رابعاً: من أخلاقه ﷺ:
د . زغلول النجار
كان رسول الله ﷺ مثلاً أعلى للإنسانية، ما قال لخادم عنده أُفٍّ قط، ولا حقد على إنسان أبداً، كان يعطف على الصغير والكبير، كما كان يصل رحمه، ويكرم ضيفه، ويحفظ حقوق جاره، كما كان يحمل الكَلَّ، ويغيث الملهوف، ويعين على نوائب الدهر، كما كان ﷺ يكني أصحابه ويناديهم بأحب الأسماء إليهم، وكان من عاداته أن يبدأ المسلمين بالسلام، ولا يحتقر إنساناً أيّاً كان. كان بشوشاً مع الناس جميعاً، يستشير عقلاءهم في الأمور الدنيوية، ويعلمهم وحي السماء، كما كان يعطف على ضعفائهم بسجية سمحة، كان لا يقطع حديث متحدث، وإذا قاطعة محدثه صمت. كانت جميع أفعاله متطابقة مع أقواله، فكان وفاؤه مضرب الأمثال، فما خَفرَ ذمة، ولا نقض عهداً في حياته، وما غدر بإنسان قط. كان ﷺ وفياً كريماً، محسناً، عف اللسان، صادقاً في كل ما يقول، يمزح ولا يقول إلا حقاً. وكان قد أوتي جوامع الكلم، ينهى عن اللغو ويحبب في معالي الأمور. كما كان حليماً، متسامحاً، متأنياً في حكمه، لا يغضب لنفسه، ولا ينتقم لنفسه، ولكن يغضب لله (تعالى) وحده. كان صبوراً محتسباً في كل محنة وشدة، راضياً بقضاء الله وقدره، داعياً إلى الأخوة بين الناس جميعاً، لذلك ما أحب أصحابه إنساناً كما أحبوه لنبل أخلاقه، وكريم طبائعه.
لذلك كان رسول الله ﷺ في قمة البشرية: سلامة الصدر، وطهارة نفس، وعظيم خلق، وسمو سلوك، وحسن فهم لرسالة الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ولمصيره من بعدها، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين (اللهم آمين)، وجاءت أقواله وأفعاله تدعو إلى الالتزام بمكارم الأخلاق، ومن ذلك ما يلي:
- "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
- "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً".
- "البر حسن الخلق".
- "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".
- "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً".
- "حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار".
- "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لأهله".
- "إن من أعظم الأمور أجراً النفقة على الأهل".
- وكان من عدله إقامته شرع الله (تعالى) ولو على أقرب الأقربين. وكان لا يتكلم فيما لا يَعْنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء عُرِفَ ذلك في وجهه.
- "يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما قال: بلى يا رسول الله، قال: عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفس محمد بيده، ما عمل الخلائق بمثله".
- وكان أبعد الناس عن الكبر، فكان يقول ﷺ: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله".
- وكان ﷺ يحذر من الكبر فقال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
- ومن تواضعه ﷺ أنه كان يجيب الدعوة لو إلى خبز الشعير، ويقبل الهدية. وكان يجلس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط. وعندما قيل له ادع على المشركين قال ﷺ: "إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة".
- كان من دعائه ﷺ: "اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به".
- "هل تُرزقون وتنصرون إلا بضعفائكم".
- "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
- وكان ﷺ أكثر الناس دعاةً، وكان من أكثر دعائه أن يقول: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
- ومع شجاعته العظيمة كان ﷺ لطيفاً رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صَخَّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
- كان ﷺ أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، خَيَّره الله (تعالى) بين أن يكون ملكاً نبياً أو أن يكون عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً. وكان من زهده ﷺ وقله ما بيده أن النار ما كانت توقد في بيته في الثلاثة أَهِلَّة.
- عن أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله ﷺ قال لها: "يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق". وفي رواية: "إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق".
- وقالت عن خلق رسول الله ﷺ: "كان خلقه القرآن".
- وقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".
- وقالت: "كان رسول الله ﷺ يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته". (يخصف: أي يخيط ويرقع).
- وقالت: "ما ضرب رسول الله خادماً ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله".
- وقالت: "ما خُيّر رسول الله ﷺ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه، وما انتقم ﷺ لنفسه قط إلا أن تُنتهكَ حرمة الله فينتقم".
- وعن أم المؤمنين السيدة صفية بنت حيي (رضي الله عنها) أنها قالت: "ما رأيت أحسن خلقاً من رسول الله".
- عن جابر بن عبد الله قال: "كان النبي ﷺ إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقِني سَيِّئ الأعمال وسَيِّئ الأخلاق لا يقي من سيئها إلا أنت".
- وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) أن النبي ﷺ قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء".
- وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان النبي ﷺ يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءً، وكان أكثر خبزهم الشعير".
- عن أبي أمامة الباهلي قال: خرج علينا رسول الله متوكئاً على عصا، فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً.
- وفي حديث عمرو بن عنبسة أنَّه سأل النبي ﷺ: أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: "حسن الخلق"، لذلك امتدح الله (تعالى) نبيه الكريم ﷺ بحسن الخلق في العديد من آيات القرآن الكريم التي منها ما يلي:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ...}.