الرابط المختصر :
يوم ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم رمز على الاستقامة والوسطية
بقلم: الشيخ بن سالم باهشام – عضو الاتحاد
كانت ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم لا كولادات سائر البشر، لأنه المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسيد الخلق أجمعين، لهذا كان كل شيء من حياته إلا وفيه رمزية ودلالة هداية للبشرية جمعاء، فحتى اليوم الذي ولد فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يندرج تحت هذه الرمزية، وكما هو معلوم أن أيام الأسبوع قسمان: قسم يدخل ضمن أيام عيد تعبدية، وقسم يدخل ضمن أيام عادية، فالجمعة والسبت والأحد يدخل ضمن الأيام المقدسة عند أصحاب الديانات الثلاث: المسلمون واليهود والنصارى، فيوم الجمعة يوم مميز بالنسبة للمسلمين، ويكون مختلفا عن بقية أيام الأسبوع، ففيه صلاة الجمعة التي تتحول من صلاة الظهر بأربع ركعات إلى صلاة مخفضة إلى ركعتين مصحوبة بخطبة من جزأين، وهو عيد أسبوعي للمسلمين، و من الحكمة جعل صلاتها مثل صلاة العيد. وهذا اليوم فيه من الأسرار الشيء الكثير، فهو أكثر مما نعلم عنه، والثابت هو أن يوم الجمعة هو يوم جليل عند الله سبحانه وتعالى، وكما ورد في الحديث الشريف المثبت في صحيح مسلم، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (خيرُ يومٍ طلعت عليه الشَّمس يومُ الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدْخِلَ الجنةَ، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)1، ومن الأمور المستحبة يوم الجمعة الإكثار من الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام.
وكما للمسلمين يوم مميز بالحق، فلليهود و النصارى كل منهم يوم أسبوعي مقدس، فاليهود لهم يوم السبت، لاعتقادهم الباطل، أن الله عز و جل بعد خلقه للدنيا بكل ما فيها من أرض و سماء و بحر، استراح يوم السبت، و حاشى لله أن يكون كذلك، لذلك تجدهم في ذلك اليوم لا يفعلون شيئا في بيوتهم، لا يطبخون ولا يكنسون، وكذلك هو يوم عطلتهم، وردّ الله على اليهود افتراءهم في القرآن فقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)2، أما بالنسبة للنصارى فيومهم الأسبوعي المقدس هو الأحد، وهو اليوم الذي يجتمعون فيه في الكنائس لأداء صلواتهم، وسبب تقديسهم لهذا اليوم هو بسبب ما يسمونه قيامة يسوع التي كانت في يوم الأحد، وروايتهم تقول حسب معتقدهم الباطل: إن عيسى عليه السلام صلب يوم الجمعة بعد تحريض اليهود للقيصر على قتله بزعم أنه يُحرّض الشعب ضده، و تم لهم مرادهم بقتله، لكنه في اليوم الثالث من مقتله التي تصادف مع يوم الأحد؛ قام من قبره. وكذلك رد الله تعالى على الادعاء الباطل للنصارى في القرآن فقال: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)3، وحتى لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد تشرف بولادته في هذه الأيام المقدسة عند أصحابها، كانت ولادته في القسم الثاني من أيام الأسبوع العادية، ومن مواضع الاتفاق في ميلاده صلى الله عليه وسلم عند علماء المسلمين تحديد اليوم، فهو يوم الاثنين ، ففيه وُلد صلى الله عليه وسلم ، وفيه بُعث ، وفيه توفي .عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: ( سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْن، قَالَ : ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ – أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ )4.
والسر في تخصيص يوم الإثنين دون سائر الأيام الأخرى العادية، أنه اليوم الوسط الذي جاء بين الأيام المقدسة والأيام العادية، فيوم الإثنين من الأيام العادية، فهو الذي شرف بهذه الولادة العظيمة، والتي أصبحت رمزا على استقامته ووسطيته صلى الله عليه وسلم، و على استقامة رسالته ووسطيتها، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)5. والصراط المستقيم هو الطريق السوي الواقع وسط الطرق المنحرفة عن القصد، فإذا فرضنا خطوطاً كثيرةً واصلة بين نقطتين متقابلتين، فالخط المستقيم إنما هو الخط الواقع في وسط تلك الخطوط المنحنية أو المنكسرة، وهو وسطها، وأقصرها إلى الهدف، والمسلم يسأل ربه أن يهديه إلى الصراط المستقيم كل يوم ما لا يقلُّ عن سبع عشرة مرة، وذلك حينما يقرأ سورة الفاتحة، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). فالمغضوب عليهم هم الذين أفرطوا لكونهم عرفوا وانحرفوا، والضالون هم الذين فرّطوا، لكونهم جهلوا فانحرفوا، هذه هي رمزية اليوم الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم، فالاستقامة هي أقصر طريق لسعادة الدارين. هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومميزاته، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)6، وهذه هي رسالته السمحة، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)7، فما حظنا من هذه الاستقامة وهذه الوسطية على الصعيد الفردي والجماعي؟
الهوامش
1 – رواه مسلم (ح 854).
2 – سورة ق، الآية 38.
3 – سورة النساء، الآيتان 157- 158.
4 – رواه مسلم (ح 1162). قال ابن كثير – رحمه الله –: وأبعدَ بل أخطأ من قال : ولد يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من ربيع الأول . نقله الحافظ ”ابن دحية” فيما قرأه في كتاب ”إعلام الروى بأعلام الهدى” لبعض الشيعة . ثم شرع ابن دحية في تضعيفه وهو جدير بالتضعيف إذ هو خلاف النص. ”السيرة النبوية” (1 / 199).
5 – سورة الشورى، الآيتان 52 – 53.
6 – سورة الشورى، الآيتان 52 -53.
7 – سورة الأنعام، الآية 153.