حجة الوداع: منهج عمل |
د . زغلول النجار
يقول ربنا تبارك وتعالى فى محكم كتابة:
﴿…وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).
و (الحج) لغة هو القصد للزيارة أو السفر، وفي الشرع هو قصد بيت الله الحرام لأداء النسك الذي جعله ربنا تبارك وتعالى حقا لذاته العلية على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، ولو لمرة واحدة في العمر، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة منذ القدم كما يتضح من النقاط التالية:
(أ) قدم البيت الحرام:
أمر ربنا تبارك وتعالى ملائكته ببناء الكعبة المشرفة على أول جزء تكون من اليابسة استعدادا لمقدم أبينا ادم عليه السلام، وفي ذلك يقول أبوذر رضي الله عنه: "قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع فى الأرض أول؟ قال المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت كم بينهما؟ قال "أربعون سنة، وأيما أدركت الصلاة فصل فهو مسجد".
وقال المصطفى ﷺ: "كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض".
"دحيت الأرض من مكة، فمدها الله تعالى من تحتها فسميت أم القرى" (الهروي/ الزمخشري).
وفى شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس رضي الله عنهما وابن قتيبة أرضاه الله، أن مكة المكرمة سميت باسم "أم القرى" لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض.
والدحو فى اللغة هو المد والبسط والإلقاء، وهي كلمة جامعة للتعبير عن ثورة البركان الذي يوسع من امتداد طفوحه البركانية كلما تجدد نشاطه وذلك بإلقاء مزيد من تلك الطفوح.
كذلك أخرج كل من الطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا عليه أنه (أي البيت الحرام) كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة (بفتح الزاي) أي كتلة من الزبد بيضاء فدحيت الأرض من تحته.
وتأتي المعارف المكتسبة في مجال علوم الأرض لتثبت أن الأرض غٌمرت في مرحلة من مراحل خلقها الأولى غمرا كاملا بالماء، ثم شق الله تعالى قاع هذا المحيط الغامر بعدد من الخسوف الأرضية العميقة فانبثقت منها الثورات البركانية العنيفة التي ظلت تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط الغامر لتكون سلسلة جبلية طويلة ظلت ترتفع بالتدريج حتى برزت أعلى قمة فيها فوق مستوي سطح الماء مكونة أول جزء من اليابسة التي نعرفها اليوم على هيئة جزيرة بركانية صغيرة شكلت أرض الحرم المكي المبارك. وباستمرار النشاط البركاني فوق قاع هذا المحيط الغامر نمت هذه الجزيرة البركانية بعملية الدحو (وهو المد والبسط والإلقاء كما تفعل ثورات البراكين عادة) لتكون اليابسة على هيئة قارة واحدة تعرف باسم القارة الأم (أو أم القارات). ثم فتت الله تعالى هذه القارة الأم إلى القارات السبع التي نعرفها اليوم، وأخذت هذه القارات تنزاح متباعدة عن بعضها البعض إلى مواقعها الحالية، باستمرار عملية زحف القارات، مع بقاء مكة المكرمة في وسط اليابسة، ولذلك سماها القرآن الكريم باسم (أم القرى).
وكل من آيات القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى ﷺ تشير إلى أن مكة المكرمة ليست فقط في مركز يابسة الأرض، بل هي في مركز الكون كله انطلاقا من أقوال خاتم الأنبياء والمرسلين صل الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين التي منها ما يلي:
(1)" البيت المعمور منا مكة" (أخرجه الأرزقى فى أخبار مكة).
(2)" البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضُرَاح وهو بحيال الكعبة" (رواه البيهقى فى شعب الإيمان).
(3)" يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء" (رواه الفاكهي فى أخبار مكة).
(4) "إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأراضين السبع".