مقال بعنوان: المرأة بين ملكتها الإبداعية والعقبات الاجتماعية
بقلم: أم كلثوم محمد فال - عضو الاتحاد
إنها المرأة المؤسسة الأولى للأسرة ، والمحضن الآمن لها ، إنها نبراس الرجل المضيء لطريقه.
من أجنة في بطنها إلى أن يخرج ذلك الطفل، إلى أن يبلغ أشده ، إنها نهر فياض، يسقي ينابيع تلك البراعم بالعطف المبطن بالوجدان ، إنها مصدر الحنان ، تمد الرجل بالطمأنينة، حتى يوفر للطفل الأمان.
ومن هنا يبدأ تاريخ الإنسانية ، حين بدأ الخطاب إلهي بالسكن إلى المرأة في قوله جل جلاله :( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف ١٨٩.
إلى أن جاء دور هاجر، أم نبينا إسماعيل عليه السلام ، وما يعنيه السعي بين الصفا والمروة من تضحية دينية واجتماعية ، إلى أن وصلت تلك التضحيات إلى أمنا خديجة رضي الله عنها حين برزت التضحيات الجسام اتجاه ديننا الحنيف.
وقد كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تمثل أكبر مؤسسة علمية ، يُرجع إليها في شتى أنواع العلوم الشرعية والاجتماعية ، وتواصلت تلك التضحيات حتى قيل "وراء كل عظيم امرأة ".
وقد تواترت النصوص الشرعية، بالذب عن المرأة ، حماية لعرضها ومالها ، تمثل ذلك في إقامة حد من الحدود الشرعية ردعا وزجرا ، لمن تعرض لقذف المحصنات خاصة ، حتى شمل الرجل المقذوف ذلك الحكم ، قياسا عليها.
كما تمثلت حماية مالها ، في تخويلها حق الملكية الخاصة من إعطائها الصداق كاملا ، والنهي عن أخذ شيء منه مع المسيس والإفضاء إلا عن طيب نفس وذلك في قول الله عزوجل: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) الآية: ٤ النساء.
وذلك لتأكيد نيلها الملكية الخاصة أما عن غير طيب نفسها فلا يُأخذ إلا بهتانا وإثما مبينا كما تم التنصيص عليه في القرآن الكريم: (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) سورة النساء20-٢١.
وقد تمثلت تلك الحماية المالية أيضا في تحديد نصيبها من الإرث بعد أن كانت تحرم منه قبل الإسلام ، حيث فُرض لها نصيبا مفروضا حين اشتكت الأم والزوجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمان المرأة من الإرث سواء بنتا أو زوجة.. ففرض لها في الآية الكريمة: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ...) سورة النساء ١١.
وهنا لا يخفى أن المرأة فرض الله لها نصيبا مفروضا من الثلثين إلى النصف في حالة عدم وجود الأخ الشقيق أو للأب لما لهما من حماية الأخت والذود عنها ، ولا يضاعف الرجل نصيبها فرضا إلا مع وجود الأشقاء أو للأب ، أو في حالة الزوج مع الزوجة، لما يتعلق به من تحمل الأعباء المادية .. أما في غير هذه المسائل فلا يضاعف الرجل نصيبها ، بل قد تكون أوفر منه نصيبا في أغلب مسائل التركة.
وقد كان سبب نزول هذه الآيات، شكوى زوجة سعد ابن الربيع رضي الله عنه، أم ابنتيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حرمانها وابنتيها من الميراث عند أخذ عمهما للمال بعد استشهاد أبيهما رضي الله يوم أحد.
ومن هنا ندرك أن المرأة لا يضاعف الرجل نصيبها إلا عندما يكون أخا شقيقا أو للأب ، أو زوجا ، أما غير ذلك فيفرض لها نصيبا مفروضا.
خلافا لما يروج له من بخسها في الإرث حين كانت تحرم منه قبل الإسلام.
واليوم توالت تلك التضحيات حين احتلت المرأة الصدارة ، إذ جمعت بين دورها التربوي ودورها المهني الوطني.
وقد كان لبعض البلدان العربية والإسلامية دوراً مرموقاً في إعطاء المرأة والطفل مكانة سامية لصيانة الأسرة والمجتمع ، كما تم في دولة قطر تأسيس المجلس الأعلى للأسرة سنة ١٩٩٨، رسالته تتلخص في النهوض بالأسرة القطرية من خلال مراجعة التشريعات القائمة ، واقتراح تشريعات جديدة ، كما أسست عدة مراكز أهمها مركز الاستشارات العائلية ، حين قامت سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند بتأسيسه عام٢٠٠٣ ، كمؤسسة قطرية تحافظ على تماسك الأسرة القطرية واستقرارها حيث تراجعت نسبة الطلاق بنسب كبيرة ، ويعتبر هذا المركز أول مركز من نوعه على المستوى الرسمي.
كما تم في المملكة المغربية إنشاء مدونة جديدة للأسرة ، أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس ٢٠٠٣، وما تشتمل عليه تلك المدونة من قوانين تتعلق بحماية المرأة والطفل والأسرة والمجتمع ، إذ تم إحداث أقسام قضاء الأسرة بهدف ضمان الحفاظ على تلك الأسرة وتماسكها ، وعين جلالة الملك محمد السادس لأول مرة في تاريخ المغرب ست وثلاثون امرأة تضمهن مختلف المجالس العلمية بالمملكة المغربية، وواحدة بالمجلس العلمي الأعلى ، وتمكينها من إلقاء الدروس الدينية التي تنظم في شهر رمضان الكريم أمام جلالته.
وما تم في موريتانيا من إصدار المحاكم الشرعية أحكاما تتعلق بتحقيق النسب الأبوي للطفل بتكامل شرعي علمي؛ ليستطيع القيام بقدراته الذاتية الكامنة ، كيلا تنعكس سلبا على أسرته ومجتمعه.
وكذلك ما تم في هذه البلدان وغيرها من إعطاء المرأة حقها في الثقافة والمنصب، كتعيين المرأة في بعض المناصب الوزارية، والاستشارية، وخاصة في المناصب المتعلقة بالأسرة والطفل ، كل ذلك للرفع من مستوى المرأة الإبداعي في تحصين مجتمعها من الزلل والانحراف كمؤسسة أولى وحاضنة لذلك المجتمع.
ومازالت المرأة تخطو وتتجاوز بعض العقبات المليئة بأشواك التقاليد وتعثرات العادات البدائية المزروعة تحت تلك الخطى وخاصة في مسيرتها العلمية حيث أن بعض المجتمعات يمنعها تقليديا حقها المعرفي سواء في التحصيل أو الإعطاء مما يعرقل وصولها إلى تحقيق بعض الأهداف المنشودة.
ومع ذلك فما زالت المطالبات حثيثة بتحقيق وتفعيل دورها في الإفتاء ، وخاصة في القضايا المتعلقة بالنساء لبيان أحكام دينهن، لتقوم هي الأخرى بدورها المعرفي؛ في التنشئة السليمة للأسرة والمجتمع دينيا واجتماعيا واقتصاديا.