البحث

التفاصيل

حقوق الإنسان في الإسلام

حقوق الإنسان في الإسلام

الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي – عضو الاتحاد

 

وعودة إلى الحلقة الثانية من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقررها في خطبة الوداع ، اشتملت خطبة الوداع بأجزائها الثلاثة على أهم أصول الإسلام ومقاصده بإيجاز وبيان وبلاغة ، فجمعت بذلك للمؤمن خَيْرَيْ الدنيا والآخرة:

 

* فقد استفتحها رسول الله ﷺ بحمد الله والثناء عليه ، وتوصية أمته بتقوى الله وطاعته والاستكثار من فعل الخيرات،،

 

* ثم صدَّرّها بالتأكيد على تحريم الدّماء والأموال والأعراض وتغليظ العدوان عليها نظراً لقدسيتها ؛ إذ إنها من الضرورات الخمس التي تجب صيانتها وحمايتها ، بحيث يكون التعرض لها في غير هذه الأيام كحرمة التعرض لها فيها ، وإنما شبه حرمتها بحرمة يوم النحر والشهر الحرام والبلد الحرام لأن العرب كانوا لا يرون استباحة هذا اليوم وهذا الشهر وهذا البلد ولا انتهاك حرمتها بأي حال ، وهذا التوجيه النبوي المفروض يؤسس لحق عام في المجتمع على المستوى الفردي والجماعي وهو حق الأمن والأمان ، ويشمل الأمن على النفس والمال والعرض،،

 

* ثم ذكَّر المؤمنين باليوم الآخر ومحاسبة الله للخلائق أجمعين ، وضرورة تعظيم شأن الأمانة وأدائها لأصحابها والتحذير من تضييعها،،

 

* وأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلّ أمرٍ كان من الجاهلية ومن شعائرها وشعاراتها فالإسلام يَجُبُّ ما قبله ، فمثلاً لا كِبر في الإسلام ولا بطَر ولا تفاخر بالأنساب والأحساب ، ولا ثأر ولا عصبية،،

 

* وألغى دماء الجاهلية ورباها بل ووضعهما تحت قدميه بحيث لا يُطالب بهما أحد ، فلا يجوز لإنسان مثلاً أن يثأر لنفسه دون الرجوع إلى ولي الأمر والقضاء ، فالدولة في الإسلام هي الملزمة بالحفاظ على النظام العام وحماية أرواح الرعية ، وهي الملزمةٌ كذلك بتنفيذ العقوبات وإقامة الحدود على من يستوجب فعله ذلك ، وهذا يؤكد الحق العام في الأمن والأمان ويسهم في القضاء على ظاهرة أخذ القانون باليد حفاظاً على المجتمع من الفلتان.

 

والربا مثلاً لما حرمه الإسلام بكل صوره وتشدّد في ذلك كان حريصاً على حماية أموال الناس ، واستبدله بالدعوة إلى الاستثمار الذي يؤدي بالفعل إلى النمو الحقيقي للاقتصاد الدولة ، ودائماً تكشف الأزمات المالية العالمية أنّ منهج الإسلام في المعاملات المالية هو المنهج الذي يضمن حماية أموال الناس وتحقيق الرفاهية ورغد العيش لهم.

 

* وتطرق ﷺ إلى ظاهرة النسيء التي كانت في الجاهلية ، وهو تأجيل الأشهر الحرم أو أحدها إلى موعد آخر  ليكملوا القتال الذي بدأوه قبل حلولها ، وما ذاك إلا لينبه المسلمين إلى تحريم التلاعب بأحكام الله ، ولينبههم إلى خطورة تغيير معاني المحرمات وأسمائها ومحاولة ليّ النصوص الشرعية لاستحلال الحرام أو تحريم الحلال ، كتسمية الربا بالفائدة والرشوة بالهدية وغير ذلك وصولاً إلى نشر هذه المفاهيم الباطلة في المجتمعات الإسلامية،

 

* ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الناس بالأشهر الحرم وبأحكامها الشرعية المعلومة كحرمة القتال والقتل وتغليظ الديات فيها ، فقد أقرّ الإسلام ما استقرّ عليه أهل الجاهلية من أمر تعظيمها لما في ذلك من صيانة للأمن والأمان وسائر الحرمات.

 

* وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من وساوس الشيطان وغوايته وكيده واتباع خطواته التي من أخطرها الاستهانة بالذنوب والإصرار عليها سواء الكبائر منها والصغائر ، فإنها لا تقل خطورة وضرراً عن الردة أو الشرك بالله سبحانه وتعالى ، وهذا جانب مهم من جوانب حفظ الدين الذي هو من اهم الضرورات الخمس.

 

* وأكد ﷺ على مبدأ الأخوة بين المسلمين وحذر من انتهاك الحرمات وأكل أموال الناس بالباطل والعودة إلى العصبية والتقاتل ونكران نعم الله تعالى.

 

* وفي مجال الحقوق الزوجية حظيت المرأة بنصيب وافر من خطة الوداع ، وطالب الرجل بضرورة إحسان معاملتها باعتبارها شريكاً في الحياة الزوجية مبطلا بذلك النظرة الجاهلية للمرأة ، ومؤكداً على دورها الإيجابي البنّاء في الأسرة والمجتمع ، فأوجب على الزوج أن يتّقي الله في معاملته زوجته دون ظلمٍ أو جور أو إنقاص لحقوقها ، وفي ذلك توجيه للرجل بأنّ الإحسان إلى زوجته هو من واجباته وليس منّة ولا فضلاً منه عليها.

 

وأوجب على الزوجة في الوقت ذاته حقوقاً لزوجها أبرزها تجنب الفعل المشين بالسماح لمن يكره زوجها دخولهم إلى بيته ، والمقصود كما قال بعض العلماء: أن لا يختلين بالرجال ولم يقصد صلى الله عليه وسلم الزنا فهو محرم مع من يكرهه الزوج ومن لا يكرهه ، وجاء هذا التوجيه النبوي لأنه كان من عادة العرب حديث الرجال مع النساء ولم يكن ذلك عيباً ولا ريبة عندهم ، فلما نزلت آية الحجاب نُهُوا عن ذلك.

 

وأما إن فعلت الزوجة هذا المحظور فللزوج تقويمها ولومها بالضرب غير المُبرّح بهدف لفت انتباهها إلى سوء فعلها وليس بهدف الضرب لذاته . وهذا النوع من التأديب ثابت بنص القرآن الكريم ، لذا فلا يُلْتَفَتُ إلى تشكيك المنافقين ومهاجمة واعتراض دعاة تحرير المرأة وغيرهم في ردهم ذلك والطعن فيه ، على أن أكارم الرجال لا يضربون النساء ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم { لم يضرب خادماً ولا امرأة ولا شيئاً بيده قط } رواه البخاري.

 

* وذكّر ﷺ الناس بأصلهم الأول فهم جميعاً من آدم ، وحذرهم من تبني الموازين المجتمعية الظالمة كالتفاضل على أساس اللغة أو الطائفة أو العرق ، فالتفاضل بين الناس يكون فقط بالتقوى والعلم والعمل الصالح والخلق الحسن ، إن هذا التوجيه النبوي يضمن للناس جميعاً حقهم في المساواة والعدالة ، فهذه الفروق بين الناس ليست من كسبهم ولا يترتب عليها أية آثار او واجبات شرعية ، فليس من العدالة التمييز بينهم على أساسها.

 

* وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان يؤخذ بذنبه ويتحمل وحده تبعات عمله ولا يؤاخذ غيره على ذلك ، وهذا بخلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية من تحميل الأسرة أو القرابة أو القبيلة ذنب أو سلوك أي واحد من أفرادها او اعتدائه على الآخرين كعادة الثأر أو التهجير والإجلاء ، فقد قال تعالى { وَلا تَزِرُ‌ وَازِرَ‌ةٌ وِزْرَ‌ أُخْرَ‌ى } فاطر 18 ، وهذا يؤكد الحق في العدالة والاستقرار ورفع الظلم.

 

* وأشار صلى الله عليه وسلم في خطبته العظيمة إلى بعض الأحكام الشرعية للنسب كتحريم التبني ، فالنسب من أعظم حقوق الإنسان ، وكذلك دعا صلى الله عليه وسلم إلى احترام حقوق الورثة وعدم الإجحاف في الوصية ، وأمر المسلمين بضرورة التخلّص من عادات الجاهلية بوجوب توزيع التركة لمستحقيها من خلال الانقياد إلى أحكام الشرع في تقسيم الميراث على الورثة وألاَّ يستأثر أحد بتوزيعها حسب أهوائه أو يحرم منها بعض مستحقيها وبالأخص النساء والضعفاء.

 

* وبيّن صلى الله عليه وسلم أنّ النجاة الحقيقية تكون بالاعتصام بكتاب الله الكريم وبالسنَّة النبوية الشريفة والعمل بما فيهما من أحكام ومقاصد جليلة ، لأنهما سبيل الوقاية والحماية من الضلال للفرد والمجتمع ، وهما المنهج الثابت لتحقيق التمكين والتقدّم الحضاري للأمة الإسلامية بل لكل الإنسانية ، وهي دعوة صريحة إلى نبذ المناهج الأرضية البشرية التي تثبت فشلها على الدوام ، وعلى مدى أكثر من قرن كان واقعنا المعاصر أكبر برهان على ذلك.

 

فمن أراد الثبات فعليه التمسك بهما ففيهما سعادة الدنيا والآخرة.. يضاف إلى ذلك أن التمسك بالسنة النبوية المشرفة هو من لوازم التمسك بكتاب الله تعالى لأن الله سبحانه وتعالى قد أحال في كتابه الكريم على السنة النبوية في آيات كثيرة منها مثلاً قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّ‌سُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر 7.

 

* وفي خطبة الوداع أمرهم صلى الله عليه وسلم بالاستماع الجيد ليأخذوا عنه مناسكهم وكل تكاليفهم الشرعية فقد كانوا جموعاً غفيرة ، وفي ذلك فائدة كبيرة وهي أن الإنصات للعلماء لازم للمتعلمين ، فالعلماء ورثة الأنبياء.

 

وأمرهم صلى الله عليه وسلم أيضاً بأمر عظيم وهو أمانة التبليغ لمن لم يشهد الخطبة ولم يحضرها بل وللأجيال اللاحقة . وبهذه الأمانة وتبليغها انتشر دين الله وعم الأرض والبشر وبقي وسيبقى إلى يوم القيامة ، فالتبليغ هو مهمة الأمة المسلمة ورسالتها من بعده إلى البشرية كلها ، وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا الدور المنوط بهم ، ولنستحضر قول ربعي بن عامر لقائد العدو في إحدى المعارك [الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الديان إلى عدل الإسلام].

 

* وفي خاتمة الخطبة برّأ صلى الله عليه وسلم نفسه من المسؤولية بعدما بلّغ الناس هذه الأمور العظيمة وبينها لهم باعتبارها دستوراً لازماً للأمة بل لكل البشرية في سائر الأوقات والأزمان حتّى قيام الساعة ، فأشهد الله تعالى عليهم فلا حجة لهم عليه ، ولا حجة لهم على الله سبحانه وتعالى ، وقد شهد له الصحابة رضي الله عنهم بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة.


: الأوسمة



التالي
بسبب تشديد القوانين على المسلمين.. تلاميذ يغادرون مقاعد الدراسة في فرنسا
السابق
حب المال والجاه والمنصب

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع