل عالمها، وفيه دلالة ظاهرة على عفتها، وأنها قصرت طرفها بإرادتها مع قدرتها على ألَّا تفعل ذلك.
ومن المعنى: أن المرأة تُمدح بالكَسَل في عينيها وانكسار العين، وهذا ضرب من الجمال، وهو يشمل الحُور التي خلقهن الله تعالى لمتعة أهل الجنة، ويشمل نساء الدنيا اللاتي أنشأهن الله تعالى: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِين } [الواقعة: 35- 38].
والعرب يمدحون المرأة بطرفها الناعس، وهو يوحي بالخضوع والسماح والمطاوعة.
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَان }: الطمث هو: الدم، ويُطلق على دم الحيض، ويُطلق على دم البكارة.
والمعنى: لم يعاشرهن قبلهم إنس، بالنسبة لنساء الإنس، ولا جن، بالنسبة لنساء الجنِّ.
وليس في الآية دليل على أن الإنس ينكحون الجن أو العكس، فهذه أشياء غريبة على لغة القرآن، بعيدة عن دلالاته التي فيها تحريك للقلوب ومخاطبة الأرواح، فمثل هذه المباحث ينبغي أَلَّا تُقحم في التفسير، وأَلَّا يتكلَّف لها الاستدلال، حتى لكأنما نزل القرآن من أجلها، ويصبح شغل القارئ للقرآن هو هذه المسائل المتكلَّفة التي لا جَدْوى من ورائها، ولا قيمة لها تُذكر.
* {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
أي: في جمالهن وصونهن وتنوع ألوانهن.
* {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان }:
لقد كانوا محسنين في طاعتهم، فأحسن الله تعالى جزاءهم، وكانوا محسنين إلى عباده، فأحسن إليهم، فهم ممن أَعْطَى فأُعْطِي، وأَنْفَق فأَنْفَقَ الله عليه، وجاد فجاد الله له، والله أكرم وأجود، وحتى إحسانهم هو فضل من الله: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ } [الأعراف: 43]، فمن فضله عليهم أن وفَّقهم للطاعة والعبادة، ثم كافأهم عليها.
وقوله: {الإِحْسَان } هذا يرجِّح أن هاتين الجنتين فوق الجنتين التاليتين، فهما جنتان من ذهب للمحسنين؛ لأن الإحسان أعلى الدرجات، كما في حديث جبريل عليه السلام الذي بدأ بالإسلام، ثم ارتقى إلى الإيمان، ثم انتهى إلى الإحسان، وهو أن تعبد اللهَ كأنك تراه.
* {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَان }:
إما أن يكون من دونهما في المكان، أو من دونهما في المنزلة لَمن هو متأخِّر عن رتبة الإحسان من أهل الإيمان والخير، وهو قوي.
* {مُدْهَامَّتَان }:
يعني لونهما يميل للسواد، من كثرة الخضرة وجودة الشجرة وروائه.
* {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَان }:
في الأولى عينان تجريان، والجريان أقوى من النضخ، فهذه العيون تفيض، ولكن الأولى أقوى منها.
* {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
وهذا إشادة بما ذكر تعالى من الفاكهة، ولكن في الجنتين الأوليين وصفهما بأن {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان }، ففيهما كل الفواكه، ومن الفاكهة الواحدة أزواج، أما هنا فذكر الفاكهة إجمالًا، وخصَّ منها: النَّخْل والرُّمَّان.
* {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان * حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَام * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
في الأولى ذكر {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ }، وفي هذه وصفهن بأنهن {مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَام }، كما قيل:
قُصِرْنَ على حبِّ أزواجهنْـ * ـنَ مُشتاقةٌ تَتَلَقَّى مَشُوقًا
ولكن متعلّق القصر في الأولى واضح، وهو الطَّرف والنَّظَر، وفي الثانية لم يذكر، فيحتمل أن يكون عامًّا، مقصورات الطرف والمشي وغير ذلك.
والخيام ليست كخيام الدنيا، ولكنها خيام من لُؤلُؤ، ومن ذهب، بما لا يمكن تصوره، ولكن في حكمة الله أن يُقرِّب لنا هذه المعاني حتى نتشوَّف ونتشوَّق، والشيء الذي في الجنة ليس بالذي يخطر في بالك مطلقًا؛ ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس في الجنة مما في دنياكم إلا الأسماءُ». فكل ما ذكره الله تعالى من فواكه الجنة مما نعرفه في الدنيا، فهي ليست كمثلها في الطعم والحلاوة والجمال، إنما التوافق في الاسم فحسب، وكذلك ما يتعلَّق بالمتعة بين الزوجين.. والذي في الجنة شيء آخر مختلف؛ لأنك لا تعرف جنسه، ولم تر مثله ولا شبهه؛ وهذا لا ينافي أن يتخيَّل المرء نفسه مقبلًا على إحدى هذه الخيام الجميلة الفارهة، ثم داخلًا من بوابتها، مذهولًا بجمالها، وجمال أثاثها النادر، وجمال مَن فيها، متعجِّبًا أنها له، وله هو دون سواه.
والخيام معروفة، وهي نمط من المسكن الخاص في البر، أو للمتعة، أو للضيوف، ولهم في الجنة مساكن أخرى وقصور وغرف ودور وما شاء الله مما نعلم وما لا نعلم.
* {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَان * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان }:
والرَّفْرَف هي: البُسُط أو الوسائد، يعني متَّكئين على ألوان مما يُتَّكأ عليه مما يحتاجه الناس في الاتِّكاء، وعادةً ما يكون اللون الأخضر أجمل وأكثر من يستعمله الملوك والعظماء.
{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَان }: والعَبْقَري هو: الشيء النَّفيس الذي يصعب تصوره، والعرب إذا رأوا شيئًا عظيمًا نسبوه إلى وادي عَبْقَر، وهو وادٍ يعتقدون أنه للجن؛ وذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا اللَّفظ في قصة الرُّؤيا، قال: «فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا في الناس يَفْرِي فَرِيَّهُ». يقصد: عمر رضي الله عنه ، أي: لم أَرَ إنسانًا عظيمًا منجزًا قويًّا، مثل عمله، فأهل الجنة متَّكئون على متَّكآت وبُسط ووسائد حسنة جميلة، لا تخطر على بال.
* {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام }:
والبركة هي: الخير الكثير العظيم، تبارك ربك، وتباركت أسماؤه، {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } [الأعراف: 180]، ومن أسمائه {ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام }، فله الجلال والعظمة والكبرياء، وهو الذي يفيض الخير والفضل على عباده، ويجازي الإحسان بالإحسان، ويجازي الذنب للنادم بالصفح والغفران؛ لأنه الرحيم الرحمن.