مسلمو أفريقيا الوسطى.. أوضاع مأساوية في ظل فوضى سياسية
تقع جمهورية أفريقيا الوسطى في وسط أفريقيا، وهي دولة حبيسة ليس لها حدود ساحلية، تحدها تشاد شمالاً، والكونغو جنوباً، والسودان شرقاً، والكاميرون غرباً، وتبلغ مساحتها نحو 620 ألف كيلومتر مربع، واللغة الرسمية السانغوية، والفرنسية.
يقدر عدد السكان بحوالي 4.7 مليون نسمة عام 2020م، وعاصمتها بانغي، ويبلغ عدد المسلمين نحو 700 ألف بنسبة 15%، والمسيحيون 50%، و35% معتقدات محلية، وينتشر الإسلام بين الجماعات المستعربة والبيل والبورورو، إضافة للجماعات التي تسكن شرق ووسط البلاد.
استقلت عن الاحتلال الفرنسي عام 1960م، لكن مواردها ظلت تحت نفوذها، وظلت فرنسا المستثمر الأول في البلاد، وقد أصبحت جمهورية أفريقيا الوسطى من أفقر دول العالم بالرغم من تمتعها بالثروات المعدنية كالألماس والذهب واليورانيوم والحديد، وأراض زراعية خصبة، وتستغل الشركات الأجنبية زراعة القطن والبن والتبغ والمطاط ونخيل الزيت.
أكثر من نصف سكانها أميون يعانون الفقر؛ حيث يعيش معظمهم بنحو 1.25 دولار في اليوم، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويعانون من أمراض الإيدز والملاريا ومرض النوم والحمى الصفراء والالتهاب الرئوي والتيفوس والطاعون، وتلك الأمراض تسبب 20% من نسبة الوفيات.
الحياة السياسية
اتسمت الحياة السياسية بعد الاستقلال بالاستبداد السياسي والانقلابات العسكرية على السلطة، ولما أطاحت مليشيات تحالف «سيلكا»، بقيادة «ميشيل دجوتوديا» المسلم، بالرئيس «فرانسوا بوزيزي»، في 24 مارس 2013م، دخلت البلاد في حروب أهلية، في ديسمبر من نفس العام، وانتشرت المليشيات المسلحة فيها؛ فقتل الآلاف وتشرد نحو مليون شخص (ربع السكان!) من ديارهم إلى الدول المجاورة.
وظلت الفوضى مسيطرة على الوضع في البلاد؛ فاجتمع رؤساء دول وسط أفريقيا في قمة بشأن أزمة جمهورية أفريقيا الوسطى، وتم الضغط على «دجوتوديا» للاستقالة؛ فأعلن استقالته، في 10 يناير 2014م، ثم تولت رئاسة البلاد «كاثرين سامبا بانزا»، في 23 يناير 2014 حتى 30 مارس 2016م، وأعقبها في رئاسة البلاد «فوستين أرشينج تواديرا»، في 30 مارس 2016م، وما زالت الفوضى الأمنية هي السائدة؛ فقد وقعت اعتداءات على الأهالي في نوفمبر 2018م، في بلدة بتانغافو، وخلّفت 15 قتيلاً و29 مصاباً، إضافة إلى إحراق وهدم المنازل، وتهجير أكثر من 20 ألف شخص إلى مخيّمات النازحين.
ولما تولى «ميشيل دجوتوديا» المسلم الرئاسة عقب الإطاحة بالرئيس «بوزيزي»، في 24 مارس 2013م، مكّنت قوات حفظ السلام الفرنسية، في ديسمبر 2013م، للمليشيات المسيحية المسلحة المعروفة باسم «أنتي بالاكا» من مهاجمة مناطق المسلمين.
وأصدر مجلس الأمن قراره بتفويض فرنسا بالتدخل عسكرياً في أفريقيا الوسطى، ووصلت القوات الفرنسية إلى العاصمة بانغي، واستمرت مليشيات «بالاكا» في ارتكاب مجازر ضد المسلمين في العاصمة بانغي وجماعة «الفولا» المسلمة، وفي مدن بودا وبويالي وبوزوم، بالسواطير والسكاكين، وقاموا بالتمثيل بجثثهم وحرق بعضها أمام تجاهل القوات الفرنسية، وتم استهداف منازلهم ومساجدهم بالتدمير والحرق؛ ما خلّف 5 آلاف شهيد مسلم، وأجبر 100 ألف لاجئ من المسلمين على الفرار إلى السودان وتشاد والكاميرون.
وقد نشر موقع «BBC” بالعربية، في أبريل 2014م، تحذيراً من تعرض آلاف المسلمين في أفريقيا الوسطى إلى مذبحة، وحذرت الأمم المتحدة من مخاطر مذبحة بحق آلاف المسلمين على يد مليشيات مسيحية تستهدفهم في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وقد نتج عن تزايد أعمال العنف في البلاد محو مجتمعات مسلمة في العاصمة بانغي وفي الأجزاء الشمالية الغربية من البلاد من الخريطة، بعد أن تم ذبح أهلها وإرغام الأحياء منهم على الهروب من البلاد.
وما زال جرح المسلمين ينزف في دولة أفريقيا الوسطى حتى اليوم، حيث يعانون من القتل والعنف المستمر والتشريد من ديارهم، وتخاف المسلمات من الخروج خوفاً من الاعتداء عليهن لارتدائهن الحجاب، وتشير الأمم المتحدة إلى نزوح قسراً ما يقرب من ربع سكان جمهورية أفريقيا الوسطى البالغ عددهم 4.7 مليون نسمة نهاية عام 2020م.
1- محمد الغباشي: أفريقيا الوسطى.. جرح جديد، مجلة البيان، العدد 321، جمادى الأولى 1435هـ، مارس، 2014م.
2- موقع أطباء بلا حدود: تقرير أطباء بلا حدود يستقصي معاناة المدنيين إزاء العنف الشديد ونقص الحماية، 27 فبراير 2019م.
3- موقع أخبار الأمم المتحدة باللغة العربية، 8 يناير 2021م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- (المصدر: أشرف عيد - مجلة المجتمع)