حظر الحجاب في أوروبا.. وجه قانوني يخفي ممارسات عنصرية ضد المسلمين
تستمرّ قضية وضع الحجاب في البلدان الأوروبية منذ سنوات في إثارة الجدل. ولم تزد القوانين المقترحة لمنعه في المؤسسات والشركات، الوضع إلا تعقيداً، مما طرح تساؤلات حقيقية حول الحريات الشخصية وحقوق الأفراد وممارسة اعتقاداتهم بحرية.
أصدرت محكمة العدل الأوروبية يوم الخميس 15 يوليو/تموز الجاري حكماً يقضي بحقّ الشركات وأرباب العمل في منع العاملات المسلمات من وضع الحجاب في أثناء فترة الدوام.
وجاء قرار المحكمة دعم موقف أصحاب العمل، إثر دعويين قضائيتين رفعتها موظفتان مسلميتان، في ألمانيا، تعمل إحداهما في حضانة أطفال والأخرى في متجر مستحضرات طبية، وُقفتا عن العمل بسبب وضع الحجاب.
وعلقت المحكمة الأوربية على القرار بأن "منع ارتداء أي شيء يمثّل تعبيراً عن معتقدات سياسية أو فلسفية أو دينية في أماكن العمل، قد تبرّره حاجة صاحب العمل إلى تقديم صورة محايدة للعملاء، أو الحيلولة دون أي مشاحنات اجتماعية".
أثار القرار مخاوف المسلمين في أوروبا، من إقصاء عنصري واتساع دائرة التضييق عليهم خلف ستار القانون، إذ إنها ليست المرة الأولى التي تثار فيها قضية سَنّ قوانين تحظر الحجاب والنقاب في البلدان الأوروبية.
تشريعات أوروبية ضد الحجاب
خاض بعض البلدان الأوروبية نقاشات مستمرة طوال سنوات، تدفع في اتجاه ضرورة سَنّ قوانين تمنع حظر جميع الرموز الدينية داخل المؤسسات التعليمية والمرافق الرئيسية في هذه الدول. واكتسبت هذه الحملة التي استهدفت المسلمين على وجه التحديد زخْماً منذ أحداث سبتمبر/أيلول 2001.
ورغم أنه تسكن فيها أكبر جالية مسلمة في أوروبا، كانت فرنسا أولى هذه الدول الأوروبية التي شنّت الحرب على المسلمين، وتمكنت بموجب قانون عام سنة 2004 من منع التلميذات في المدارس العامة من وضع أي دلالة أو ارتداء أي ملابس تُظهِر الانتماء الديني ظاهرياً، ولم ينطبق حينها القانون فعلياً على المؤسسات الجامعية.
فيما ألزمت في الوقت ذاته الموظفات الحكوميات عموماً تحرِّي "الحياد التامّ"، دون أن تحسم السلطات الفرنسية قانونياً في مسألة وضع الحجاب في بقية الشركات والمؤسسات.
ولكن بعد ذلك في سنة 2014 أيدت المحكمة العليا الفرنسية حكما بتسريح عاملة من وظيفتها بسبب وضعها الحجاب. ومؤخراً ضمن مشروع قانون الانفصالية الذي صدّق عليه مجلس الشيوخ الفرنسي، انطلقت حملة شرسة في فرنسا زاد اليمين المتطرف تأجيجها، تحارب وضع أي فتاة تقلّ سنّها عن 18 عاماً الحجاب.
امتدت الحملة المناهضة لوضع الحجاب من فرنسا إلى ألمانيا، التي ارتفع فيها عدد المسلمين، وأغلبهم من اللاجئين، عقب الأزمات والحروب الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن الوضع يختلف من ولاية إلى أخرى، فإنه حُظر وضع المدرسات الحجاب في بعض المناطق، وقيّدت المحكمة الدستورية الألمانية الحظر المفروض على المدرسات وجعلته يقتصر على حالات التهديد المؤكّد لحسن سير المدرسة، وذلك بموجب قرار صادر سنة 2015.
وفي سنة 2017 أصدرت محكمة العدل الأوروبية، ومقرها لكسمبورغ، حكماً يقضي بحقّ الشركات والمؤسسات في حظر وضع الحجاب في أثناء ساعات العمل. تلا ذلك قرار أصدرته المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا عام 2020، يرى ضرورة عدم وضع المتدربات الحجاب داخل قاعات المحاكم.
ورغم أن السجال ذاته أُثيرَ في النمسا منذ عام 2019، فإن المحكمة الدستورية النمساوية رفضت نهاية عام 2020 قانوناً يمنع الفتيات من وضع الحجاب في المدارس.
حيادية أم تمييز عنصري؟
أشعلت قضية منع وضع الحجاب في البلدان الأوروبية، سجالاً سياسياً حادّاً، وكشفت الانقسامات في الموقف الأوروبي حول قضية إدماج المسلمين داخل هذه المجتمعات.
ويرى كثيرون أن إقرار قوانين تحظر وضع المسلمات في أوروبا للحجاب، يسلّط الضوء بوضوح على مدى استعداد المشرعين للذهاب لمحو المرأة المسلمة من المجال العامّ.
فإن كانت فرنسا وكثير من الدول الأوروبية تدّعي، في أكثر من مناسبة، دعمها نساء الأقليات العرقية، فإنها في الوقت ذاته تُملي على كثير منهن ما يجب أن يرتدينه.
وإن كانت تزعم، في قانون الانفصالية الأخير مقاومة كل أشكال قمع المرأة وانتهاك كرامتها، فهي تسلبها حرية الاختيار، وتقمع ممارستها اعتقاداتها الدينية.