هل تجوز إقامة صلاة الاستسقاء لأجل إطفاء الحرائق؟
بقلم: أ. د علي القره داغي – الأمين العام للاتحاد
بسم الله الرحمن الرحيم
عن الحرائق وصلاة الاستسقاء...
وردت إلى أسئلة كثيرة من عدة بلدان، وبخاصة البلدان التي وقعت فيها الحرائق مثل تركيا، والجزائر، وإسبانيا، وأمريكا، مفادها: هل تجوز إقامة صلاة الاستسقاء لأجل إطفاء الحرائق؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد..
فإن صلاة الاستسقاء سنة عند جماهير الفقهاء، وحكي الإجماع على مشروعيتها، ويدل ذلك ما رواه أبو داود (1173) وابن حبان في صحيحه(2860) والبخاري في الأدب المفرد (92) حسن صحيح وقال ابن الملقن في البدر المنير(5/ 151) حديث صحيح، بأسانيدهم عن عائشة رضي الله عنها قالت : شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه ، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم .. ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب، أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل، فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ، ثم أمطرت بإذن الله تعالى ...".
وهناك أحاديث كثيرة في الصحيحين وكتب السنن والمسانيد منها حديث البخاري (1026) ومسلم (896) عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فصلى ركعتين وقلب رداءه. وروى مسلم (896) عن أنس بأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء".
كيفية صلاة الاستسقاء:
يخرج الناس في يوم محدد من غير تزين أو تطيب وبهدوء ووقار إلى خارج المدينة (العراء) أو إلى جامع، وتصلى في جميع الأوقات ما عدا الأوقاف المنهي عنها، ولكن الأفضل أن تؤدى في أوقات صلاة العيد، وتؤدى كذلك مثل صلاة العيد، حيث البدء بالصلاة، وتكون في الركعة الأولى سبع تكبيرات أو ست ما عدا تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام. وورد كذلك بسبق الخطبة والدعاء على الصلاة مثل صلاة الجمعة، كما أن الخطبتين يمكن جمعهما في خطبة واحدة، ففي ذلك سعة.
صلاة الاستسقاء لأجل إطفاء الحرائق؟
إن الجواب على السؤال الوارد هو أن الذي يظهر من الأدلة الواردة في السنة أن العلة أو الحكمة في إقامة صلاة الاستسقاء هي حاجة الناس إلى المطر، وهذا ما نص عليه حديث عائشة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم" فهذا النص النبوي الصحيح ينطبق تماماً على صلاة الاستسقاء لأجل إطفاء الحرائق أيضاً، وه وتأخير المطر عن وقت الحاجة ، كما أن ما يترتب على الحرائق من الأضرار يفوق الأضرار المتحققة من الجدب والقحط المجرد، وفي ذلك إهلاك للحرث والنسل معاً، ويدل على ذلك أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى عندما أصاب المسلمين العطش في بعض غزواته.
ومن جانب آخر فإن لفظ الاستسقاء لغة هو طلب السقيا من الله تعالى أو من غيره، ولكن في الاصطلاح خاص بطلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إلى الماء، وليس فيه قيد آخر، وبناء على ذلك فإن مشروعية صلاة الاستسقاء لأجل الحاجة الماسة إلى المطر للقضاء على الحرائق داخل في معناه اللغوي والاصطلاحي، وفي الحديث السابق.
وبناء على ذلك فإن أداء صلاة الاستسقاء لنزول المطر حتى يطفئ الحرائق داخل في النصوص الشرعية الخاصة بها. كما أنها داخلة في المعنى اللغوي للاستسقاء، ويؤكدها تحقق حكمها وعللها وغاياتها ومقاصدها في صلاة الاستسقاء لأجل نزول المطر حتى يطفئ نيران الحرائق.
أنواع الاستسقاء
ذكر الفقهاء أن الاستسقاء يتحقق بالصلاة على الوجه الأكمل، ولكنه أيضاً يتحقق بما يأتي:
1- الدعاء فرادى وجماعات، أي دون الصلاة، ولا خلفها.
2- الدعاء بعد صلاة الجمعة.
3- دعاء الخطيب يوم الجمعة على المنبر أثناء خطبته، أو في نهايتها.
4- دعاء الناس بعد صلواتهم بالاستسقاء.
فهذه الأدعية مشروعة بالاتفاق لجميع حالات الاستسقاء، بما فيها حالات الحرائق.
هذا والله أعلم بالصواب
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
كتبه الفقير إلى ربه
علي محيي الدين القره داغي
6/ 1/ 1443 هــ = 14/ 8 / 2021