جهود السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في حماية فلسطين
بقلم: د. علي محمد الصلابي
استطاع زعيم الحركة اليهوديَّة الصَّهيونيَّة العالميَّة (تيودر هرتزل) أن يتحصَّل على تأييدٍ أوربيٍّ للمسألة اليهوديَّة من الدُّول (ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا) وجعل من هذه الدُّول قوَّةَ ضغطٍ على الدَّولة العثمانيَّة تمهيداً لمقابلة السُّلطان عبد الحميد، وطلب فلسطين منه، وكانت الدَّولة العثمانيَّة تعاني من مشاكل ماليَّةٍ متعدِّدةٍ؛ إِذ كانت الأحوال الاقتصاديَّة في البلاد على درجةٍ من السُّوء؛ بحيث فرضت الدُّول الأوربيَّة الدَّائنة وجود بعثةٍ ماليَّةٍ أوربيَّةٍ في تركيَّا العثمانيَّة للإِشراف على أوضاعها الاقتصاديَّة ضماناً لديونها، الأمر الَّذي دفع عبد الحميد الثاني أن يجد حلاًّ لهذه المعضلة.
كانت هذه الثَّغرة هي السَّبيل الوحيد أمام هرتزل، كي يؤثِّر على سياسة عبد الحميد الثَّاني تجاه اليهود. وفي هذا الصَّدد يقول هرتزل في مذكَّراته: (علينا أن ننفق عشرين مليون ليرةً تركيَّةً لإِصلاح الأوضاع الماليَّة في تركيَّا... مليونان منها ثمناً لفلسطين، والباقي لتحرير تركيَّا العثمانيَّة بتسديد ديونها تمهيداً للتَّخلُّص من البعثة الأوربيَّة... ومن ثمَّ نقوم بتمويل السُّلطان بعد ذلك بأيِّ قروضٍ جديدةٍ يطلبها.(النعيمي، اليهود والدَّولة العثمانيَّة، ص 116).
لقد أجرى هرتزل اتِّصالاتٍ مكثَّفةٍ مع المسؤولين في ألمانيا، والنِّمسا، وروسيا، وإِيطاليا، وإِنجلترا، وكانت الغاية من هذه الاتِّصالات هي إِجراء حوار مع عبد الحميد الثَّاني. وفي هذا الصَّدد فقد نصح لاندو منذ 21 شباط 1869 م الصَّديق اليهودي لهرتزل أن يقوم بواسطة صديقه نيولنسكي رئيس تحرير (بريد الشَّرق). وفي هذا المجال يقول هرتزل: (إِنْ نحن حصلنا على فلسطين، سندفع لتركيَّا كثيراً، أو سنقدِّم عطايا كثيرةً.. لكي يتوسَّط لنا، ومقابل هذا نحن مستعدُّون أن نسوِّي أوضاع تركيَّا الماليَّة، سنأخذ الأراضي الَّتي يمتلكها السُّلطان ضمن القانون المدني، مع أنَّه ربَّما لم يكن هناك فرق بين السُّلطة الملكيَّة والممتلكات الخاصَّة). (النعيمي، اليهود والدَّولة العثمانيَّة، ص 117).
وقام هرتزل بزيارة إِلى القسطنطينيَّة، وذلك في حزيران عام 1896م، ورافقه في هذه الزِّيارة نيولنسكي، الَّذي كانت له علاقة ودِّيَّةٌ مع السُّلطان عبد الحميد، ونتيجةً لذلك فقد نقل نيولنسكي آراء هرتزل إِلى قصر يلدز، وقد دارت محاورةٌ بين نيولنسكي والسُّلطان عبد الحميد؛ إِذ قال السُّلطان له: (هل بإِمكان اليهود أن يستقرُّوا في مقاطعةٍ أخرى غير فلسطين؟) أجاب نيولنسكي قائلاً: (تعتبر فلسطين هي المهد الأوَّل لليهود، وعليه فإِنَّ اليهود لهم الرَّغبة في العودة إِليها)، وردَّ السُّلطان قائلاً: (إِنَّ فلسطين لا تعتبر مهداً لليهود فقط، وإِنَّما تعتبر مهداً لكلِّ الأديان الأخرى). أجاب نيولنسكي قائلاً: (في حالة عدم استرجاع فلسطين من قبل اليهود فإِنَّهم سوف يحاولون الذَّهاب، وبكلِّ بساطةٍ إِلى الأرجنتين). (النعيمي، اليهود والدَّولة العثمانيَّة، ص 120).
وقام السُّلطان عبد الحميد بإِرسال رسالة إِلى هرتزل بواسطة صديقه نيولنسكي جاء فيها: (انصح صديقك هرتزل، ألا يتَّخذ خطواتٍ جديدةً حول هذا الموضوع، لأنِّي لا أستطيع أن أتنازل عن شبرٍ واحدٍ من الأراضي المقدَّسة، لأنَّها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي. وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، وروَّوها بدمائهم؛ فليحتفظ اليهود بملايينهم، إِذا مزَّقت دولتي؛ فمن الممكن
الحصول على فلسطين بدون مقابل، ولكن لزم أن يبدأ التَّمزيق أوَّلاً في جثَّتنا، ولكن لا أوافق على تشريح جثَّتي وأنا على قيد الحياة).
- وفي هذا الصَّدد يقول عبد الحميد في مذكَّراته:
(ومن المناسب أن نقوم باستغلال الأراضي الخالية في الدَّولة، وهذا يعني من جانب اخر: أنَّه كان علينا أن ننهج اتِّباع سياسة تهجير خاصَّة، ولكنَّنا لا نجد أنَّ هجرة اليهود مناسبةٌ؛ لأنَّ غايتنا هي استيطان عناصر تنتمي إِلى دين أسلافنا، وتقاليدنا؛ حتى لا يستطيعوا الهيمنة على زمام الأمور في الدَّولة).
وبعد إِخفاق جهود هرتزل بواسطة نيولنسكي، اتَّجه هرتزل إِلى قصر وليم الثَّاني إِمبراطور ألمانيا، ولا سيَّما: أنَّه كان صديقاً لعبد الحميد، بالإِضافة إِلى كون وليم الثَّاني هو الحليف الوحيد للعثمانيِّين في أوربَّة، إِلا أنَّ مساعيه لم تكلَّل بالنَّجاح. يقول المؤرِّخ التُّركي نظام الدِّين نظيف في كتابه (إِعلان الحرِّيَّة والسُّلطان عبد الحميد الثَّاني): (.. عندما ردَّ طلب الوفد اليهوديِّ ـ المسند من قبل الإِمبراطور وليم ـ في الحصول على وطنٍ لهم، أي: عندما خاب هرتزل في مسعاه؛ اشتدَّ العداء ضدَّ (يلدز) وهذا ما كان يتوقَّعه عبد الحميد، لأنَّ اليهود قومٌ يتقنون العمل المنظَّم، وكانت لديهم قوىً عديدةٌ تضمن لهم النَّجاح في مسعاهم، فالمال متوفِّرٌ لديهم، وكانوا يسيطرون على أهمِّ العلاقات التِّجاريَّة الدَّوليَّة، وكانت صحافة أوربَّة في قبضتهم، فكان في مقدورهم إِطلاق العواصف الَّتي يريدونها لدى الرَّأي العام متَّى شاؤوا...).(محمد أورخان، السُّلطان عبد الحميد، حياته، وأحداث عهده281).
يردف المؤرِّخ التُّركيُّ قائلاً: (بدؤوا أوَّلاً بتحريك الصَّحافة العالميَّة، ثمَّ أخذوا بتوحيد أعداء عبد الحميد الَّذين نشؤوا في ذلك المجتمع العثماني الخليط، نجد أنصار المشروطيَّة يتَّخذون طابعاً منظَّماً، وهجوميَّاً، علماً بأنَّهم كانوا حتَّى ذلك الوقت متفرِّقين، ويعملون دون نظامٍ، ودون تنسيقٍ؛ إِذ لم يكن صعباً عليهم توحيد أعداء عبد الحميد الَّذين نشؤوا في ذلك المجتمع العثماني الخليط. وقد أخذ (المشرق الأعظم الماسوني الإِيطالي) على عاتقه هذه المهمَّة في التَّوحيد والتَّنسيق؛ لأنَّه كان أقرب مركزٍ ماسونيٍّ للإِمبراطوريَّة العثمانيَّة. ولعبت المحافل الإِيطاليَّة وخاصَّةً محفل (ريزوتا) في سالونيك دوراً ملحوظاً...).(محمد أورخان، السُّلطان عبد الحميد، حياته، وأحداث عهده، 282).
إِزاء هذا الإِخفاق قرَّر هرتزل أن يستخدم وسائل أخرى لاستمالة عبد الحميد الثَّاني، حيث عرض عن طريق نيولنسكي خدمته بواسطة القضيَّة الأرمنيَّة وفي هذا الصَّدد يقول هرتزل: (طلب منِّي السُّلطان أن أقوم بخدمةٍ له، وهي أن أؤثِّر على الصُّحف الأوربيَّة بغية قيام الأخيرة بالتَّحدُّث عن القضيَّة الأرمنيَّة بلهجةٍ أقلَّ عداءً للأتراك. أخبرت نيولنسكي حـالاً باستعدادي للقيام بهذه المهمَّة، ولكنِّي أكَّدت على إِعطائي فكرةً وافيةً عن الوضع الأرمنيِّ: مَنْ هم الأشخاص في لندن الَّذين يجب أن أقنعهم بما يريدون، وأيُّ الصُّحف يجب أن نستميلها لجهتنا، وغير ذلك).
وعلى هذا الأساس، فقد نشطت الدِّبلوماسيَّة الصَّهيونيَّة لإِقناع الأرمن بالتَّخلِّي عن ثورتهم. ونتيجةً لذلك فقد اتَّصل هرتزل مع سالزبوري، والمسؤولين الإِنجليز بغية استخدامهم للضَّغط على الأرمن، كما نشط اليهود في مدن أوربيَّة أخرى، مثل فرنسا للقيام بنفس الدَّور. إِلا أنَّ دبلوماسيَّة هرتزل قد أخفقت بسبب عدم تحمُّس بريطانيا؛ لأن ذلك كان يعني تأييد سياسة عبد الحميد، الأمر الذي ّيؤدي لإثارة الرَّأي العامِّ البريطانيِّ ضدَّ الحكومة.
وقد حاول هرتزل لقاء عبد الحميد الثَّاني، ولا سيَّما أثناء الزِّيارة الثَّانية للإِمبراطور وليم الثَّاني إِلى القسطنطينيَّة، إِلا أنَّ موظَّفي قصر يلدز منعوه من ذلك. واستمرَّ هرتزل في محاولاته المستمرَّة حتَّى تكلَّلت جهوده بالنَّجاح بعد سنتين (1899 ـ 1901 م) من الاحتكاك المباشر مع الموظَّفين الكبار لقصر يلدز من مقابلة عبد الحميد، حيث قابل السُّلطان لمدَّة ساعتين، وقد اقترح هرتزل قيام البنوك اليهوديَّة الغنيَّة في أوربَّة بمساعدة الدَّولة العثمانيَّة لقاء السَّماح بالاستيطان في فلسطين، بالإِضافة إِلى ذلك فإِنَّه قد أكَّد لعبد الحميد: أنَّه سوف يخفِّف الدُّيون العامَّة للدَّولة العثمانيَّة، وذلك منذ عام 1881 م، وقد وعد هرتزل عبد الحميد أن يحتفظ بمناقشاته السِّرِّيَّة معه.
كان السُّلطان عبد الحميد في خلال مقابلته مع هرتزل مستمعاً أكثر منه متكلِّماً، وكان يرخي لهرتزل في الكلام؛ كي يدفعه أن يتحدَّث بكلِّ ما يخطر في مخيَّلته من أفكارٍ، ومشروعاتٍ، ومطالب، وقد أدَّى هذا الأمر إِلى أن يعتقد هرتزل بأنَّه نجح في مهمَّته هذه، ولكنَّه أدرك في نهاية الأمر بأنَّه قد أخفق مع عبد الحميد، وأنَّه أخذ يسير في طريقٍ مسدودٍ معه.
وبعد إِخفاق جهود هرتزل عند عبد الحميد الثَّاني، تحدَّث هرتزل قائلاً: (في حالة منح السُّلطان فلسطين لليهود سنأخذ على عاتقنا تنظيم الأوضاع الماليَّة، أمَّا في القارَّة الأوربيَّة؛ فإِنَّنا سنقوم بإِيجاد حصنٍ منيعٍ ضدَّ آسيا، وسوف نبني حضارةً ضدَّ التَّخلُّف، كما سنبقى في جميع أنحاء أوربَّة بغية ضمان وجودنا.
وفي الحقيقة كان عبد الحميد يرى: أنَّه من الضَّروري عدم توطين اليهود في فلسطين، كي يحتفظ العنصر العربيُّ بتفوُّقه الطَّبيعيِّ. وفي هذا الصَّدد يقول: (... ولكن لدينا عددٌ كافٍ من اليهود، فإِذا كنَّا نريد أن يبقى العنصر العربيُّ متفوِّقاً؛ علينا أن نصرف النَّظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين، وإِلا فإِنَّ اليهود إِذا استوطنوا أرضاً؛ تملَّكوا جميع قدراتها خلال وقتٍ قصيرٍ، ولذا نكون قد حكمنا على إِخواننا في الدِّين بالموت المحتَّم).
وكانت الدَّولة العثمانيَّة تسعى في أحيانٍ كثيرةٍ إِلى إِبعاد اليهود العثمانيِّين عن أفكار هرتزل، والحركة الصَّهيونيَّة، ومع ذلك فإِنَّها في أحيانٍ أخرى كانت تستخدم لغة التَّهديد معهم. وفي هذا الصَّدد أوضح علي فرُّوخ بك للوسائل الإِعلاميَّة الأجنبيَّة، وبصراحةٍ تامَّةٍ: (إِنَّه لبعيدٌ من الصَّواب أن يقوم الصَّهاينة على خلق صعوباتٍ للحكومة العثمانيَّة، بغية إِرغامها على تحقيق مصالحها. ولكنَّ هذه الصُّعوبات سوف تؤدِّي في نهاية الأمر إِلى إِلحاق الأذى بوجودهم السِّلمي، والسَّعيد في الدَّولة العثمانيَّة... وهذه النُّقطة واضحةٌ بالنِّسبة لعلاقة العثمانيِّين مع رعايا الأرمن؛ لأنَّ قلَّةً من المتمرِّدين الَّذين قاموا على ارتكاب الخطأ، والحماقة معتمدين إِلى الإِرشاد الميكافلي قد أدَّى في نهاية الأمر أن يندموا على ما فعلوه، من دون التَّوصُّل إِلى أيَّةِ نتيجةٍ).
وعلى الرَّغم من إِخفاق جهود هرتزل عند السُّلطان عبد الحميد؛ كتب هرتزل، قائلاً: (يجب تملُّك الأرض بواسطة اليهود بطريقةٍ تدريجيَّةٍ، دونما حاجةٍ إِلى استخدام العنف، سنحاول أن نشجِّع الفقراء من السُّكَّان الأصليِّين على النُّزوح إِلى البلدان المجاورة بتأمين أعمالٍ لهم هناك، مع حظر تشغيلهم في بلدنا. إِنَّ الاستيلاء على الأرض سيتمُّ بواسطة العملاء السِّرِّيِّين للشَّركة اليهوديَّة الَّتي تتولَّى بعد ذلك بيع الأرض لليهود. علاوةً على ذلك تقوم الشَّركة اليهوديَّة بالإِشراف على التِّجارة في بيع العقارات، وشرائها، على أن يقتصر بيعها على اليهود وحدهم.
وكتب هرتزل قائلاً: (أقرُّ على ضوء حديثي مع السُّلطان عبد الحميد الثَّاني: أنَّه لا يمكن الاستفادة من تركيَّا إِلا إِذا تغيَّرت حالتها السِّياسيَّة، أو عن طريق الزَّجِّ بها في حروب تهزم فيها، أو عن طريق الزَّجِّ بها في مشكلاتٍ دوليَّةٍ، أو بالطَّريقتين معاً في آنٍ واحدٍ).
إِنَّ عبد الحميد كان يعرف أهداف الصَّهيونيَّة؛ حيث قال في مذكَّراته السِّياسيَّة: (لن يستطيع رئيس الصَّهاينة هرتزل أن يقنعني بأفكاره، وقد يكون قوله: ستحلُّ المشكلة اليهوديَّة يوم يقوى فيها اليهوديُّ على قيادة محراثه بيده، صحيحاً في رأيه: أنَّه يسعى لتأمين أرضٍ لإِخوانه اليهود، لكنَّه ينسى أن الذَّكاء ليس كافياً لحلِّ جميع المشاكل.. لن يكتفي الصَّهاينة بممارسة الأعمال الزِّراعيَّة في فلسطين، بل يريدون أموراً مثل تشكيل حكومةٍ، وانتخاب ممثِّلين، إِنِّني أدرك أطماعهم جيِّداً، لكنَّ اليهود سطحيُّون في ظنِّهم: أنَّني سأقبل بمحاولاتهم. وكما أنَّني أقدِّر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي، فإِنِّي أعادي أمانيهم، وأطماعهم في فلسطين).
وعن القدس يقول عبد الحميد الثَّاني: (لماذا نترك القدس.. إِنَّها أرضنا في كلِّ وقتٍ، وفي كلِّ زمانٍ، وستبقى كذلك، فهي من مدننا المقدَّسة، وتقع في أرضٍ إِسلاميَّةٍ، لا بدَّ أن تظلَّ القدس لنا).(محمد حرب العثمانيُّون في التَّاريخ والحضارة، ص 57).
لقد كان غرض السُّلطان عبد الحميد في استماعه إِلى (تيودور هرتزل) معرفة الآتي:
1 ـ حقيقة الخطط اليهوديَّة.
2 ـ معرفة قوَّة اليهود العالميَّة، ومدى قوَّتها.
3 ـ إِنقاذ الدَّولة العثمانيَّة من مخاطر اليهود.
وشرع السُّلطان عبد الحميد في توجيه أجهزة الاستخبارات الدَّاخليَّة، والخارجيَّة لمتابعة اليهود، وكتابة التَّقارير عنهم، وأصدر إِرادتين سنيتين: الأولى في 28 يونيو 1890 م، والأخرى في 7 يوليو 1890 م. في الأولى (رفض قبول اليهود في الممالك الشَّاهسانيَّة) والأخرى: (على مجلس الوزراء دراسة تفرُّعات المسألة، واتِّخاذ قرارٍ جدِّيٍّ وحاسمٍ في شأنها). (النعيمي، اليهود والدَّولة العثمانيَّة، ص 88).
واتَّخذ السُّلطان عبد الحميد الثَّاني كلَّ التَّدابير الَّلازمة في سبيل عدم بيع الأراضي إِلى اليهود في فلسطين، وفي سبيل ذلك عمل جاهداً على عدم إِعطاء أيِّ امتيازٍ لليهود من شأنه أن يؤدِّي إِلى تغلُّب اليهود على أرض فلسطين. ولا بدَّ في هذه الحالة أن تتكاتف جهود المنظَّمات الصَّهيونيَّة بغية إِبعاد السُّلطان عبد الحميد الثَّاني من الحكم. ويعزِّز هذا القول هرتزل عندما قال: (إِنِّي أفقد الأمل في تحقيق أماني اليهود في فلسطين، وإِنَّ اليهود لن يستطيعوا دخول الأرض الموعودة، ما دام السُّلطان عبد الحميد قائماً في الحكم، مستمرَّاً فيه). (النعيمي، اليهود والدَّولة العثمانيَّة، ص 158).
وتحرَّكت الصَّهيونيَّة العالميَّة، لتدعم أعداء السُّلطان عبد الحميد الثَّاني، وهم المتمرِّدون الأرمن، والقوميَّون في البلقان، وحركة حزب الاتِّحاد والتَّرقِّي، والوقوف مع كلِّ حركةٍ انفصاليَّةٍ عن الدَّولة العثمانيَّة.(محمَّد حرب، السُّلطان عبد الحميد الثَّاني ص (234).